الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَلْ أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ بِوَادِي الْحِجْرِ الَّذِي مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى تَبُوكَ، فَقَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ دَابَّتَهُ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:«لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» .
وَقَوْلُهُ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ أَيْ وَقْتَ الصَّبَاحِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ مَا كَانُوا يَسْتَغِلُّونَهُ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمُ الَّتِي ضَنُّوا بِمَائِهَا عَنِ النَّاقَةِ حَتَّى عَقَرُوهَا لِئَلَّا تُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيَاهِ، فَمَا دَفَعَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ وَلَا نفعتهم لما جاء أمر ربك.
[سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 86]
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ (86)
يَقُولُ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ أي بالعدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا [النجم: 31] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ
[ص: 37] وَقَالَ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [الْمُؤْمِنُونَ: 115- 116] ثُمَّ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَأَنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصَّفْحِ الْجَمِيلِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَذَاهُمْ لَهُ وَتَكْذِيبِهِمْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ، كقوله:
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزُّخْرُفِ: 89] وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَهُوَ كَمَا قَالَا، فَإِنَّ هَذِهِ مَكِّيَّةٌ وَالْقِتَالُ إِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ تَقْرِيرٌ لِلْمَعَادِ وَأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ السَّاعَةِ فَإِنَّهُ الْخَلَّاقُ الذي لا يعجزه خلق شيء، الْعَلِيمُ بِمَا تَمَزَّقَ مِنَ الْأَجْسَادِ وَتَفَرَّقَ فِي سائر أقطار الأرض، كقوله: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 81- 83] .
[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 88]
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: كَمَا آتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فَلَا تَنْظُرَنَّ إِلَى الدُّنْيَا، وَزِينَتِهَا، وَمَا مَتَّعْنَا بِهِ أَهْلَهَا مِنَ الزَّهْرَةِ الْفَانِيَةِ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فَلَا تَغْبِطْهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ، وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ حُزْنًا عَلَيْهِمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ لَكَ وَمُخَالَفَتِهِمْ دِينَكَ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاءِ: 215] أي ألن لهم جانبك، كقوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التَّوْبَةِ: 128] وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي
مَا هِيَ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ:
هي السبع الطوال، يَعْنُونَ الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْأَعْرَافُ، وَيُونُسَ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ سَعِيدٌ: بَيَّنَ فِيهِنَّ الْفَرَائِضَ وَالْحُدُودَ وَالْقَصَصَ وَالْأَحْكَامَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيَّنَ الْأَمْثَالَ وَالْخَبَرَ وَالْعِبَرَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: قال سفيان: المثاني: الْبَقَرَةُ.
وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْأَعْرَافُ، وَالْأَنْفَالُ وَبَرَاءَةُ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ إِلَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأُعْطِيَ مُوسَى مِنْهُنَّ ثِنْتَيْنِ، رَوَاهُ هشيم عن الحجاج عن الوليد بن العيذار عن سعيد بن جبير عنه. وقال الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُوتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي الطوال، وَأُوتِيَ مُوسَى عليه السلام سِتًّا، فَلَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ ارْتَفَعَ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ أَرْبَعٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هي السبع الطوال، وَيُقَالُ: هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. وَقَالَ خُصَيْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قَالَ: أَعْطَيْتُكَ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ آمر، وأنه، وَأُبَشِّرُ، وَأُنْذِرُ، وَأَضْرِبُ الْأَمْثَالَ، وَأُعَدِّدُ النِّعَمَ، وَأُنَبِّئُكَ بِنَبَأِ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [وَالْقَوْلُ الثَّانِي] أَنَّهَا الْفَاتِحَةُ، وَهِيَ سَبْعُ آيات. وروي ذلك عن علي وعمر وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْبَسْمَلَةُ هِيَ الْآيَةُ السَّابِعَةُ، وَقَدْ خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهَا، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُنَّ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَأَنَّهُنَّ يثنين فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي فَضَائِلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله هَاهُنَا حَدِيثَيْنَ:
[أَحَدُهُمَا] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قال: مربي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُصَلِّي فدعاني فلم آته حتى صليت فأتيته، فَقَالَ:«مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟» فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ:«أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرت فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي والقرآن الذي أوتيته» «2» .
[الثَّانِي] قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
(1) تفسير الطبري 7/ 533، 534.
(2)
أخرجه البخاري في تفسير سورة 15، باب 3.