المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ الْأَنْفَالِ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(58) }

- ‌(59)

- ‌61]

- ‌(62)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(72) }

- ‌(73) }

- ‌(74)

- ‌(1)

- ‌ التَّوْبَةِ

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14)

- ‌(16) }

- ‌ 17

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌[الْمُجَادَلَةِ:

- ‌22]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(52)

- ‌(55) }

- ‌ 56]

- ‌(60) }

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(69) }

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(75)

- ‌(79) }

- ‌(80) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(85) }

- ‌(87) }

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(97)

- ‌(100) }

- ‌(102) }

- ‌(103)

- ‌(105) }

- ‌(106) }

- ‌(107)

- ‌(109)

- ‌(111) }

- ‌(112) }

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(117) }

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(122) }

- ‌(123) }

- ‌(124)

- ‌(126)

- ‌(128)

- ‌ يُونُسَ

- ‌(1)

- ‌ 3]

- ‌(4) }

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(37)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(53) }

- ‌(54) }

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(71)

- ‌(74) }

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(98) }

- ‌(99)

- ‌(104)

- ‌(107) }

- ‌(108)

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌9]

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(28) }

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61) }

- ‌(63) }

- ‌(64)

- ‌(72)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84) }

- ‌(85)

- ‌(88) }

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(106)

- ‌(108) }

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(123) }

- ‌ يُوسُفَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(35) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(50)

- ‌(53) }

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(63) }

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(69) }

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(79) }

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(99)

- ‌(101) }

- ‌(102)

- ‌(104) }

- ‌(105)

- ‌(108) }

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌ الرَّعْدِ

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(17) }

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌ 20]

- ‌(25) }

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌ إِبْرَاهِيمَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22)

- ‌ 24]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52) }

- ‌ الْحِجْرِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(32)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(57)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(78)

- ‌(85)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌ النَّحْلِ

- ‌(1) }

- ‌(2) }

- ‌ 5

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9) }

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(65) }

- ‌(68)

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90) }

- ‌(91)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(97) }

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(103) }

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌(114)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(124) }

- ‌(125) }

الفصل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‌

(41) }

يُبَيِّنُ تَعَالَى تَفْصِيلَ مَا شَرَعَهُ مُخَصَّصًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الشَّرِيفَةِ، مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، مِنْ إِحْلَالِ الْمَغَانِمِ. وَ"الْغَنِيمَةُ": هِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ. وَ"الْفَيْءُ": مَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَالْأَمْوَالِ الَّتِي يُصَالَحُونَ عَلَيْهَا، أَوْ يُتَوَفَّوْنَ عَنْهَا وَلَا وَارِثَ لَهُمْ، وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ (1) وَالْخَلَفِ.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُطْلِقُ الْفَيْءَ عَلَى مَا تُطْلَقُ (2) عَلَيْهِ الْغَنِيمَةُ، وَالْغَنِيمَةُ عَلَى الْفَيْءِ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ "الْحَشْرِ":{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ [الْحَشْرِ: 7]، قَالَ: فَنَسَخَتْ آيَةُ "الْأَنْفَالِ" تِلْكَ، وَجَعَلَتِ الْغَنَائِمَ: أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا (3) لِلْمُجَاهِدِينَ، وَخُمُسًا مِنْهَا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْر، وَتِلْكَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِير، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ بَدْرٍ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُرْتَابُ، فَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَعْنَى الْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةِ يَقُولُ: تِلْكَ نَزَلَتْ فِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَهَذِهِ فِي الْمَغَانِمِ. وَمَنْ يَجْعَلُ أَمْرَ الْمَغَانِمِ وَالْفَيْءِ رَاجِعًا (4) إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ يَقُولُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ آيَةِ الْحَشْرِ وَبَيْنَ التَّخْمِيسِ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ (5) تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} تَوْكِيدٌ لِتَخْمِيسِ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ حَتَّى الْخَيْطِ (6) وَالْمَخِيطِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 161] .

وَقَوْلُهُ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلَّهِ نَصِيبٌ مِنَ الْخُمُسِ يُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحي قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ فَيُقَسِّمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ، تَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ شَهِدَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الْخُمُسَ فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فِيهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفُّهُ، فَيَجْعَلُهُ لِلْكَعْبَةِ (7) وَهُوَ سَهْمُ اللَّهِ. ثُمَّ يُقَسِّمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ سَهْمٌ لِلرَّسُولِ، وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ (8)

وَقَالَ آخَرُونَ: ذِكْرُ اللَّهِ هَاهُنَا اسْتِفْتَاحُ كلام للتبرك، وسهم (9) لرسوله عليه السلام (10)

(1) في أ: "علماء من السلف".

