المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 93] - تفسير القاسمي محاسن التأويل - جـ ٣

[جمال الدين القاسمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌سورة النساء

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 2]

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 3]

- ‌لطائف:

- ‌بحث جليل:

- ‌تتمة:

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 4]

- ‌فائدتان:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 5]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 6]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 7]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 8]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 9]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 10]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌تنبيه:

- ‌لطائف:

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 13]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 14]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 15]

- ‌ القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 16]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 17]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 18]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 19]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه جليل في الوصية بالنساء والإحسان إليهن:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 20]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 21]

- ‌تنبيه في فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 22]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 23]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 26]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 27]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 28]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 29]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 30]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 34]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 35]

- ‌ تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 36]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 37]

- ‌فائدة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 38]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 39]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 40]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 41]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 42]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌تنبيهات:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 44]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 45]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 46]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 47]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 48]

- ‌لطيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 49]

- ‌ تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 50]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 51]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 52]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 53]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 54]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 55]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 56]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 57]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 58]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 59]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيهات

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 60]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 61]

- ‌تنبيه- في سبب نزولها

- ‌مباحث

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 62]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 63]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 64]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 65]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 66]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 67]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 68]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 69]

- ‌تنبيهات

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 70]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 71]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 72]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 73]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌تنبيه

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 78]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 79]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 80]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 81]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 82]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 83]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 86]

- ‌عود:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 87]

- ‌فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 89]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 90]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 91]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌لطيفتان:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 95]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 96]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 97]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 98]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 99]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌تنبيه: في مسائل تتعلق بالآية:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 109]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 110]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 111]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 112]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 114]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 115]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 116]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 117]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 118]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 119]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 120]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 121]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 122]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 123]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 124]

- ‌تنبيه:

- ‌ القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 125]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 126]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 127]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 128]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 129]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 130]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 131]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 132]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 133]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 134]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 137]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 138]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 139]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 142]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 143]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 144]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 145]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 146]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 147]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 148]

- ‌فوائد:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 149]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 150]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 151]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 153]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 154]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 155]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 156]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 157]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 158]

- ‌تنبيه:

- ‌ذكر ما زعموه ورووه مما نفاه التنزيل الكريم

- ‌ إنجيل لوقا

- ‌الأصحاح الحادي والعشرون

- ‌الأصحاح الثاني والعشرون

- ‌وقال لوقا:

- ‌فصل في بطلان ما رووه وتهافته بالحجج الدامغة

- ‌وقال يوحنا التلميذ:

- ‌فصل

- ‌فصل في رد زعم النصارى أن إلقاء الشبه يفضي إلى السفسطة

- ‌فصل في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب

- ‌مطلب:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 160]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 161]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 163]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 164]

- ‌تنبيه:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 165]

- ‌تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 166]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 167]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 168]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 169]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 171]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 172]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 173]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 174]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 175]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌تنبيهات:

- ‌فهرس الجزء الثالث

الفصل: ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 93]

لفظ: قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين: وهم اليهود والنصارى.

رواه أحمد والنسائيّ وابن ماجة.

وعندي: لا تنافي بين هذه الروايات المذكورة. لأن الظاهر أن الفرض في دية الكافر إنما هو النصف. ولا حرج في الزيادة عليه، إلى أن يبلغ دية المسلم تبرعا وتفضلا. وبه يحصل الجمع بين الروايات. والاستدلال بالآية على تماثل ديتي المسلم والكافر المتقدم- غير ظاهر. لما في الدية من الإجمال المرجوع في بيانه إلى السنة، وقد بيّنته وصح فيها أنه النصف فرضا. والله أعلم فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أي: رقبة ليحررها. بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ أي:

فعليه صيام شهرين متواصلين لا إفطار بينهما. بحيث لو صام تسعة وخمسين، وتعمد بإفطار يوم، استأنف الجميع. لأن الخطأ إنما نشأ من كدورة النفس. وهذا القدر يزيلها ويفيد التزكية. قاله المهايميّ. تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ أي: قبولا من الله ورحمة منه. من (تاب عليه) : إذا قبل توبته. (فتوبة) منصوب على أنه مفعول له.

