الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَلِيمَ مَوْصُولًا بِعَذَابِ الْبَرْزَخِ الْمُتَّصِلِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَنْ هَذَيْنَ الْإِمَامَيْنِ غَرِيبٌ أَيْضًا جِدًّا وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُهُ بِعُمُومِهَا لَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ خَاصَّةً كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عروة بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً أي ليعرف المؤمنين نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ إِظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ ويشكروا بذلك نعمته «1» وهكذا فسره ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ «وَكُلُّ بَلَاءٍ حَسَنٌ أَبْلَانَا» وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَيْ سَمِيعُ الدُّعَاءِ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ وَالْغَلَبَ، وَقَوْلُهُ ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ هَذِهِ بِشَارَةٌ أُخْرَى مَعَ مَا حَصَلَ مِنَ النَّصْرِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُضْعِفُ كيد الكافرين فيما يستقبل مصغر أمرهم وأنهم وكل مَا لَهُمْ فِي تَبَارٍ وَدَمَارٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة.
[سورة الأنفال (8) : آية 19]
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يَقُولُ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا أَيْ تَسْتَنْصِرُوا وَتَسْتَقْضُوا اللَّهَ وَتَسْتَحْكِمُوهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِكُمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ جَاءَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعيْرٍ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم وآتانا بما لا يعرف فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ. وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِفْتَاحًا مِنْهُ فَنَزَلَتْ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ اللَّهُمَّ أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ. فَكَانَ الْمُسْتَفْتِحَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وقَتَادَةَ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَدْرٍ أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَنْصَرُوا اللَّهَ وَقَالُوا اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأَكْرَمَ الْفِئَتَيْنِ وَخَيْرَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَقَالَ اللَّهُ:
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ يَقُولُ قَدْ نَصَرْتُ مَا قُلْتُمْ وَهُوَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية، وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَنْتَهُوا أَيْ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ لِرَسُولِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ كقوله
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/ 668، وتفسير الطبري 6/ 204.
(2)
المسند 5/ 431.