الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِيسَى، عليه السلام: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لَا. وَلَكِنِّي مُتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثمَّ شِبْتُ. قَالَ: حدِّثنا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ؟ قَالَ: كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ (1) ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ، فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوُحُوشُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الْإِنْسُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ، أَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَى نُوحٍ، عليه السلام، أَنِ اغْمِزْ ذَنَب الْفِيلِ، فَغَمَزَهَ، فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بخَرَزِ السَّفِينَةِ يُقْرِضُهُ وَحِبَالَهَا، أَوْحَى إِلَى نُوحٍ؛ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الْأَسَدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سنَّور وَسَنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى، عليه السلام: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا، وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقت. قَالَ: فطوّقَها الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ. قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَّا نَنْطَلِقُ بِهِ (2) إِلَى أَهْلِينَا فَيَجْلِسُ مَعَنَا وَيُحَدِّثُنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَعَادَ تُرَابًا (3)
وَقَوْلُهُ: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} أَيْ: يَطْنزون بِهِ وَيُكَذِّبُونَ بِمَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ مِنَ الْغَرَقِ، {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَتَهْدِيدٌ أَكِيدٌ، {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أَيْ: يُهِنْهُ فِي الدُّنْيَا، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أَيْ: دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا.
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ
(40) }
هَذِهِ مُواعدة مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنُوحٍ، عليه السلام، إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ مِنَ الْأَمْطَارِ الْمُتَتَابِعَةِ، والهَتَّان الَّذِي لَا يُقْلع وَلَا يَفتُر، بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [الْقَمَرِ:11 -14] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَفَارَ التَّنُّورُ} فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: التَّنُّورُ: وَجْهُ الْأَرْضِ، أَيْ: صَارَتِ الْأَرْضُ عُيُونًا تَفُورُ، حَتَّى فَارَ الْمَاءُ مِنَ التَّنَانِيرِ الَّتِي هِيَ مَكَانُ النَّارِ، صَارَتْ تَفُورُ مَاءً، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْخَلَفِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه: التَّنُّورُ: فَلَق الصُّبْحِ، وَتَنْوِيرُ الْفَجْرِ، وَهُوَ ضياؤه وإشراقه.
(1) في أ: "ومائتا".
(2)
في أ: "بنا".
(3)
تفسير الطبري (15/311) .
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: كَانَ هَذَا التَّنُّورُ بِالْكُوفَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَيْنٌ بِالْهِنْدِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: عَيْنٌ بِالْجَزِيرَةِ، يُقَالُ لَهَا: عَيْنُ الْوَرْدَةِ.
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ غَرِيبَةٌ.
فَحِينَئِذٍ أَمَرَ اللَّهُ نُوحًا، عليه السلام، أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ -مِنْ صُنُوفِ الْمَخْلُوقَاتِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، قِيلَ: وَغَيْرُهَا مِنَ النَّبَاتَاتِ -اثْنَيْنِ. ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَقِيلَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أُدْخِلَ مِنَ الطُّيُورِ الدُّرَّةُ، وَآخِرَ مَنْ أُدْخِلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْحِمَارُ، فَدَخَلَ إِبْلِيسُ مُتَعَلِّقًا بِذَنَبِهِ، فَدَخَلَ بِيَدِهِ (1) ، وَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ فَيُثْقِلُهُ إِبْلِيسُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِذَنَبِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ نُوحٌ: مَالَكَ؟ وَيْحَكَ. ادْخُلْ. فَيَنْهَضُ وَلَا يَقْدِرُ، فَقَالَ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ إِبْلِيسُ مَعَكَ فَدَخَلَا فِي السَّفِينَةِ.
وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحْمِلُوا مَعَهُمُ الْأَسَدَ، حَتَّى أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، قَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ أَوْ: تَطْمَئِنُّ -اَلْمَوَاشِي وَمَعَهَا (2) الْأَسَدُ؟ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُمَّى، فَكَانَتْ أَوَّلَ حُمَّى نَزَلَتِ الْأَرْضَ، ثُمَّ شَكَوُا الْفَأْرَةَ فَقَالُوا: الفُوَيسقة تُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا وَمَتَاعَنَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْأَسَدِ، فَعَطَسَ، فَخَرَجَتِ الْهِرَّةُ مِنْهُ، فَتَخَبَّأَتِ الْفَأْرَةُ مِنْهَا (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أَيْ: "وَاحْمِلْ فِيهَا أَهْلَكَ، وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ وَقَرَابَتِهِ" إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ، مِمَّنْ لَمَّ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فَكَانَ مِنْهُمُ ابْنُهُ "يَامٌ" الَّذِي انْعَزَلَ وَحْدَهُ، وَاِمْرَأَةُ نُوحٍ وَكَانَتْ كَافِرَةً بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ آمَنَ} أَيْ: مِنْ قَوْمِكَ، {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} أَيْ: نَزْرٌ (4) يَسِيرٌ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَالْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا مِنْهُمْ (5) نِسَاؤُهُمْ. وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نَفْسًا. وَقِيلَ: كَانُوا عَشَرَةً. وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانُوا نُوحٌ وَبَنُوهُ (6) الثَّلَاثَةُ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وكنائِنِه الْأَرْبَعُ نِسَاءٍ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَامْرَأَةُ يام. وقيل: بل امرأةُ نوح كانت
(1) في ت: "بيديه".
(2)
في ت: "ومعنا".
(3)
وهذا مرسل، وقد ورد في سفينة نوح غير ما ذكره الحافظ وأكثرها من رواية عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. قَالَ ابن حبان:"كان ممن يقلب الأخبار حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك". ومما رواه في شأن سفينة نوح ما أورده ابن حجر في التهذيب (6/179) عن الساجي قال: حدثنا الربيع، حدثنا الشافعي قال: قيل لعبد الرحمن بن زيد: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين؟! " قال: نعم. وقد ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا، فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح!!. وانظر كتاب: الإسرائيليات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة (ص218) .
(4)
في ت، أ:"نفر".
(5)
في أ: "معهم".
(6)
في أ: "إنما كان وبنوه".