(2)

في م: "ما يطلق".

(3)

في د: "الأربعة الأخماس"، وفي ك:"أربعة أخماس".

(4)

في ك: "راجع".

(5)

في ك: "ويقول"، وفي م:"فقوله".

(6)

في ك، م:"الخياط".

(7)

في د: "في الكعبة".

(8)

رواه الطبري في تفسيره (13/550) .

(9)

في م: "وسهمه".

(10)

في أ: "صلى الله عليه وسلم".

ص: 59

قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ سَرِيَّة فَغَنِمُوا، خَمَّس الْغَنِيمَةَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ. ثُمَّ قَرَأَ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [قَالَ: وَقَوْلُهُ](1){فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} مفتاح كلام، لله ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا.

وَهَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَالْحَسَنُ بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ. وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وعَطاء بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ (2) وقَتَادَةُ، وَمُغِيرَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ سَهْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِوَادِي القُرى، وَهُوَ يَعْرِضُ فَرَسًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الْغَنِيمَةِ؟ فَقَالَ:"لِلَّهِ خُمُسُهَا، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِلْجَيْشِ". قُلْتُ: فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: " لَا وَلَا السَّهْمُ تَسْتَخْرِجُهُ مِنْ جَنْبِكَ، لَيْسَ أَنْتَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ"(3)

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمُسِ (4) مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ: أَلَا أَرْضَى مِنْ مَالِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ (5)

ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ، فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ (6) عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ (7) فَرُبُعٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى -يَعْنِي: قُرَابَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا، [وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى، وَالرُّبْعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ] . (8)

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر المِنْقَرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَة فِي قَوْلِهِ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} قَالَ: الَّذِي لِلَّهِ فَلِنَبِيِّهِ، وَالَّذِي لِلرَّسُولِ لِأَزْوَاجِهِ.

وَقَالَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ بن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ (9) وَاحِدٌ، يَحْمِلُ مِنْهُ وَيَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ -يَعْنِي: النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) زيادة من تفسير الطبري.

(2)

في ك، م، أ:"عبد الله بن أبي بريدة".

(3)

السنن الكبرى (6/324) .

(4)

في جميع النسخ: "أوصى الحسن بالخمس" والمثبت من الطبري.

(5)

تفسير الطبري (13/550) .

(6)

في د: "تخمس".

(7)

في د، ك، م، أ:"أربعة أخماس".

(8)

ما بين المعقوفين عن تفسير الطبري.

(9)

في د: "خمس الله وخمس الرسول".

ص: 60

وَهَذَا أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ (1) صلى الله عليه وسلم (2) يَتَصَرَّفُ فِي الْخُمُسِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ بِمَا شَاءَ، وَيَرُدُّهُ فِي أُمَّتِهِ كَيْفَ شَاءَ -وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ:

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْأَعْرَجِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيِّ: أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ، رضي الله عنهم، فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِعُبَادَةَ: يَا عُبَادَةُ، كَلِمَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فِي شَأْنِ الْأَخْمَاسِ؟ فَقَالَ عُبَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوَةٍ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ (3) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنَاوَلَ وَبَرة بَيْنَ أُنْمُلَتَيْهِ فَقَالَ:"إِنَّ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي فِيهَا إِلَّا نَصِيبِي مَعَكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، وَأَكْبَرَ (4) مِنْ ذَلِكَ وَأَصْغَرَ، وَلَا تَغُلُّوا، فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَجَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ (5) الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَجَاهِدُوا فِي [سَبِيلِ] (6) اللَّهِ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ [عَظِيمٌ] (7) يُنَجِّي بِهِ اللَّهُ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ"(8)

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَلَكِنْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ (9) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ فِي قِصَّةِ الْخُمُسِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْغُلُولِ (10)

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً (11) مِنْ ذَلِكَ الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ:"وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلَ هَذِهِ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (12)

وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَغَانِمِ (13) شَيْءٌ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ فَرَسًا أَوْ سَيْفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ -وَحَسَّنَهُ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا (14)

(1) في د: "وهو أنه".

(2)

في أ: "صلوات الله وسلامه عليه".

(3)

في أ: "قال".

(4)

في أ: "وأكثر".

