الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النحل (16) : الآيات 5 الى 7]
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7)
يَمْتَنُّ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، كَمَا فَصَّلَهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَزْوَاجٍ، وَبِمَا جَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا يَلْبَسُونَ وَيَفْتَرِشُونَ، وَمِنْ أَلْبَانِهَا يَشْرَبُونَ وَيَأْكُلُونَ مِنْ أَوْلَادِهَا، وَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْجَمَالِ وَهُوَ الزِّينَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَهُوَ وَقْتُ رُجُوعِهَا عَشِيًّا مِنَ الْمَرْعَى فَإِنَّهَا تَكُونُ أَمَدَّهُ خَوَاصِرَ وَأَعْظَمَهُ ضُرُوعًا وَأَعْلَاهُ أَسْنِمَةً وَحِينَ تَسْرَحُونَ أَيْ غُدْوَةً حِينَ تَبْعَثُونَهَا إِلَى الْمَرْعَى.
وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ وهي الأحمال الثقيلة الَّتِي تَعْجِزُونَ عَنْ نَقْلِهَا وَحَمْلِهَا إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْغَزْوِ وَالتِّجَارَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، تَسْتَعْمِلُونَهَا فِي أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ ركوب وتحميل، كقوله: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 21- 22]، وَقَالَ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ [غَافِرٍ: 79- 81] ، وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا بَعْدَ تَعْدَادِ هَذِهِ النعم إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ أَيْ رَبَّكُمُ الَّذِي قَيَّضَ لَكُمْ هَذِهِ الأنعام وسخرها لكم، كقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: 71- 72]، وَقَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [الزُّخْرُفِ: 12- 14] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ أي ثياب، وَمَنافِعُ مَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ «1» . وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرْنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دِفْءٌ وَمَنَافِعُ نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ أي لباس ينسج، ومنافع مركب وَلَحْمٌ وَلَبَنٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: دِفْءٌ وَمَنَافِعُ، يَقُولُ: لَكُمْ فِيهَا لِبَاسٌ وَمَنْفَعَةٌ وَبُلْغَةٌ، وَكَذَا قَالَ غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة.
[سورة النحل (16) : آية 8]
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8)
(1) انظر تفسير الطبري 7/ 559.
هَذَا صِنْفٌ آخَرُ مِمَّا خَلَقَ تبارك وتعالى لِعِبَادِهِ يَمْتَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ الَّتِي جَعَلَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ بِهَا، وَذَلِكَ أَكْبَرُ الْمَقَاصِدِ مِنْهَا، وَلَمَّا فَصَلَهَا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ، اسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ لُحُومِ الْخَيْلِ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِيهَا، كَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ بأنه تَعَالَى قَرَنَهَا بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ، كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيَّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ، أَنَّ ابْنَ عباس أنه كَانَ يَكْرَهُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكَانَ يقول: قال الله تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فَهَذِهِ لِلْأَكْلِ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها فَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ، وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة أيضا رضي الله عنه.
وَاسْتَأْنَسُوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» فِي مَسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ «3» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بن يحيى بن المقدام وفيه كلام.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ «4» أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَأَدَلَّ مِنْهُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ جَدِّهِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الصَّائِفَةَ «5» ، فَقَرِمَ «6» أَصْحَابُنَا إِلَى اللَّحْمِ فَسَأَلُونِي رَمَكَةً فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمْ، فَحَبَلُوهَا وَقُلْتُ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَ خَالِدًا فَأَسْأَلَهُ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ خَيْبَرَ فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِي حَظَائِرِ يَهُودَ فَأَمَرَنِي أَنْ أُنَادِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُسْلِمٌ، ثُمَّ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ قَدْ أَسْرَعْتُمْ فِي حَظَائِرِ يَهُودَ، أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ لُحُومُ الْأُتُنِ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلِهَا وَبِغَالِهَا، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطير» والرمكة هي الحجرة، وقوله
(1) تفسير الطبري 7/ 563.
(2)
المسند 4/ 89.
(3)
أخرجه أبو داود في الأطعمة باب 25، والنسائي في الصيد باب 30، وابن ماجة في الذبائح باب 14.
(4)
المسند 3/ 356، 362.
(5)
الصائفة: الغزوة في الصيف.
(6)
قرم: شدة الشهوة إلى اللحم.