أي: شرع لكم ذلك توبة منه. أو مصدر مؤكد لمحذوف. أي: تاب عليكم توبة منه وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بجميع الأشياء التي منها مقدار كدورة هذا الخطأ العظيم حَكِيماً في دواء إزالتها. قال المهايميّ: وإذا كان للخطأ هذه الكدورة مع العفو عنه، فأين كدورة العمد؟ أي: وهي التي ذكرت في قوله تعالى:

‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 93]

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93)

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً لقتله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذ قتل وليّه عمدا وَلَعَنَهُ أي أبعده عن الرحمة وَأَعَدَّ لَهُ وراء ذلك عَذاباً عَظِيماً أي: فوق عذاب سائر الكبائر، سوى الشرك.

قال الإمام ابن كثير: هذا تهديد شديد ووعد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم. الذي هو مقرون بالشرك بالله، في غير ما آية في كتاب الله. حيث يقول سبحانه في سورة (الفرقان) : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ

[الفرقان: 68] الآية. وقال تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً

[الأنعام: 151] الآية. والآيات

ص: 262

والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا. فمن ذلك ما

ثبت في الصحيحين «1» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء.

وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود «2» عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما. فإذا أصاب دما حراما بلّح.

وفي حديث «3» آخر: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم. قلت: رواه الترمذيّ والنسائيّ عن ابن عمرو.

وفي الحديث الآخر: لو اجتمع أهل السموات وأهل الأرض على قتل رجل مسلم لكبهم الله في النار

. قلت:

رواه الترمذيّ «4» عن أبي سعيد وأبي هريرة بلفظ: لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عز وجل في النار.

وفي الحديث الآخر «5» : من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله. قلت: رواه ابن ماجة عن أبي هريرة.

وقد كان ابن عباس يرى أن لا توبة لقاتل المؤمن عمدا.

وقال البخاريّ «6» : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال:

سمعت ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة. فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها. فقال: نزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. هي آخر ما نزل وما نسخها شيء. وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائيّ من طرق عن شعبة، به.

ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهديّ عن سفيان الثوريّ عن مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ فقال: ما نسخها شيء. وقال ابن جرير «7» : حدثنا ابن بشار، قال حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: قال لي عبد الرحمن بن

(1) أخرجه البخاريّ في: الديات، 1- باب وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ، حديث 2455.

(2)

أخرجه أبو داود في: الفتن والملاحم، 6- باب في تعظيم قتل المؤمن، حديث 2470.

(3)

أخرجه الترمذيّ في: الديات، 7- باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن.

(4)

أخرجه الترمذيّ في: الديات، 8- باب الحكم في الدماء.

(5)

أخرجه ابن ماجة في: الديات، 1- باب التغليظ في قتل مسلم ظلما، حديث 2620.

(6)

أخرجه البخاريّ في: التفسير، 4- سورة النساء، 16- باب وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.

(7)

الأثر رقم 10192.

ص: 263

أبزى: سئل ابن عباس عن قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

الآية. فقال: لم ينسخها شيء. وقال في هذه الآية: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى آخرها قال: نزلت في أهل الشرك.

وروى ابن جرير «1» أيضا عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام، وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ولا توبة له.

فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم. وروى الإمام أحمد «2» عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلا أتى إليه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا عمدا؟ فقال:

فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها

الآية. قال: لقد نزلت من آخر ما نزل. ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنّى له بالتوبة؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثكلته أمه. رجل قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره، أو آخذا رأسه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دما قبل العرش يقول: يا رب! سل عبدك فيم قتلني! ورواه النسائيّ وابن ماجة.

وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة. وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف، زيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد ابن عمير والحسن وقتادة والضحاك بن مزاحم. نقله ابن أبي حاتم. وفي الباب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما

رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يجيء المقتول متعلّقا بقاتله يوم القيامة، آخذا رأسه بيده الأخرى، فيقول:

يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لك. قال: فإنها لي. قال ويجيء آخر متعلقا بقاتله فيقول: رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان. قال: فإنها ليست له. بوء بإثمه. قال، فيهوي به في النار سبعين خريفا.