(5)

في م: "في سبيل الله".

(6)

زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.

(7)

زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.

(8)

المسند (5/316) .

(9)

في أ: "أن".

(10)

المسند (2/184) وسنن أبي داود برقم (2694) .

(11)

في د: "أخذ منه وبرة".

(12)

سنن أبي داود برقم (2755) .

(13)

في د، ك، م:"الغنيمة".

(14)

في أ: "ذو".

ص: 61

الفَقَار يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ (1)

وَعَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (2)

وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا بالمِرْبَد إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ، فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا:"مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ، إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَسَهْمَ الصَّفِيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". فَقُلْنَا: مَنْ كَتَبَ لَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3)

فَهَذِهِ أَحَادِيثُ جَيِّدَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَقَرُّرِ هَذَا وَثُبُوتِهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرُونَ مِنَ الْخَصَائِصِ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْخُمُسَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْفَيْءِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، رحمه الله: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَعُلِمَ، فَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الَّذِي كَانَ يَنَالُهُ عليه السلام (4) مِنَ الْخُمُسِ، مَاذَا يُصنع بِهِ مَنْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ: يَكُونُ لِمَنْ يَلِي الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. رُوِيَ هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة جماعة، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ (5)

وَقَالَ آخَرُونَ: يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ: ذَوِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مَرْدُودَانِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْخُمُسَ جَمِيعُهُ لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جرير.

(1) المسند (1/271) وسنن الترمذي برقم (1561) .

(2)

سنن أبي داود برقم (2994) .

(3)

سنن أبي داود برقم (2994) .

(4)

في أ: "صلى الله عليه وسلم".

(5)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/303) من طريق الوليد بن جميع عن أبي الطفيل: لما سألت فاطمة أبا بكر عن الخمس فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه كانت للذي يلي بعده" فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين.

ص: 62

حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ، حَدَّثَنَا المِنْهَال بْنُ عَمْرٍو، وَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْخُمُسِ فَقَالَا هُوَ لَنَا. فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} فَقَالَا يَتَامَانَا وَمَسَاكِينُنَا.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْم، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مسلم: سألت الحسن بن محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ (1) تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} قَالَ (2) هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ (3) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنَ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ. وَقَالَ قَائِلُونَ: لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ الْقَرَابَةِ لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ. فَاجْتَمَعَ قَوْلُهُمْ (4) عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْلِ والعُدة فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رضي الله عنهما (5)

قَالَ (6) الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (7) كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ يَجْعَلَانِ سَهْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: مَا كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَ [عَلِيٌّ](8) أَشَدَّهُمْ فِيهِ.

وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، رحمهم الله.

وَأَمَّا سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَازَرُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ](9) وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ غَضَبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحِمَايَةً لَهُ: مُسْلِمُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَافِرُهُمْ حَمِيَّة لِلْعَشِيرَةِ وَأَنَفَةً وَطَاعَةً لِأَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ. وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ -وَإِنْ كَانُوا أَبْنَاءَ عَمِّهِمْ -فَلَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ حَارَبُوهُمْ وَنَابَذُوهُمْ، وَمَالَئُوا بُطُونَ قُرَيْشٍ عَلَى حَرْبِ الرَّسُولِ؛ وَلِهَذَا كَانَ ذَمُّ أَبِي طَالِبٍ لَهُمْ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ أَشَدَّ مِنْ غَيْرِهِمْ، لِشِدَّةِ قُرْبِهِمْ. وَلِهَذَا يَقُولُ فِي أَثْنَاءِ قَصِيدَتِهِ (10) جَزَى الله عَنَّا عبدَ شمس ونَوفلاعُقُوبة شرٍّ عَاجِلٍ غَيْرَ آجلِ

بِمِيزَانِ قسْط لَا يَخيس شَعِيرةلهُ شَاهدٌ مِنْ نَفْسه غَيْرُ عائلِ

لَقَدْ سَفُهت أحلامُ قوم تَبَدَّلوابني خَلَف قَيْضا بِنَا والغَيَاطِلِ

ونحنُ الصَّميم مِنْ ذؤابة هاشموآل قُصَى في الخُطُوب الأوائلِ (11)

(1) في د: "عن قوله".

(2)

في د: "فقال".

(3)

في ك: "كلام الله".

(4)

في ك، م:"رأيهم".

(5)

في ك: "رضي الله عنهما وأرضاهما".

