الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» قَالُوا:
يا رسول الله وإن كان فيه قَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «1» ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهِ بِنَحْوِهِ.
ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سليمان: عن ابن عجلان عن أبي وثيمة النضري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عريض» «2» ومعنى قوله إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ أَيْ إِنْ لَمْ تُجَانِبُوا الْمُشْرِكِينَ وَتُوَالُوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 74 الى 75]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حُكْمَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا عَطَفَ بذكر مالهم فِي الْآخِرَةِ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ كَمَا تقدم في أول السورة وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إِنْ كَانَتْ، وَبِالرِّزْقِ الْكَرِيمِ وَهُوَ الْحَسَنُ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ الشَّرِيفُ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَنْقَضِي وَلَا يُسْأَمُ وَلَا يُمَلُّ لِحُسْنِهِ وَتَنَوُّعِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَتْبَاعَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قال وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ [التوبة: 100] الآية وقال وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: 10] الآية. وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ بَلِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» «3» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فهو منهم» وفي رواية «حُشِرَ مَعَهُمْ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لِبَعْضٍ، وَالطُّلَقَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْعُتَقَاءُ مِنْ ثَقِيفٍ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ شَرِيكٌ: فَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَأُولُوا الْأَرْحامِ خُصُوصِيَّةَ مَا يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين
(1) أخرجه أبو داود في النكاح باب 31، والترمذي في النكاح باب 3.
(2)
أخرجه الترمذي في النكاح باب 3، وابن ماجة في النكاح باب 46.
(3)
أخرجه البخاري في الأدب باب 96، ومسلم في البر حديث 165.
(4)
المسند 4/ 343.
لَا فَرْضَ لَهُمْ وَلَا هُمْ عَصَبَةٌ، بَلْ يُدْلُونَ بِوَارِثٍ كَالْخَالَةِ وَالْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَنَحْوِهِمْ، كَمَا قَدْ يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ وَيَحْتَجُّ بِالْآيَةِ وَيَعْتَقِدُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي الْمَسْأَلَةِ بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ القرابات، كما نص عليه ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلْإِرْثِ بِالْحِلْفِ وَالْإِخَاءِ اللذين كانوا يتوارثون بهما أولا، وَعَلَى هَذَا فَتَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ، وَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْهُمْ يَحْتَجُّ بِأَدِلَّةٍ مِنْ أَقْوَاهَا حَدِيثُ «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» «1» قَالُوا: فَلَوْ كان ذا حق لكان ذا فَرْضٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُسَمًّى فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، واللَّهُ أَعْلَمُ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(1) أخرجه أبو داود في الوصايا باب 6، والترمذي في الوصايا باب 6، وأحمد في المسند 4/ 186، 187، 5/ 267. [.....]