الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَقُولُ: لَمْ يَكُونُوا لِيُشْرِكُوا عَبِيدَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ عَبِيدِي مَعِي فِي سُلْطَانِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}
وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، عَنْهُ: فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مالا تَرْضَوْنَ (1) لِأَنْفُسِكُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هذا مثل الآلهة الْبَاطِلَةِ (2) .
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ مَنْ أَحَدٍ شَارَكَ (3) مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ وَفِي فِرَاشِهِ، فَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ وَعِبَادَهُ؟ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ لِنَفْسِكَ هَذَا، فَاللَّهُ (4) أَحَقُّ أَنْ يُنَزَّهَ مِنْكَ.
وَقَوْلُهُ: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أَيْ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، فَجَحَدُوا نَعَمْتَهُ (5) وَأَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ.
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَاقْنَعْ بِرِزْقِكَ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الرَّحْمَنَ فَضَّل بَعْضَ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ، بَلْ (6) يَبْتَلِي بِهِ كُلًّا فَيَبْتَلِي مَنْ بَسَط لَهُ، كَيْفَ شُكره لِلَّهِ وَأَدَاؤُهُ الْحَقَّ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيمَا رَزَقَهُ وَخَوَّلَهُ؟ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
(72) }
يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ (7) عَلَى عَبِيدِهِ، بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَزْوَاجًا مِنْ جِنْسِهِمْ وَشِكْلِهِمْ [وَزِيِّهِمْ](8) ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَزْوَاجَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ لَمَا حَصَلَ ائْتِلَافٌ وَمَوَدَّةٌ وَرَحْمَةٌ، وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَتِهِ خَلَقَ مِنْ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَجَعَلَ الْإِنَاثَ أَزْوَاجًا لِلذُّكُورِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ مِنَ الْأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْحَفَدَةَ، وَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنِينَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
قَالَ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{بَنِينَ وَحَفَدَةً} هُمُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ.
وَقَالَ سُنَيْد: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَنُوكَ حِينَ يَحْفِدُونَكَ وَيَرْفِدُونَكَ وَيُعِينُونَكَ وَيَخْدِمُونَكَ. قَالَ جَمِيلٌ:
حفَد الْوَلَائِدُ حَوْلهُن وأسلمت
…
بِأكُفِّهن أزِمَّةَ الأجْمَال (9)
(1) في ت: "ترضوه".
(2)
في ت، ف، أ:"الباطل".
(3)
في ف: "يشارك".
(4)
في ف: "فإن الله".
(5)
في ف، أ:"بنعمة الله".
(6)
في ت، ف، أ:"بلاء".
(7)
في ف، أ:"نعمته".
(8)
زيادة من ت، ف، أ.
(9)
البيت في تفسير الطبري (14/ 98) ونسبه لحميد.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} ابْنَهُ وَخَادِمَهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: الْحَفَدَةُ: الْأَنْصَارُ وَالْأَعْوَانُ وَالْخُدَّامُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ (1) وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَك مِنْ وَلَدِكَ وَوَلَدِ وَلَدِكَ (2) .
قَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ يَخْدِمُهَا بَنُوهَا.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} يَقُولُ: بَنُو امْرَأَةِ الرَّجُلِ، لَيْسُوا مِنْهُ. وَيُقَالُ: الْحَفَدَةُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَحْفِدُ لَنَا قَالَ: وَيَزْعُمُ (3) رِجَالٌ أَنَّ الْحَفَدَةَ أخْتَان الرَّجُلِ.
وَهَذَا [الْقَوْلُ](4) الْأَخِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحى، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعيّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَمُجَاهِدٌ، والقُرَظي. وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الْأَصْهَارُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى: "الحَفْد" وَهُوَ الْخِدْمَةُ، الَّذِي مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْقُنُوتِ:"وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ"، وَلَمَّا كَانَتِ الْخِدْمَةُ قَدْ تَكُونُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَصْهَارِ وَالْخَدَمِ (5) فَالنِّعْمَةُ حَاصِلَةٌ بِهَذَا كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا (6) قَالَ:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}
قُلْتُ: فَمَنْ جَعَلَ {وَحَفَدَةً} مُتَعَلِّقًا بِأَزْوَاجِكُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَوْلَادَ، وأولاد الأولاد، والأصها ر؛ لِأَنَّهُمْ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ، وَأَوْلَادُ الزَّوْجَةِ، وَكَمَا قَالَ (7) الشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ، فَإِنَّهُمْ غَالِبًا يَكُونُونَ تَحْتَ كَنَفِ الرَّجُلِ وَفِي حجْره وَفِي خِدْمَتِهِ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ [عَلَيْهِ الصَّلَاةُ] (8) وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ بَصرة بْنِ أَكْثَمَ:"وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (9) .
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الحَفَدة هُمُ الْخَدَمُ فَعِنْدَهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ (10) .
{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ الْمُنْعِمِ غَيْرَهُ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} وَهُمُ (11) : الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ، {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} أَيْ: يَسْتُرُونَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَيُضِيفُونَهَا إِلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ممتنا عليه" ألم أزوجك؟ ألم
(1) في ت: "الخدام".
(2)
تفسير عبد الرزاق (1/ 309) .
(3)
في ف: "وزعم".
(4)
زيادة من أ.
(5)
في ت، ف:"والخدم".
(6)
في ف: "لهذا".
(7)
في ت، ف:"قاله".
(8)
زيادة من ف، أ.
(9)
سنن أبي داود برقم (2131) .
(10)
في أ: "وجعل لكم خدامًا".
(11)
في ت: "وهو".