ورواه النسائيّ «3» . وأخرج الإمام أحمد والنسائيّ «4» عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا.

وقال الإمام أحمد «5» : حدثنا النضر. حدثنا سليمان بن المغيرة.

(1) الأثر رقم 10187.

(2)

أخرجه في المسند ص 240 ج 1 حديث 2142.

(3)

أخرجه النسائي في: تحريم الدم، 2- باب تعظيم الدم. [.....]

(4)

أخرجه النسائي في: تحريم الدم، 1- باب تحريم الدم.

(5)

أخرجه الإمام أحمد في المسند ص 289 ج 5.

ص: 264

حدثنا حميد قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي: فقال لنا: هلما فأنتما أشب سنّا مني، وأوعى للحديث مني. فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم. فقال له أبو العالية: حدث هؤلاء حديثك. فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثيّ، قال: بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم. فشد مع القوم رجل فاتّبعه رجل من السرية شاهرا سيفه. فقال الشادّ من القوم: إني مسلم. فلم ينظر فيما قال. فضربه فقتله. فنمى الحديث إلى رسول الله. فقال فيه قولا شديدا. فبلغ القاتل. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله! ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل. قال فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس. وأخذ في خطبته. ثم قال أيضا: يا رسول الله! ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل. فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته. ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله! يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل. فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرف المساءة في وجهه فقال: إن الله أبى على من قتل مؤمنا.

(ثلاث مرات) ورواه النسائيّ.

ثم قال ابن كثير: والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها. أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل. فإن تاب وأناب وخشع وخضع، وعمل عملا صالحا، بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: 68- 70] الآية. وهذا خبر لا يجوز نسخه. وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين- خلاف الظاهر. ويحتاج حمله إلى دليل. والله أعلم.

وقال تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] الآية. وهذا عام في جميع الذنوب: من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك. كل من تاب من أيّ ذلك تاب الله عليه. قال الله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48- 116] .

فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك. وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها، لتقوية الرجاء. والله أعلم.

وثبت في الصحيحين «1» خبر الإسرائيليّ الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالما هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله

(1) أخرجه البخاريّ في: الأنبياء، 45- باب حدثنا أبو اليمان، حديث 1629.

ومسلم في: التوبة، حديث 46.

ص: 265

فيه. فهاجر إليه فمات في الطريق. فقبضته ملائكة الرحمة. وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة، التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى. لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم. وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

الآية، فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه. وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعا.

ولكن لا يصح. ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه. وكذا كل وعيد على ذنب. لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، على قولي أصحاب الموازنة والإحباط. وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد.

والله أعلم بالصواب. وبتقدير دخول القاتل في النار، إما على قول ابن عباس ومن وافقه، أنه لا توبة له. أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به- فليس بمخلد فيها أبدا. بل الخلود هو المكث الطويل.

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «1»

أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان

. ثم قال ابن كثير: وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه من حقوق الآدميين. وهي لا تسقط بالتوبة. ولكن لا بد من ردها إليهم. ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغضوب منه والمغبون والمقذوف وسائر حقوق الآدميين. فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة. ولكن لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة. فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة. لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة.

إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول، أو بعضها. ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة. أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك. والله أعلم. انتهى.

وقال النوويّ في (شرح مسلم) في شرح حديث الإسرائيليّ الذي قتل مائة نفس: استدل به على قبول توبة القاتل عمدا. وهو مذهب أهل العلم وإجماعهم. ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس. وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا، فمراد قائله الزجر والتوبة. لا أنه يعتقد بطلان توبته. وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا،

(1) أخرجه البخاريّ عن أبي سعيد الخدريّ في: التوحيد، 24- باب قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث 21.

والحديث الذي أخرجه أيضا عن أنس بن مالك في: التوحيد، 36- باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، حديث 40.

وأخرج الحديث الأول مسلم في: الإيمان، حديث 302.

ص: 266

وفي الاحتجاج به خلاف، فليس هذا موضع الخلاف. وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره. فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك. وهذا قد ورد شرعنا به. وذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ إلى قوله: إِلَّا مَنْ تابَ

[الفرقان: 68]، الآية. وأما قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

الآية. فالصواب في معناها: أن جزاءه جهنم. فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره.

