الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: يُظْهِرُ فَضَائِحَهُمْ، وَمَا كَانَتْ تُجنّه ضَمَائِرُهُمْ، فَيَجْعَلُهُ عَلَانِيَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطَّارِقِ: 9] أَيْ: تَظْهَرُ وَتَشْتَهِرُ (1)، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (2) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَته، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَة فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ"(3) .
وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ، يَظْهَرُ لِلنَّاسِ مَا كَانُوا يُسِرُّونَهُ مِنَ الْمَكْرِ، وَيُخْزِيهِمُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، وَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تبارك وتعالى مُقَرِّعًا لَهُمْ وَمُوَبِّخًا:{أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} تُحَارِبُونَ وَتُعَادُونَ فِي سَبِيلِهِمْ، [أَيْ] (4) : أَيْنَ هُمْ عَنْ نَصْرِكُمْ وَخَلَاصِكُمْ هَاهُنَا؟ {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشُّعَرَاءِ: 93]، {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطَّارِقِ: 10] . فَإِذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الدَّلَالَةُ، وَحَقَّتْ عَلَيْهِمُ الْكَلِمَةُ، وَأُسْكِتُوا عَنِ الِاعْتِذَارِ حِينَ لَا فِرَارَ (5){قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} -وَهُمُ السَّادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُخْبِرُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَقُولُونَ حِينَئِذٍ:{إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أَيِ: الْفَضِيحَةَ وَالْعَذَابَ الْيَوْمَ [مُحِيطٌ](6) بِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَأَشْرَكَ بِهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ.
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(28)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ وَمَجِيءِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ: {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أَيْ: أَظْهَرُوا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَالِانْقِيَادَ قَائِلِينَ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} كَمَا يَقُولُونَ يَوْمَ الْمَعَادِ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الْأَنْعَامِ: 23]{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [الْمُجَادَلَةِ: 18] .
قَالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (7) أَيْ: بِئْسَ الْمَقِيلُ وَالْمَقَامُ وَالْمَكَانُ مِنْ دَارِ هَوَانٍ، لِمَنْ كَانَ مُتَكَبِّرًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ.
وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَيَأْتِي (8) أَجْسَادَهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حرِّها وَسَمُومِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ (9) أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فَاطِرٍ: 36] ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِرٍ: 46] .
(1) في ت: "يظهر ويستتر".
(2)
في ت: "الصحيح".
(3)
صحيح البخاري برقم (3188) وصحيح مسلم برقم (1735) .
(4)
زيادة من ت، ف، أ.
(5)
في ت، ف، أ:"لا قرار".
(6)
زيادة من ف.
(7)
في ت: "فبئس".
(8)
في ت، أ:"وينال".
(9)
في ت: "سالت".
هَذَا خَبَرٌ عَنِ السُّعَدَاءِ، بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قِيلَ لَهُمْ:{مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ} فَقَالُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الْجَوَابِ: لَمْ (1) يُنْزِلْ شَيْئًا، إِنَّمَا هَذَا (2) أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَهَؤُلَاءِ {قَالُوا خَيْرًا} أَيْ: أَنْزَلَ خَيْرًا، أَيْ: رَحْمَةً وَبِرْكَةً وَحُسْنًا لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرُوا عَمَّا وَعَدَ اللَّهُ [بِهِ](3) عِبَادَهُ فِيمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ فَقَالُوا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النَّحْلِ: 97]، أَيْ: مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ دَارَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، أَيْ: مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْجَزَاءُ فِيهَا أَتَمُّ مِنَ الْجَزَاءِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ} [الْقَصَصِ: 80](4) وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} [آلِ عِمْرَانَ: 198] وَقَالَ تَعَالَى {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الْأَعْلَى: 17]، وَقَالَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم (5) :{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى} [الضُّحَى: 4] .
ثُمَّ وَصَفُوا الدَّارَ الْآخِرَةَ فَقَالُوا (6) : {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}
وَقَوْلُهُ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بَدَلٌ مِنْ [قَوْلِهِ](7) : {دَارُ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: لَهُمْ فِي [الدَّارِ](8) الْآخِرَةِ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أَيْ: إِقَامَةٌ (9) يَدْخُلُونَهَا {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: بَيْنَ أَشْجَارِهَا وَقُصُورِهَا، {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ (10) الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخْرُفِ: 71]، وَفِي الْحَدِيثِ:"إِنَّ السَّحَابَةَ لَتَمُرُّ بِالْمَلَأِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَرَابِهِمْ (11) ، فَلَا يَشْتَهِي أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ لَمَنْ يَقُولُ: أَمْطِرِينَا كواعب أترابًا، فيكون ذلك (12) "(13) .
{َ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: كَذَلِكَ (14) يَجْزِي اللَّهُ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّقَاهُ وَأَحْسَنَ عَمَلَهُ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمْ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، أَنَّهُمْ (15) طَيِّبُونَ، أَيْ: مُخَلَّصُونَ مِنَ الشِّرْكِ والدنس
(1) في أ: "أي: لم".
(2)
في أ: "هو".
(3)
زيادة من ت، أ.
(4)
في ت، ف، أ:"وقال الذين أوتوا العلم والإيمان" وهو خطأ.
(5)
في ت، أ:"صلوات الله عليه وسلامه"، وفي ف:"صلوات الله عليه".
(6)
في ت، ف، أ:"ثم وصف الدار الآخرة فقال".
(7)
زيادة من أ.
(8)
زيادة من ف، أ.
(9)
في أ: "مقامة".
(10)
في ت، أ:"تشتهي" وهو خطأ.
(11)
في أ: "سرائرهم".
(12)
في ف: "كذلك".
(13)
رواه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة رضي الله عنه، وسيأتي بإسناده عند تفسير الآية: 33 من سورة النبأ.
(14)
في ف، أ:"هكذا".
(15)
في ت، ف، أ:"وهم".