الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ آخَرُونَ عَنْهُمَا. أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قَالَ: لَمَّا أَيِسَتِ الرُّسُلُ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمْ قَوْمُهُمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَّبُوهُمْ، جَاءَهُمُ النَّصْرُ عَلَى ذَلِكَ فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ السُّلَمِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وعلي بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الْجَزْرِيُّ قَالَ: سَأَلَ فَتَى مِنْ قُرَيْشٍ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ لَهُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ هَذَا الْحَرْفُ، فَإِنِّي إِذَا أتيت عليه تمنيت أن لَا أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ قَالَ: نَعَمْ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كُذِّبُوا، فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ رَجُلًا يُدْعَى إِلَى عِلْمٍ فَيَتَلَكَّأُ، ولو رحلت إلى اليمن في هذه كَانَ قَلِيلًا.
ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «2» أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ، فَقَامَ إِلَى سَعِيدٍ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ: فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ كَمَا فَرَّجَتْ عَنِّي، وَهَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا فَسَّرَهَا مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ حَتَّى إِنَّ مُجَاهِدًا قَرَأَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بِفَتْحِ الذَّالِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ يُعِيدُ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إِلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعِيدُهُ إِلَى الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ، أَيْ وَظَنَّ الْكُفَّارُ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا مُخَفَّفَةً فِيمَا وَعَدُوا بِهِ مِنَ النَّصْرِ. وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ جَحْشِ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ وَظَنَّ قَوْمُهُمْ حِينَ أَبْطَأَ الْأَمْرُ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا بِالتَّخْفِيفِ- فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ كُلٍّ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ فَسَّرَهَا بِذَلِكَ، وَانْتَصَرَ لَهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَوَجَّهَ الْمَشْهُورَ عَنِ الْجُمْهُورِ وَزَيَّفَ الْقَوْلَ الْآخَرَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَرَدَّهُ وَأَبَاهُ ولم يقبله ولا ارتضاه، والله أعلم.
[سورة يوسف (12) : آية 111]
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
(1) تفسير الطبري 7/ 318، 319.
(2)
تفسير الطبري 7/ 319.
(3)
تفسير الطبري 7/ 319، 320.
يَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي خَبَرِ الْمُرْسَلِينَ مع قومهم، وكيف نجينا الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلَكْنَا الْكَافِرِينَ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ وَهِيَ الْعُقُولُ، مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى أَيْ وَمَا كَانَ لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ يُكَذَّبَ وَيُخْتَلَقَ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ: مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَدِّقُ مَا فِيهَا مِنَ الصَّحِيحِ، وَيَنْفِي مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ تَحْرِيفٍ وَتَبْدِيلٍ وَتَغْيِيرٍ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالنَّسَخِ أَوِ التَّقْرِيرِ.
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ وَمَحْبُوبٍ وَمَكْرُوهٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ بِالطَّاعَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، والإخبار عن الأمور الْجَلِيَّةِ، وَعَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْمُجْمَلَةِ وَالتَّفْصِيلِيَّةِ، وَالْإِخْبَارِ عن الرب تبارك وتعالى وبالأسماء والصفات، وتنزهه عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلِهَذَا كَانَ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ تَهْتَدِي بِهِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْغَيِّ إلى الرشاد، ومن الضلال إِلَى السَّدَادِ، وَيَبْتَغُونَ بِهِ الرَّحْمَةَ مِنْ رَبِّ الْعِبَادِ، فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْمَعَادِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَوْمَ يَفُوزُ بِالرِّبْحِ الْمُبْيَضَّةُ وُجُوهُهُمُ النَّاضِرَةُ، وَيَرْجِعُ الْمُسْوَدَّةُ وُجُوهُهُمْ بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ. آخَرُ تفسير سورة يوسف عليه السلام ولله الحمد والمنة وبه المستعان.