الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِضَّةٍ يَشْرَبُونَ فِيهِ، وَكَانَ مِثْلَ الْمَكُّوكِ، وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مثلُه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَضَعَهَا فِي مَتَاعِ بِنْيَامِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَهُمْ:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} فَالْتَفَتُوا إِلَى الْمُنَادِي وَقَالُوا: {مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} أَيْ: صَاعَهُ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ، {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} وَهَذَا مِنْ بَابِ الجُعَالة، {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} وَهَذَا مِنْ بَابِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
(73)
قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) }
لَمَّا اتَّهَمَهُمْ أُولَئِكَ الْفِتْيَانُ بِالسَّرِقَةِ، قَالَ لَهُمْ إِخْوَةُ يُوسُفَ:{تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} أَيْ: لَقَدْ تَحَقَّقْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مُنْذُ (1) عَرَفْتُمُونَا، لِأَنَّهُمْ (2) شَاهَدُوا مِنْهُمْ سِيرَةً حَسَنَةً، أنَّا مَا جِئْنَا لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، أَيْ: لَيْسَتْ سَجَايَانَا تَقْتَضِي هَذِهِ الصِّفَةَ، فَقَالَ (3) لَهُمُ الْفِتْيَانُ:{فَمَا جَزَاؤُهُ} أَيِ: السَّارِقُ، إِنْ كَانَ فِيكُمْ {إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عُقُوبَتَهُ إِنْ وَجَدْنَا فِيكُمْ مِنْ أَخَذَهُ (4) ؟ {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}
وَهَكَذَا كَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ السَّارِقَ يُدْفَعُ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ يُوسُفُ، عليه السلام؛ وَلِهَذَا بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ، أَيْ فَتَّشَهَا قَبْلَهُ، تَوْرِيَةً، {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اعْتِرَافِهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ وَإِلْزَامًا لَهُمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
وَقَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذَهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ.
وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَنِ (5) الْتَزَمَ لَهُ إِخْوَتُهُ بِمَا الْتَزَمُوهُ، وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا مَدَحَهُ تَعَالَى فَقَالَ:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الْمُجَادَلَةِ: 11] .
{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ عَالِمٌ إِلَّا فَوْقَهُ عَالِمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عز وجل. وَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير
(1) في ت: "مذ".
(2)
في ت: "لا لأنهم".
(3)
في أ: "فقالت".
(4)
في أ: "فيهم من أخذها".
(5)
في ت: "أنه".