وقد لا يجازى بل يعفى عنه. فإن قتل عمدا مستحلّا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتدّ. يخلد في جهنم بالإجماع. وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص. مرتكب كبيرة، جزاؤها جهنم خالدا فيها. لكن تفضل الله تعالى وأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها. فلا يخلد هذا. ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا. وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين. ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار. قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية. ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة، أن يتحتم ذلك الجزاء. وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم. وإنما فيها أنها جزاؤه. أي: يستحق أن يجازى بذلك. وقيل:

وردت الآية في رجل بعينه. وقيل: المراد بالخلود طول المدة، لا الدوام. وقيل:

معناها: هذا جزاؤه، إن جازاه. وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة. لمخالفتها حقيقة لفظ الآية. فالصواب ما قدمناه. انتهى.

وقال علاء الدين الخازن: اختلف العلماء في حكم هذه الآية. هل هي منسوخة أم لا؟ وهل لمن قتل متعمدا توبة أم لا؟ فروي «1» عن سعيد بن جبير قال:

قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا. فتلوت عليه الآية التي في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان: 68] . إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية. نسختها آية مدنية:

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. وفي رواية، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن. فرحلت إلى ابن عباس. فقال: نزلت في آخر ما نزل. ولم ينسخها شيء.

وفي رواية أخرى «2» ، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بالمدينة: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ

(1) أخرجه البخاريّ في: التفسير، 25- سورة الفرقان، 2- باب قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، حديث 1809.

(2)

أخرجها البخاريّ في: التفسير، 25- سورة الفرقان، 3- باب قوله تعالى: يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. ونصها: عن سعيد بن جبير قال: قال ابن أبزى: سئل ابن عباس

ص: 267

مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ

إلى قوله: مُهاناً. فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلام، وقد عدلنا بالله، وقد قتلنا النفس التي حرم الله، وأتينا الفواحش؟ فأنزل الله تعالى:

إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً

[الفرقان: 70]، إلى آخر الآية. زاد في رواية: فأما من دخل في الإسلام وعقله ثم قتل فلا توبة له. أخرجاه في الصحيحين.

وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه ناظر ابن عباس في هذه الآية فقال: من أين لك أنها محكمة؟ فقال ابن عباس: تكاثف الوعيد فيها.

وقال ابن مسعود: إنها محكمة، وما تزداد إلا شدة. وعن خارجة بن زيد قال:

سمعت زيد بن ثابت يقول: أنزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، بعد التي في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، بستة أشهر. أخرجه أبو داود والنسائيّ، وزاد النسائيّ في رواية: بثمانية أشهر.

وقال زيد بن ثابت: لما نزلت هذه الآية في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، عجبنا من لينها. فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد الليّنة.

فنسخت اللينة. وأراد بالغليظة هذه الآية التي في سورة النساء. وباللينة آية الفرقان.

وذهب الأكثرون من علماء السلف والخلف إلى أن هذه الآية منسوخة. واختلفوا في ناسخها. فقال بعضهم: نسختها التي في الفرقان. وليس هذا بالقويّ. لأن آية الفرقان نزلت قبل آية النساء. والمتقدم لا ينسخ المتأخر. وذهب جمهور من قال بالنسخ إلى أن ناسخها الآية التي في النساء أيضا. وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48] ، وأجاب، من ذهب إلى أنها منسوخة، عن حديث ابن عباس المتقدم المخرّج في الصحيحين: بأن هذه الآية خبر عن وقوع العذاب بمن فعل ذلك الأمر المذكور في الآية. والنسخ لا يدخل الأخبار. ولئن سلمنا أنه يدخلها النسخ، لكن الجمع بين الآيتين ممكن بحيث لا يكون بينهما تعارض. وذلك بأن يحمل مطلق آية النساء على تقييد آية الفرقان. فيكون المعنى:

فجزاؤه جهنم إلا من تاب. وقال بعضهم: ما ورد عن ابن عباس إنما هو على سبيل

في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ، وقوله: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.. حتى بلغ إِلَّا مَنْ تابَ. فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأتينا الفواحش. فأنزل الله: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً- إلى قوله: غَفُوراً رَحِيماً.

