الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى أمر المنافقين بالاستدلال بهذا الدليل على صحة نبوته. أفاده الرازيّ.
وفي الآية، أيضا، الحث على تدبر القرآن ليعرف إعجازه من موافقته للعلوم واشتماله على فوائد منها. وكمال حججه وبلاغته العليا. وموافقة أحكامه للحكمة.
وأخباره الماضية لكتب الأولين، والمستقبلة للواقع.
قال الحافظ ابن حجر: من أمعن في البحث عن معاني كتاب الله، محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، الذين شاهدوا التنزيل، وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه، ومفهومه، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك، مقتصرا على ما يصلح للحجة منها، فإنه الذي يحمد وينتفع به. وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم. انتهى.
وقد روى البخاريّ «1» في صحيحه تعليقا عن ابن عون (وهو عبد الله البصريّ، من صغار التابعين)، أنه قال: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها. والقرآن أن يتفهموه ويسألوا الناس عنه. ويدعوا الناس إلّا من خير. وفي رواية (فيتدبروه) بدل (يتفهموه) .
قال الكرمانيّ: قال في القرآن: يتفهموه، وفي السنة: يتعلموها. لأن الغالب أن المسلم يتعلم القرآن في أول أمره فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه. فلهذا أوصى بتفهم معناه وإدراك منطوقه. انتهى. وفي بقية الآية العذر للمصنفين فيما يقع لهم من الاختلاف والتناقض. لأن السلامة عن ذلك من خصائص القرآن. ثم ذكر تعالى عن المنافقين نوعا آخر من مفاسدهم. وهو إظهارهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبادرتهم بأخبار السرايا وإذاعتها، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 83]
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَاّ قَلِيلاً (83)
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أي: مما يوجب أحدهما أَذاعُوا بِهِ
(1) أخرجه البخاريّ في: الاعتصام، 2- باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول الله تعالى:
وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً.
أي: أفشوه. فتعود إذاعتهم مفسدة من وجوه: الأول- أن هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير. والثاني- أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن، زادوا فيه زيادات كثيرة. فإذا لم توجد تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. لأن المنافقين كانوا يروون تلك الإرجافات عن الرسول. وإن كان ذلك في جانب الخوف، تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه. والثالث- أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام. وذلك سبب لظهور الأسرار. وذلك مما لا يوافق مصلحة المدينة. والرابع- أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار. فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني. فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم، أرجف المنافقون بذلك. فوصل الخبر في أسرع مدة إلى الكفار. فأخذوا في التحصن من المسلمين، وفي الاحتراز عن استيلائهم عليهم. وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه، وألقوا الرعب في قلوب الضعفة والمساكين. فظهر من هذا أن ذلك الإرجاف كان منشئا للفتن والآفات من كل الوجوه. ولما كان الأمر كذلك ذم الله تعالى تلك الإذاعة وذلك التشهير، ومنعهم منه. أفاده الرازيّ. وَلَوْ رَدُّوهُ أي ذلك الأمر الذي جاءهم إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وهم كبراء الصحابة البصراء في الأمور رضي الله عنهم، أو الذين يؤمّرون منهم وكانوا كأن لم يسمعوا لَعَلِمَهُ أي: الأمر الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أي يستعلمونه ويتطلبونه وهم المنافقون المذيعون مِنْهُمْ أي من الرسول وأولي الأمر. يعني لو أنهم قالوا: نسكت حتى نسمعه من جهة الرسول ومن ذكر معه، ونعرف الحال فيه من جهتهم، لعلموا صحته وأنه هل هو مما يذاع أو لا؟ وإنما وضع الموصول موضع الضمير، يعني لم يقل (لعلموه) لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام. أو لذمهم أو للتنبيه على خطئهم في الفحص عن استخراج وإظهار خفيّ ذلك الأمر.
قال الناصر في (الانتصاف) : في هذه الآية تأديب لكل من يحدث بكل ما يسمع. وكفى به كذبا. وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء والمقيمين في نحر العدوّ. وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم، خيرا أو غيره. انتهى.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا