الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تظهر بين أكتافهم حتى ينجم في صُدُورِهِمْ» وَلِهَذَا كَانَ حُذَيْفَةُ يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ السر الذي لا يعلمه غيره أي من تَعْيِينِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ غَيْرِهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَرْجَمَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ حُذَيْفَةَ تَسْمِيَةَ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ معتب بن قشيرة وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَدُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الطَّائِيُّ وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيِّ وَالْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ زرارة وقيس بن فهد وسويد بن داعس مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ وَزَيْدُ بْنُ اللَّصِيتِ وَسُلَالَةُ بْنُ الْحِمَامِ وَهُمَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ وَمَا لِلرَّسُولِ عِنْدَهُمْ ذَنْبٌ إلا أن الله أغناهم ببركته ويمن سعادته، ولو تمت عليه السَّعَادَةُ لَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِمَا جَاءَ بِهِ كَمَا قال صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ:«أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ «1» . وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُقَالُ حَيْثُ لَا ذنب، كَقَوْلِهِ: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [البروج: 8] الآية. وقوله عليه السلام «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ» «2» ثُمَّ دَعَاهُمُ اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَى التَّوْبَةِ فَقَالَ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أَيْ وَإِنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى طَرِيقِهِمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا أَيْ بِالْقَتْلِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ، وَالْآخِرَةِ أَيْ بِالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْهَوَانِ وَالصَّغَارِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أَيْ وَلَيْسَ لَهُمْ أَحَدٌ يُسْعِدُهُمْ وَلَا يُنْجِدُهُمْ لا يُحَصِّلُ لَهُمْ خَيْرًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ شَرًّا.
[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 78]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (78)
يَقُولُ تَعَالَى وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ لَئِنْ أَغْنَاهُ مِنْ فَضْلِهِ لَيَصَّدَّقَنَّ مِنْ مَالِهِ وَلَيَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَمَا وَفَّى بِمَا قَالَ وَلَا صَدَقَ فِيمَا ادَّعَى، فَأَعْقَبَهُمْ هَذَا الصَّنِيعُ نِفَاقًا سَكَنَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ اللَّهَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِياذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطب الأنصاري.
(1) تقدم الحديث مع تخريج في تفسير الآية 63 من سورة الأنفال. [.....]
(2)
أخرجه البخاري في الزكاة باب 49، ومسلم في الزكاة حديث 11.
وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» هَاهُنَا، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَانِ بن رفاعة عن علي بن يزيد عن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مالا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تكون مثل نبي الله- فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذَهَبًا وَفِضَّةً لَسَارَتْ» قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَرَزَقَنِي مَالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا» قَالَ فَاتَّخَذَ غَنَمًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى عَنْهَا فَنَزَلَ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَتِهَا حَتَّى جَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَتْرُكَ مَا سِوَاهُمَا، ثُمَّ نَمَتْ وَكَثُرَتْ فَتَنَحَّى حَتَّى تَرَكَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الْجُمُعَةَ، وَهِيَ تَنْمُو كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حَتَّى تَرَكَ الجمعة، فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ليسألهم عَنِ الْأَخْبَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّخَذَ غَنَمًا فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ، فَأَخْبَرُوهُ بِأَمْرِهِ، فَقَالَ:«يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» .
وَأَنْزَلَ اللَّهُ جل ثناؤه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 102] الآية، ونزلت فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة من المسلمين رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلًا مِنْ سُلَيْمٍ وَكَتَبَ لَهُمَا كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ لَهُمَا:«مُرَّا بِثَعْلَبَةَ وَبِفُلَانٍ- رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ- فَخُذَا صَدَقَاتِهِمَا» فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا ثَعْلَبَةَ فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ وَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ مَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرُغَا ثُمَّ عُودَا إِلَيَّ فَانْطَلَقَا وَسَمِعَ بِهِمَا السُّلَمِيُّ فَنَظَرَ إِلَى خِيَارِ أَسْنَانِ إِبِلِهِ فَعَزْلَهَا لِلصَّدَقَةِ ثُمَّ استقبلهما بهما، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا مَا يَجِبُ عَلَيْكَ هَذَا وما نريد أن نأخذ هذا منك، فقال: بَلَى فَخُذُوهَا فَإِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ وَإِنَّمَا هي لله، فأخذاها منه ومرا على الناس فأخذا الصدقات ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أروني كتابكما فقرأه فَقَالَ مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ:«يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ فَأَخْبَرَاهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ وَالَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [التوبة: 75] الآية.
قَالَ وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ فَسَمِعَ ذَلِكَ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ، فَقَالَ: ويحك إِنَّ اللَّهَ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ» فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ
(1) تفسير الطبري 6/ 425.