ص: 268

التشديد والمبالغة في الزجر عن القتل. فهو كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: إن لم يقتل يقال له: لا توبة لك. وإن قتل ثم ندم وجاء تائبا يقال له: لك توبة.

وقيل: إنه قد روي عن ابن عباس مثله. وروي عنه أيضا أن توبته تقبل. وهو قول أهل السنة. ويدل عليه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه: 82] . وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: 53] . وأما السنة فما

روي عن جابر بن عبد الله قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك به شيئا دخل النار. أخرجه مسلم «1» .

وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت قال «2» : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال:

تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وفي رواية: ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف. فمن وفي منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. فبايعناه على ذلك.

انتهى.

وقال العلامة أبو السعود: تمسّكت الخوارج والمعتزلة بها في خلود من قتل المؤمن عمدا في النار. ولا متمسّك لهم فيها. لا لما قيل من أنها في حق المستحل، كما هو رأي عكرمة وأضرابه. بدليل أنها نزلت في مقيس بن صبابة الكنانيّ المرتد.

فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. بل لأن المراد بالخلود هو المكث الطويل لا الدوام. لتظاهر النصوص الناطقة بأن عصاة المؤمنين لا يدوم عذابهم. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا. وكذا ما روي عن سفيان: أن أهل العلم كانوا إذا سئلوا قالوا: لا توبة له- محمول على الاقتداء بسنة الله تعالى في التشديد والتغليظ. وعليه يحمل ما

روي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة.

وقال عون بن عبد الله وبكر بن عبد الله وأبو صالح: المعنى هو جزاؤه إن

(1) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 151.

(2)

أخرجه البخاريّ في: الإيمان، 11- باب حدثنا أبو اليمان، حديث 18.

ومسلم في: الحدود، حديث 41.

ص: 269

جازاه. قالوا: قد يقول الإنسان لمن يزجره عن أمر: إن فعلته فجزاؤك القتل والضرب.

ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا.

قال الواحديّ: والأصل في ذلك أن الله عز وجل يجوز أن يخلف الوعيد، وأن امتنع أن يخلف الوعد. والتحقيق أنه لا ضرورة إلى تفريع ما نحن فيه على الأصل المذكور. لأنه إخبار منه تعالى أن جزاءه ذلك. لا بأنه يجزيه بذلك. كيف لا؟ وقد قال الله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40] . ولو كان هذا إخبارا بأنه تعالى يجزي كل سيئة بمثلها، لعارضه قوله تعالى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30] .

انتهى.

وقال العلامة الشوكانيّ في (نيل الأوطار) : وأما بيان الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول: لا نزاع أن قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب. بل للمسلم والكافر. والاستثناء لمذكور في آية الفرقان. أعني قوله تعالى: إِلَّا مَنْ تابَ [الفرقان: 70] . بعد قوله تعالى: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان: 68]- مختص بالتائبين فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً. أما على ما هو المذهب الحق من أنه ينبني العامّ على الخاص مطلقا، تقدم أو تأخر أو قارن- فظاهر، وأما على مذهب من قال: إن العامّ المتأخر ينسخ الخاص المتقدم، فإذا سلمنا تأخر قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً، على آية الفرقان، فلا نسلم تأخرها من العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفره الله. كقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: 53] . وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 116] . ومن ذلك ما

أخرجه مسلم «1» عن أبي هريرة. أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

وما

أخرجه الترمذيّ «2» وصححه من حديث صفوان بن عسّال.

(1) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 43.

(2)

أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، 98- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده. ونصه: عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسّال المراديّ أسأله المسح على الخفين؟

فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، رضا بما يطلب. فقلت: إنه حكّ في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت

ص: 270

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب من قبل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة. خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض. مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.

