الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَكْبَرِ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ العلماء. بل قد حكى غير واحد الإجماع على ذلك. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ أَيْ زَادَتْهُمْ شَكًّا إِلَى شَكِّهِمْ وَرَيْبًا إِلَى رَيْبِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ الآية، وقوله تَعَالَى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فُصِّلَتْ: 44] وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ شَقَائِهِمْ أَنَّ مَا يَهْدِي الْقُلُوبَ يَكُونُ سَبَبًا لِضَلَالِهِمْ وَدَمَارِهِمْ كَمَا أن سيئ المزاج لو غُذِّيَ بِهِ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا خَبَالًا وَنَقْصًا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 126 الى 127]
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)
يقول: تعالى أو لا يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ أَيْ يُخْتَبَرُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ أَيْ لَا يَتُوبُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ وَلَا هُمْ يَذْكُرُونَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ يُخْتَبَرُونَ بِالسَّنَةِ وَالْجُوعِ وَقَالَ قَتَادَةُ بِالْغَزْوِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ: هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ حُذَيْفَةَ في قوله: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ فِي كُلِّ عَامٍ كِذْبَةً أَوْ كِذْبَتَيْنِ فَيَضِلُّ بِهَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيرٌ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ: لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ إِلَّا شُحًّا وَمَا مِنْ عَامٍ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم «2» .
وَقَوْلُهُ: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ هَذَا أَيْضًا إِخْبَارٌ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ إِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أَيْ تَلَفَّتُوا هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا أَيْ تَوَلَّوْا عَنِ الْحَقِّ وَانْصَرَفُوا عَنْهُ وَهَذَا حَالُهُمْ فِي الدِّينِ لَا يَثْبُتُونَ عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه كقوله تَعَالَى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر: 49- 41] وقوله تَعَالَى: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ
[الْمَعَارِجِ: 36- 37] أَيْ مَا لهؤلاء القوم يتفللون عَنْكَ يَمِينًا وَشِمَالًا هُرُوبًا مِنَ الْحَقِّ وَذَهَابًا إِلَى الْبَاطِلِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ كَقَوْلِهِ: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
…
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الصف: 5] أَيْ لَا يَفْهَمُونَ عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ وَلَا يقصدون لفهمه
(1) تفسير الطبري 6/ 520.
(2)
أخرجه ابن ماجة في الفتن باب 24.