الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رؤوس الْجِبَالِ وَارْتَفَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَقِيلَ بثمانين ميلا، وهذه السفينة جارية عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ سَائِرَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَحْتَ كَنَفِهِ وَعِنَايَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَامْتِنَانِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: 11- 12] وَقَالَ تَعَالَى: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [الْقَمَرِ: 13- 15] .
وَقَوْلُهُ: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ الآية، هَذَا هُوَ الِابْنُ الرَّابِعُ وَاسْمُهُ يَامٌ وَكَانَ كَافِرًا دَعَاهُ أَبُوهُ عِنْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ أَنْ يُؤْمِنَ وَيَرْكَبَ مَعَهُمْ وَلَا يَغْرَقَ مِثْلَ مَا يَغْرَقُ الْكَافِرُونَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ وَقِيلَ إِنَّهُ اتَّخَذَ لَهُ مَرْكَبًا مِنْ زُجَاجٍ وَهَذَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ قَالَ: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ اعْتَقَدَ بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الْجِبَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ لَنَجَّاهُ ذَلِكَ مِنَ الْغَرَقِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ نُوحٌ عليه السلام: لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ يَعْصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَقِيلَ إِنَّ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُومٍ كَمَا يُقَالُ طَاعِمٌ وَكَاسٍ بِمَعْنَى مَطْعُومٍ وَمَكْسُوٍ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ.
[سورة هود (11) : آية 44]
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
يُخْبِرُ تَعَالَى أنه لما أغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلغ مَاءَهَا الَّذِي نَبَعَ مِنْهَا وَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ السَّمَاءَ أَنْ تُقْلِعَ عَنِ الْمَطَرِ وَغِيضَ الْماءُ أَيْ شَرَعَ فِي النَّقْصِ وَقُضِيَ الْأَمْرُ أَيْ فُرِغَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً مِمَّنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ دَيَّارٌ وَاسْتَوَتْ السَّفِينَةُ بِمَنْ فِيهَا عَلَى الْجُودِيِّ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْغَرَقِ وَتَطَاوَلَتْ وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ عز وجل فَلَمْ يَغْرَقْ وَأُرْسَتْ عَلَيْهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عليه السلام «1» وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَوَتْ عَلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَوا مِنْهَا، قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ أَبْقَى اللَّهَ سَفِينَةَ نُوحٍ عليه السلام عَلَى الْجُودِيِّ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى رَآهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَمْ مِنْ سَفِينَةٍ قَدْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَهَلَكَتْ وَصَارَتْ رَمَادًا «2» .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِالْمَوْصِلِ «3» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الطُّورُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ تَوْبَةَ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ يُصَلِّي فِي الزَّاوِيَةِ حِينَ يَدْخُلُ مِنْ أَبْوَابِ كِنْدَةَ عَلَى يَمِينِكِ فَسَأَلْتُهُ إِنَّكَ لَكَثِيرُ الصَّلَاةِ هاهنا
(1) تفسير الطبري 7/ 48.
(2)
انظر تفسير الطبري 7/ 48.
(3)
انظر تفسير الطبري 7/ 48.
يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ سَفِينَةَ نُوحٍ أُرْسَتْ مِنْ هَاهُنَا. وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مَعَهُمْ أهلوهم وإنهم كانوا فيها مِائَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَإِنَّ اللَّهَ وَجَّهَ السَّفِينَةَ إلى مكة فطافت بِالْبَيْتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ وَجَّهَهَا اللَّهُ إِلَى الْجُودِيِّ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ فَبَعَثَ نُوحٌ الْغُرَابَ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَذَهَبَ فَوَقَعَ عَلَى الْجِيَفِ فَأَبْطَأَ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون فلطخت رِجْلَيْهَا بِالطِّينِ فَعَرَفَ نُوحٌ عليه السلام أَنَّ الْمَاءَ قَدْ نَضَبَ فَهَبَطَ إِلَى أَسْفَلِ الْجُودِيِّ فَابْتَنَى قَرْيَةً، وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ فَأَصْبَحُوا ذَاتَ يَوْمٍ وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة أحدها اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَفْقَهُ كَلَامَ بعض فكان نُوحٌ عليه السلام يُعَبِّرُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّ السَّفِينَةَ طَافَتْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ عَلَى الْجُودِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: رَكِبُوا فِي عَاشِرِ شَهْرِ رَجَبٍ فساروا مائة وخمسين يوما وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا وَكَانَ خُرُوجُهُمْ مِنَ السَّفِينَةِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ وَرَدَ نَحْوَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رواه ابن جرير «1» وأنهم صاموا يومهم ذلك والله أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ عَنْ أبيه حبيب بن عبد الله عن شبل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأُنَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ وَقَدْ صَامُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ «مَا هَذَا الصَّوْمُ؟ قالوا هذا اليوم الذي نجى الله به مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْغَرَقِ وَغَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَهَذَا يَوْمٌ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الجودي فصام نُوحٌ وَمُوسَى عليهما السلام شُكْرًا لِلَّهِ عز وجل. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ» فَصَامَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ غذاء أَهْلِهِ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» «3» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ هَلَاكًا وَخَسَارًا لَهُمْ وَبُعْدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ بَقِيَّةٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «4» وَالْحَبْرُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ عَنْ فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كان نُوحٌ عليه السلام مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَعْنِي وَغَرَسَ مِائَةَ سَنَةٍ الشَّجَرَ فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ ثُمَّ
(1) تفسير الطبري 7/ 48، 49.
(2)
المسند 2/ 359، 360.
(3)
أخرجه البخاري في تفسير سورة 10، باب 1، ومسلم في الصيام حديث 126.
(4)
تفسير الطبري 7/ 48، 49.