وأخرج الترمذيّ أيضا عن ابن عمر. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

وأخرج مسلم «1» من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده- لا يقال: إن هذه العمومات مخصصة بقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

الآية. لأنا نقول: الآية أعم من وجه، وهو شمولها للتائب وغيره. وأخص من وجه، وهو كونها في القاتل. وهذه العمومات أعم من وجه، وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل ولمن كان ذنبه غير القتل. وأخص من وجه، وهو كونها في التائب. وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح. ولا شك أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقا أرجح لكثرتها وهكذا أيضا يقال: إن الأحاديث بخروج الموحدين من النار وهي متواترة المعنى، كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب الحديث، تدل على خروج كل موحد. سواء كان ذنبه القتل أو غيره.

والآية القاضية بخروج من قتل نفسا هي أعم من أن يكون القاتل موحدا أو غير موحد. فيتعارض عمومان. وكلاهما ظنّي الدلالة. ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته. بخلاف أحاديث خروج الموحدين، فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقا. كآيات الوعيد للعصاة الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم. ولا حكم لهذه المعارضة، أو بما هو أخص منها مطلقا. كالأحاديث القاضية بتخليد

امرءا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم. فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟ قال: نعم. كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم. فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال: نعم. كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر.

فبينما نحن عنده إذ ناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ: يا محمد! فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته «هاؤم» وقلنا له: ويحك. اغضض من صوتك، فإنك عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد نهيت عن هذا.

فقال: والله! لا أغضض. قال الأعرابيّ: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب يوم القيامة» .

فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة سبعين عاما. عرضه، أو يسير الراكب في عرضه، أربعين أو سبعين عاما»

. (1) أخرجه مسلم في: التوبة، حديث 31.

ص: 271

بعض أهل المعاصي. نحو: من قتل نفسه. وهو يبني العام على الخاص. وبما قررناه يلوح لك انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب، وعدم خلوده في النار إذا لم يتب.

ويتبيّن لك أيضا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان مكية منسوخة بقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

الآية.

كما أخرج ذلك عنه البخاريّ ومسلم وغيرهما. وكذلك لا حجة له فيما

أخرجه النسائي «1» والترمذيّ «2» عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجيء المقتول متعلقا بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دما. يقول: يا رب! قتلني هذا. حتى يدنيه من العرش.

وفي رواية للنسائيّ «3»

فيقول: أي رب! سل هذا فيم قتلني؟

لأن غاية ذلك وقوع المنازعة بين يدي الله عز وجل. وذلك لا يستلزم أخذ التائب بذلك الذنب. ولا تخليده في النار، على فرض عدم التوبة. والتوبة النافعة، هاهنا، هي الاعتراف بالقتل عند الوارث، إن كان له وارث. أو السلطان، إن لم يكن له وارث. والندم على ذلك الفعل، والعزم على ترك العود إلى مثله. لا مجرد الندم والعزم، بدون اعتراف. وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها. لأن حق الآدميّ لا بدّ فيه من أمر زائد على حقوق الله. وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به. فإن قلت: فعلى ما تحمل حديث أبي هريرة وحديث معاوية المذكورين في أول الباب؟ فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل يلقى الله مكتوبا بين عينيه: الإياس من الرحمة. والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره الله- قلت هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل. والدليل على هذا التأويل، ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عموما وخصوصا. ولو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة، الذي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

وحديث عبادة بن الصامت المذكور قبله. فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك التأويل. ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حديث عبادة. ومع كون الحديثين في الصحيحين. بخلاف حديث أبي هريرة ومعاوية. وأيضا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل. فإنه جعل الرجل القاتل عمدا مقترنا بالرجل الذي يموت كافرا. ولا شك أن الذي يموت كافرا مصرّا على ذنبه غير تائب منه، من المخلدين في

(1، 3) أخرجه النسائيّ في: تحريم الدم، 2- باب تعظيم الدم. [.....]

(2)

أخرجه الترمذيّ في: التفسير، 4- سورة النساء، 15- حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانيّ.

ص: 272

النار. فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر. فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها.

وقد قال العلامة الزمخشريّ في (الكشاف) : إن هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ. قال: ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي، من أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة. وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له. وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد: وإلّا فكل ذنب ممحوّ بالتوبة. وناهيك بمحو الشرك دليلا.

