الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَرْفَعُكَ عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ بِبَدَنِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ: بِجَسَدِكَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: بِجِسْمٍ لَا رُوحَ فِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَوِيًّا صَحِيحًا أَيْ لَمْ يَتَمَزَّقْ لِيَتَحَقَّقُوهُ وَيَعْرِفُوهُ، وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ:
بِدِرْعِكَ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً أَيْ لِتَكُونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ دَلِيلًا عَلَى مَوْتِكَ وَهَلَاكِكَ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ بِيَدِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ وَلِهَذَا قَرَأَ بعضهم لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ أَيْ لَا يَتَّعِظُونَ بها ولا يعتبرون بها، وقد كان إهلاكهم يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غندر حَدَّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تصومونه؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموه» «1» .
[سورة يونس (10) : آية 93]
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمُ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ والدنيوية وقوله: مُبَوَّأَ صِدْقٍ قِيلَ هُوَ بِلَادُ مِصْرَ وَالشَّامِ مِمَّا يَلِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَنَوَاحِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ اسْتَقَرَّتْ يَدُ الدَّوْلَةِ الْمُوسَوِيَّةِ عَلَى بِلَادِ مِصْرَ بِكَمَالِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ [الْأَعْرَافِ: 137] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: 58- 60] وقال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان: 25] الآيات.
وَلَكِنْ اسْتَمَرُّوا مَعَ مُوسَى عليه السلام طَالِبِينَ إِلَى بِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ بِلَادُ الْخَلِيلِ عليه السلام فَاسْتَمَرَّ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ طَالِبًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَكَانَ فِيهِ قَوْمٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ فنكل بنو إسرائيل عن قتالهم فَشَرَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَمَاتَ فِيهِ هَارُونُ ثُمَّ مُوسَى عليهما السلام وَخَرَجُوا بَعْدَهُمَا مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَاسْتَقَرَّتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أَخْذَهَا مِنْهُمْ بُخْتُنَصَّرُ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَخَذَهَا مُلُوكُ اليونان فكانت تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً وَبَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَاسْتَعَانَتِ الْيَهُودُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ عَلَى مُعَادَاةِ عِيسَى عليه السلام بِمُلُوكِ الْيُونَانِ وَكَانَتْ تَحْتَ أَحْكَامِهِمْ وَوَشَوْا عِنْدَهُمْ وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا يُفْسِدُ عَلَيْكُمُ الرَّعَايَا فَبَعَثُوا مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَشُبِّهَ لَهُمْ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ هُوَ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
(1) أخرجه البخاري في تفسير سورة 10، باب 1.