الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً الآية، أَيْ عَذَابًا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعَذَابًا عَلَى صَدِّهِمُ الناس عن اتباع الحق كقوله تَعَالَى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الْأَنْعَامِ: 26] أَيْ يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَيَبْتَعِدُونَ هُمْ مِنْهُ أَيْضًا وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَفَاوُتِ الْكُفَّارِ فِي عَذَابِهِمْ كَمَا يَتَفَاوَتُ الْمُؤْمِنُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ ودرجاتهم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [الْأَعْرَافِ: 38] وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ قَالَ:
زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال. وحدثنا شريح بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا الأعمش عن الحسن، عن ابن عباس في الآية أَنَّهُ قَالَ: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ قَالَ: هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل وببعضها في النهار.
[سورة النحل (16) : آية 89]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يَعْنِي أمتك، أَيِ اذْكُرْ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهَوْلَهُ، وَمَا مَنَحَكَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ وَالْمَقَامِ الرَّفِيعِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَ سورة النساء، فلما وصل إلى قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: 41] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حسبك» فقال ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ «1» .
وَقَوْلُهُ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ قال ابن مسعود: قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ كُلَّ عِلْمٍ وَكُلَّ شَيْءٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ حَلَالٍ وكل حرام، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ خَبَرِ ما سبق وعلم ما سيأتي، وكل حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمَا النَّاسُ إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَهُدىً أَيْ لِلْقُلُوبِ وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ:
بِالسُّنَّةِ.
وَوَجْهُ اقْتِرَانِ قَوْلِهِ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ مَعَ قَوْلِهِ: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أَنَّ الْمُرَادَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ تَبْلِيغَ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْكَ سَائِلُكَ عَنْ ذلك يوم القيامة فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6]
(1) أخرجه البخاري في تفسير سورة 4، باب 9، وفضائل القرآن باب 33، ومسلم في المسافرين حديث 247، 248، وأحمد في المسند 1/ 374، 380، 433.