ثم ذكر

حديث: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم، وهو عند النسائيّ «1» من حديث بريدة، وعند ابن ماجة «2» من حديث البراء. وعند النسائيّ «3» أيضا من حديث ابن عمرو. أخرجه أيضا الترمذيّ «4»

انتهى. كلام الشوكانيّ.

وقال الإمام ابن القيّم في (الجواب الكافي) : لما كان الظلم والعدوان منافيين للعدل الذي قامت به السموات والأرض، وأرسل الله سبحانه رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط- كان (أي الظلم) من أكبر الكبائر عند الله، وكانت درجته في العظمة بحسب مفسدته في نفسه: وكان قتل الإنسان المؤمن من أقبح الظلم وأشده. ثم قال: ولما كانت مفسدة القتل هذه المفسدة- قال الله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة: 32] .

ثم قال: وفي صحيح البخاريّ «5» عن سمرة بن جندب قال: أول ما ينتن من الإنسان بطنه. فمن استطاع منكم أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل. ومن استطاع أن لا يحول بينه وبن الجنة ملء كف من دم أهرقه فليفعل. وفي جامع الترمذيّ «6» عن نافع

(1، 3) أخرجه النسائي في: تحريم الدم، 2- باب تعظيم الدم.

(2)

أخرجه ابن ماجة في: الديات، 1- باب التغليظ في قتل المسلم، حديث 2619.

(4)

أخرجه الترمذيّ في: الديات، 7- باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن.

(5)

أخرجه البخاريّ في: الأحكام، 9- باب من شاق شق الله عليه، حديث 2439.

(6)

أخرجه الترمذيّ في: البر والصلة، 85- باب ما جاء في تعظيم المؤمن، ونصه: عن نافع عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم: فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته. ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله

.

ص: 273

قال: نظر عبد الله بن عمر يوما إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك. قال الترمذيّ هذا حديث حسن.

وفي صحيح البخاريّ «1» أيضا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.

وذكر البخاريّ أيضا عن ابن عمر قال: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله.

وفي الصحيحين «2» عن أبي هريرة يرفعه: سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر.

وفيهما أيضا عنه صلى الله عليه وسلم «3» : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

وفي صحيح البخاريّ «4» عنه صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة. وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما.

هذه عقوبة قاتل عدوّ الله، إذا كان معاهدا في عهده وأمانه. فكيف بعقوبة قاتل عبده المؤمن؟.

وإذا كانت امرأة قد دخلت النار، في هرة حبستها حتى ماتت جوعا وعطشا، فرآها النبيّ صلى الله عليه وسلم في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها، فكيف عقوبة من حبس مؤمنا حتى مات بغير جرم؟

وفي بعض السنن عن صلى الله عليه وسلم «5» : لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق.

وقال ابن القيّم أيضا قبل ذلك: وقد جعل الله سبحانه وتعالى جزاء قتل النفس المؤمنة عمدا، الخلود في النار وغضب الجبار ولعنته وإعداد العذاب العظيم له. هذا موجب قتل المؤمن عمدا ما لم يمنع منه مانع. ولا خلاف أن الإسلام الواقع بعد القتل، طوعا واختيارا، مانع من نفوذ ذلك الجزاء. وهل تمنع توبة المسلم منه بعد وقوعه؟ فيه قولان للسلف والخلف. وهما روايتان عن أحمد. والذين قالوا: لا تمنع التوبة من نفوذه رأوا أنه حق لآدميّ لم يستوفه في دار الدنيا وخرج منه بظلامته فلا بد

(1) أخرجه البخاريّ في: الديات، 1- باب قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ، حديث 2521.

(2)

أخرجه البخاريّ في: الإيمان، 36- باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، حديث 44.

(3)

أخرجه البخاريّ في: العلم، 43- باب الإنصات للعلماء، حديث 104.

(4)

أخرجه البخاريّ في: الجزية، 5- باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم، حديث 1496.

(5)

أخرجه النسائي في: تحريم الدم، 2- باب تعظيم الدم.

وابن ماجة في: الديات، 1- باب التغليظ في قتل المسلم، حديث 2619.

والترمذيّ في: الديات، 7- باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن.

ص: 274