الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنكم، يعني الطاعة، إذا خالفتم الحق بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ؟
قال الطيبيّ: أعاد الفعل في قوله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة. ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. ثم بين ذلك بقوله: فإن تنازعتم في شيء. كأنه قيل فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردّوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. انتهى.
تنبيه:
يشمل عموم وقوله وَأُولِي الْأَمْرِ العلماء. كما روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصريّ وأبو العالية. وهذا ليس قولا ثانيا في الآية بل هو مما يشمله لفظها. فهي عامة في أولي الأمر من الأمراء والعلماء وإن نزلت على سبب خاص. وقد كثرت الأوامر بطاعة العلماء كالأمراء. قال تعالى: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة: 63] . وقال تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: 43]، وقال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] .
وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «1» : «من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني» .
وروى أبو داود «2» عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» .
وروى البخاريّ «3» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأن رأسه زبيبة»
. والأحاديث في هذا كثيرة.
(1)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، 109- باب يقاتل من وراء الإمام ويتّقى به، حديث 1409 ونصه:
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا. وإن قال بغيره فإن عليه منه
. (2) أخرجه أبو داود في: الجهاد، 87- باب في الطاعة، حديث 2626.
(3)
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، 4- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث 434.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (الحسبة في الإسلام) :
وقد أمر الله تعالى في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين.
وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام. فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء. فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه «1» (للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا على هذا الأمر) قال: ما استقامت لكم أئمتكم.
ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به وينهي عما نهى عنه. وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: أيها الناس! القويّ فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم القويّ عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله. فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أي اختلفتم أنتم وأولو الأمر فِي شَيْءٍ من الأحكام فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي فارجعوا فيه إلى كتابه وَالرَّسُولِ بالسؤال منه في زمانه صلى الله عليه وسلم والرجوع إلى سننه بعده لا إلى ما تهوون ولا إلى ما يهواه الحكام إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواضع لشرائع العدل وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي يجازى فيه الموافق والمخالف لتلك الشرائع ذلِكَ أي الرد إلى كتاب الله وسنة الرسول، والرجوع إليهما فصل النزاع خَيْرٌ أي لكم ولحكامكم وأصلح وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي عاقبة ومآلا، كما قاله السدّيّ وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب.
(1) أخرجه الدارميّ في مسنده: المقدمة، 23- باب في كراهية أخذ الرأي. ونصه: عن أبي زرعة بن عمرو عن حية بنت أبي حية قالت: دخل علينا رجل بالظهيرة. فقلت: يا عبد الله: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت أنا وصاحب لي في بغاء لنا. فانطلق صاحبي يبغي ودخلت أنا أستظل بالظل وأشرب من الشراب.
فقمت إلى لبينة حامضة فسقيته منها فشرب وشربت.
قالت وتوسمته فقلت: يا عبد الله! من أنت؟ فقال: أنا أبو بكر. فقلت: أنت أبو بكر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعت به؟ قال: نعم.
قالت فذكرت غزونا خثعما وغزوة بعضنا بعضا في الجاهلية وما جاء الله به من الألفة وأطناب الفساطيط. فقلت: يا عبد الله! حتى متى ترى أمر الناس هذا؟ قال: ما استقامت الأئمة. قلت: ما الأئمة؟ قال: أما رأيت السيّد يكون في الحواء (بيوت مجتمعة على الماء) فيتبعونه ويطيعونه؟
فما استقام أولئك.