(6)

في م: "وقال".

(7)

في م: "إبراهيم قال".

(8)

زيادة من الطبري.

(9)

زيادة من د، ك، م.

(10)

في ك: "قصيدته اللامية".

(11)

الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (1/277) .

ص: 63

وَقَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ [بْنِ نَوْفَلٍ](1) مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ -إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُم مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ:"إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ".

رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ: "إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ"(3)

وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ. ثُمَّ رَوَى عَنْ خُصَيْف، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِي بَنِي هَاشِمٍ فَقُرَاءَ، فَجَعَلَ لَهُمُ الْخُمُسَ مَكَانَ الصَّدَقَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ.

ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَحْوُ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا.

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَر، عَنْ سَعِيدٍ المقْبُرِي قَالَ: كَتَبَ نَجْدَة إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ "ذِي الْقُرْبَى"، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا نَقُولُ: إِنَّا هُمْ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا، وَقَالُوا: قُرَيْشٌ كُلُّهَا ذَوُو قُرْبَى (4)(5)

وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هرمُز أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى فَذَكَرَهُ إِلَى قَوْلِهِ:"فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا"(6) وَالزِّيَادَةُ مِنْ أَفْرَادِ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيح بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ حَنَش، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِبْتُ لَكُمْ عَنْ غُسَالة الْأَيْدِي؛ لِأَنَّ لَكُمْ مِنْ خُمْس الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ أَوْ يَكْفِيكُمْ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ هَذَا وَثَّقه أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ يحيى بن معين (7)

(1) زيادة من د، ك، م.

(2)

لم أجده في صحيح مسلم ولا عزاه المزي له في تحفة الأشراف، ولم أجزم بوهم الحافظ هنا؛ لأن الزيلعي عزاه للصحيحين في تخريج الكشاف (2/30) ، ورواه البخاري في صحيحه برقم (3140) من طريق سعيد بن المسيب عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، رضي الله عنه، بنحوه.

(3)

الرواية في سنن النسائي (7/130) .

(4)

في أ: "قرابة".

(5)

تفسير الطبري (13/555) .

(6)

صحيح مسلم برقم (1812) وسنن أبي داود برقم (2982) وسنن الترمذي برقم (1556) وسنن النسائي (7/128) ، وهو عند أبي داود والنسائي من حديث الزهري عن يزيد.

(7)

في د: "سعيد".

ص: 64

يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ (1) واللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {وَالْيَتَامَى} أَيْ: يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ، أَوْ يَعُمُّ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَ {الْمَسَاكِينِ} هُمُ الْمَحَاوِيجُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّ خَلَّتَهُمْ وَمَسْكَنَتَهُمْ.

{وَابْنِ السَّبِيلِ} هُوَ الْمُسَافِرُ، أَوِ الْمُرِيدُ لِلسَّفَرِ، إِلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سُورَةِ "بَرَاءَةَ"، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أَي: امْتَثِلُوا مَا شَرَعْنَا لَكُمْ مِنَ الْخُمُسِ فِي الْغَنَائِمِ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لَهُمْ: "وَآمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شهادةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ. ." الْحَدِيثَ بِطُولِهِ (2) فَجَعَلَ أَدَاءَ الْخُمُسِ مِنْ جُمْلَةِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ بوَّب الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي "كِتَابِ الْإِيمَانِ" مِنْ صَحِيحِهِ فَقَالَ:(بَابُ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْإِيمَانِ) ، ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (3)

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} أَيْ: فِي الْقِسْمَةِ، وَقَوْلُهُ:{يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يُنَبِّهُ تَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ (4) وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا فَرَق بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِبَدْرٍ وَيُسَمَّى "الْفُرْقَانَ"؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَى فِيهِ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ عَلَى كَلِمَةِ الْبَاطِلِ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ وَنَصَرَ نَبِيَّهُ وَحِزْبَهُ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ والعَوْفِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{يَوْمَ الْفُرْقَانِ} يَوْمُ بَدْرٍ، فَرَق اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ.

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، ومِقْسَم وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، ومُقَاتل بْنُ حَيَّانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ:{يَوْمَ الْفُرْقَانِ} يوم

(1) انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (1/68) .

(2)

صحيح البخاري برقم (53) وصحيح مسلم برقم (17) .

(3)

وانظر كلام الحافظ ابن حجر في: فتح الباري (1/129 - 135) .

(4)

في أ: "نعمه".

ص: 65