الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَمُسْتَدْرِكِ الْحَاكِمِ، وَتَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَابْنِ مَرْدُوَيه، مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} إِنَّمَا (1) أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ (2) وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ حَرَامًا عَلَى غَيْرِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ النُّزُولِ فِيهِمْ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ، مِنْ أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ، وَاللَّهُ [تَعَالَى](3) أعلم.
(1) في م: "أنها".
(2)
سنن أبي داود برقم (2648) وسنن النسائي الكبرى برقم (11203) والمستدرك (2/327) وتفسير الطبري (13/437) .
(3)
زيادة من م.
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(17)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
يُبَيِّنُ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَأَنَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ خَيْرٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَفَّقَهُمْ لِذَلِكَ وَأَعَانَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} أَيْ: لَيْسَ بِحَوْلِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ قَتَلْتُمْ أَعْدَاءَكُمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ، أَيْ: بَلْ هُوَ الَّذِي أَظْفَرَكُمْ [بِهِمْ وَنَصَرَكُمْ](1) عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] } [آلِ عِمْرَانَ: 123] . (2) وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التَّوْبَةِ: 25] يَعْلِمُ تبارك وتعالى-أَنَّ النَّصْرَ لَيْسَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا بِلِبْسِ اللَّأْمَةِ وَالْعَدَدِ، وَإِنَّمَا النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى (3) كَمَا قَالَ:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 249] .
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا فِي شَأْنِ الْقَبْضَةِ مِنَ التُّرَابِ، الَّتِي حَصَبَ بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ (4) يَوْمَ بَدْرٍ، حِينَ خَرَجَ مِنَ الْعَرِيشِ بَعْدَ دُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ وَاسْتِكَانَتِهِ، فَرَمَاهُمْ بِهَا وَقَالَ:" شَاهَتِ الْوُجُوهُ ". ثُمَّ أَمَرَ الصَّحَابَةَ أَنْ يَصْدُقُوا الْحَمْلَةَ إِثْرَهَا، فَفَعَلُوا، فَأَوْصَلَ اللَّهُ تِلْكَ الْحَصْبَاءَ إِلَى أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا نَالَهُ مِنْهَا مَا شَغَلَهُ عَنْ حَالِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ [تعالى] (5) {وَمَارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} أَيْ: هُوَ الَّذِي بَلَّغَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَكَبَتَهُمْ بِهَا لَا أَنْتَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ -يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ -فَقَالَ: " يَا رَبِّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ، فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا". فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: "خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَارْمِ بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ" فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَدٌ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ، رضي الله عنه، يَوْمَ بدر:"أعطني حصبا من الأرض".
(1) زيادة من ك، م.
(2)
زيادة من ك، م، أ، وفي هـ:"الآية".
(3)
في م: "عنده تعالى".
(4)
في أ: "القوم".
(5)
زيادة من أ.
فَنَاوَلَهُ حَصَبًا (1) عَلَيْهِ تُرَابٌ، فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شَيْءٌ، ثُمَّ رَدِفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ (2) يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْس وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِي قَالَا لَمَّا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، وَقَالَ:"شَاهَتِ الْوُجُوهُ". فَدَخَلَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ كُلِّهِمْ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ [صلى الله عليه وسلم](3) يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَكَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فِي رَمْية رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى](4){وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِحَصَاةٍ [فِي](5) مَيْمَنَةِ الْقَوْمِ، وَحَصَاةٍ فِي مَيْسَرَةِ الْقَوْمِ، وَحَصَاةٍ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَقَالَ:"شَاهَتِ الْوُجُوهُ"، فَانْهَزَمُوا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ (6) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَمْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَة، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، سَمِعْنَا صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ، كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي طَسْتٍ، وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الرَّمْيَةَ، فَانْهَزَمْنَا (7)
غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَهَاهُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ غَرِيبَانِ جِدًّا.
أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِخَيْبَرَ، دَعَا بِقَوْسٍ، فَأَتَى بِقَوْسٍ طَوِيلَةٍ، وَقَالَ:"جيئوني غيرها". فجاؤوا بِقَوْسٍ كَبْدَاءَ، فَرَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحِصْنَ، فَأَقْبَلَ السَّهْمُ يَهْوِي حَتَّى قَتَلَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ، وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (8)
وَهَذَا غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ، وَإِلَّا فَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَئِمَّةِ العلم، والله أعلم.
(1) في م: "حصباء".
(2)
في م: "المسلمون".
(3)
زيادة من م، ك، أ.
(4)
زيادة من م.
(5)
في ك، م، أ:"فرمى في".
(6)
انظر: تفسير الطبري (13/443 - 445) .
(7)
تفسير الطبري (13/443) .
(8)
سقط هذا الأثر والذي يليه من نص الطبري وأثبته المحقق في الهامش (13/446) .