الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا الْمَيْتَةَ والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وإنما أَرْخَصَ فِيهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ- وَفِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسرى ولا يريد بها العسرى- ذَكَرَ سبحانه وتعالى مَا كَانَ حَرَّمَهُ عَلَى الْيَهُودِ فِي شَرِيعَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْسَخَهَا، وَمَا كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج، فَقَالَ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ أي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما- إلى قوله- لَصادِقُونَ [الْأَنْعَامِ: 146] .
وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: وَما ظَلَمْناهُمْ أَيْ فِيمَا ضَيَّقْنَا عَلَيْهِمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أي فاستحقوا ذلك، كقوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً [النِّسَاءِ: 160] ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى تَكَرُّمًا وَامْتِنَانًا فِي حَقِّ الْعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا أَيْ أَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَأَقْبَلُوا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أَيْ تلك الفعلة والزلة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 123]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
يمدح تَعَالَى عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ إِمَامَ الْحُنَفَاءِ وَوَالِدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيُبَرِّئُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَقَالَ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً فَأَمَّا الْأُمَّةُ: فَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، وَالْقَانِتُ: هُوَ الْخَاشِعُ الْمُطِيعُ، وَالْحَنِيفُ: الْمُنْحَرِفُ قَصْدًا عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الْأُمَّةِ الْقَانِتِ، فَقَالَ: الْأُمَّةُ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْأُمَّةُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ:
مَنْ نَسْأَلُ إِذَا لَمْ نَسْأَلْكَ؟ فَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَقَّ لَهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ: الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ.