الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الزمخشريّ: فيه معنى التعجب. كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا! ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ (وحسن) بسكون السين.
تنبيهات
الأول- قال الرازيّ: ليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين
…
إلخ- كون الكل في درجة واحدة. لأن هذا يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول. وأنه لا يجوز. بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان. لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا. وإذا أرادوا الزيارة قدروا عليه. فهذا هو المراد من هذه المعية.
الثاني- دلت الآية على أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف، وهو كون الإنسان صدّيقا. ولذا أينما ذكر في القرآن الصديق والنبيّ لم يجعل بينهما واسطة.
كما قال تعالى في وصف إسماعيل: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مريم: 54] .
وفي صفة إدريس: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا [مريم: 56] . وقال في هذه الآية: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ. يعني إنك إن ترقيت من الصديقية وصلت إلى النبوة. وإن نزلت من النبوة وصلت إلى الصديقية. ولا متوسط بينهما. وقال في آية أخرى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر: 33] . فلم يجعل بينهما واسطة. وكما دلت هذه الدلائل على نفي الواسطة، فقد وفق الله هذه الأمة الموصوفة بأنها خير أمة، حتى جعلوا الإمام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر، على سبيل الإجماع. ولما توفي رضوان الله عليه دفنوه إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما ذاك إلا أن الله تعالى رفع الواسطة بين النبيين والصديقين في هذه الآية. فلا جرم ارتفعت الواسطة بينهما في الوجوه التي عددناها. أفاده الرازيّ.
الثالث-
روى الطبريّ في سبب نزولها عن سعيد بن جبير قال: جاء»
رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا فلان! مالي أراك محزونا! فقال: يا نبيّ الله! شيء فكرت فيه. فقال: ما هو! قال نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك. غدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك. فلم يردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا. فأتاه جبريل بهذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ إلخ. فبعث النبيّ
(1) الأثر رقم 9924.
صلى الله عليه وسلم فبشره.
وقد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق وعن عكرمة وعامر الشعبيّ وقتادة وعن الربيع بن أنس. وهو من أحسنها سندا: قال الطبريّ «1» : حدثني المثنى قال:
حدثنا إسحاق قال: حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الرّبيع قال (في هذه الآية) : إن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم له فضله على من آمن به في درجات الجنة. ممن اتبعه وصدقه. فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟
فأنزل الله في ذلك هذه الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل. منهم فيجتمعون في رياضها فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه. وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به. فهم في روضة يحبرون، ويتنعمون فيه» .
ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا عن عائشة. قالت: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنك لأحب إليّ من نفسي وأحب إليّ من أهلي وأحب إليّ من ولدي. وإني لأكون في البيت فأذكرك. فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك. وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك، إذا دخلت الجنة، رفعت مع النبيين. وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
…
الآية. وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه في (صفة الجنة)
بإسناد قال فيه: لا أرى به بأسا.
الرابع- روي في السنة في معنى هذه الآية أخبار وافرة. منها:
في صحيح مسلم «2» عن ربيعة بن كعب الأسلميّ أنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيته بوضوء وحاجته فقال لي: سل: فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة فقال: أو غير ذلك؟
قلت: هو ذاك. قال: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود
. ومنها
في مسند الإمام أحمد «3» عن عمرو بن مرة الجهنيّ: قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وصليت الخمس وأديت زكاة مالي، وصمت شهر رمضان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على ذلك كان من النبيين والشهداء يوم القيامة هكذا (ونصب إصبعيه) ما لم يعقّ والديه.
قال ابن كثير: تفرد به أحمد. ومنها ما
رواه الإمام أحمد «4» أيضا عن سهل بن
(1) الأثر رقم 9928.
(2)
أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث 226.
(3)
جاء في (عمدة التفسير) 3/ 217. قال الأستاذ أحمد محمد شاكر معلقا على هذا الحديث ما يأتي: خفي عليّ مكانه من المسند. وبقوله أقول.
(4)
أخرجه في المسند 3/ 437.