الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها بأن تطلقوها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ أي إحدى الزوجات. فإن المراد بالزوج الجنس. قِنْطاراً أي مالا كثيرا مهرا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أي يسيرا، فضلا عن الكثير أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً أي باطلا وَإِثْماً مُبِيناً بينا. والاستفهام للإنكار والتوبيخ. أي أتأخذونه باهتين وآثمين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 21]
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21)
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ إنكار لأخذه إثر إنكار، وتنفير عنه غب تنفير، على سبيل التعجب. أي بأي وجه تستحلون المهر وَقَدْ أَفْضى أي وصل بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ فأخذ عوضه وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه. كالثوب الغليظ يعسر شقه.
قال الزمخشريّ: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى.
قال الشهاب الخفاجيّ: قلت بل قالوا:
صحبة يوم نسب قريب
…
وذمة يعرفها اللبيب
أو الميثاق الغليظ ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهم بقوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. أو قول الوليّ عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب الله: من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
تنبيه في فوائد:
الأولى- في قوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً دليل على جواز الإصداق بالمال الجزيل. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن كثرته ثم رجع عن ذلك: كما روى الإمام أحمد «1» عن أبي العجفاء السلميّ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء. ألا لا تغلوا صدق النساء. فإنها لو كانت
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 40.
مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وإن الرجل ليبتلى بصدقة امرأته (وقال مرة: وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته) حتى تكون لها عداوة في نفسه. وحتى يقول: كلفت إليك عرق القربة. ورواه أهل السنن. وقال الترمذيّ: هذا حديث صحيح.
وروى أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس! ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش. فقالت: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم. قال: نعم. فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول:
وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً. الآية. قال فقال: اللهم! غفرا. كل الناس أفقه من عمر.
ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس! إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.
قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيّد قويّ. قاله ابن كثير.
وفي (الحجة البالغة) ما نصه: لم يضبط النبيّ صلى الله عليه وسلم المهر بحدّ لا يزيد ولا ينقص. إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة. والرغبات لها مراتب شتى. ولهم في المشاحّة طبقات. فلا يمكن تحديده عليهم. كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص. ولذلك قال: التمس ولو خاتما من حديد «1» . غير أنه سن في صداق أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشّا. أي نصفا، انتهى.
(1)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، 4- باب السلطان وليّ، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «زوجناكها بما معك من القرآن» . ونصه: عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت من نفسي. فقامت طويلا. فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. قال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا» فقال: ما أجد شيئا. قال: «التمس ولو خاتما من حديد» فلم يجد. فقال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها. فقال: «زوجناكها بما معك من القرآن»
.
وقد ورد ما يفيد الندب إلى تخفيفه وكراهة المغالاة فيه.
أخرج أبو داود والحاكم، وصححه، من حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» :«خير الصداق أيسره» .
وفي صحيح مسلم «2» عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا. قال: قد نظرت إليها. قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال فبعث بعثا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم
. الثانية: خص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهي، تنبيها بالأعلى على الأدنى. لأنه إذا كان هذا، على كثير ما بذل لامرأته من الأموال، منهيّا عن استعادة شيء يسير حقير منها، على هذا الوجه، كان من لم يبذل إلا الحقير منهيّا عن استعادته بطريق الأولى. ومعنى قوله وَآتَيْتُمْ والله أعلم: وكنتم آتيتم. إذ إرادة الاستبدال، في ظاهر الأحمر، واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية- كذا في الانتصاف.
الثالثة: اتفقوا على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة. ومنشأ ذلك: أن (أفضى) في قوله تعالى: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ.
يجوز حملها على الجماع كناية، جريا على قانون التنزيل من استعمال الكناية فيما يستحيي من ذكره. والخلوة لا يستحيي من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية: ويجوز إبقاؤها على ظاهرها.
قال ابن الأعرابيّ: الإفضاء في الحقيقة الانتهاء. ومنه: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ. أي انتهى وآوى. هذا، والكناية أبلغ وأقرب في هذا المقام. ومما يرجحها أنه تعالى ذكر ذلك في معرض التعجب فقال: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض. والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع، لا مجرد الخلوة. فوجب حمل الإفضاء إليه- ذكره الرازيّ من
(1) أخرجه أبو داود في: النكاح، 31- باب فيمن تزوج ولم يسمّ صداقا حتى مات، حديث 2117.
(2)
أخرجه في: النكاح، 12- باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، حديث 75.
وجوه. ثم قال: وقوله تعالى وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ كلمة تعجب. أي لأيّ وجه ولأيّ معنى تفعلون هذا؟ فإنها بذلت نفسها لك وجعلت ذاتها لذّتك وتمتعك، وحصلت الألفة التامة والمودة الكاملة بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئا بذله لها بطيبة نفسه؟ إن هذا لا يليق بمن له طبع سليم وذوق مستقيم.
الرابعة: في (الإكليل) استدل بهذه الآية من منع الخلع مطلقا. وقال: إنها ناسخة لآية البقرة. وقال غيره: إن هذه الآية منسوخة بها. وقال آخرون: لا ناسخ ولا منسوخ بل هي في الأخذ بغير طيب نفسها انتهى.
أقول: إن القول الثالث متعين. لأن كلّا من آيتي البقرة وهذه في مورد خاص يعلم من مساق النظم الكريم. وذلك لأن قوله في البقرة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]- صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحلّ له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثمّ: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة: 229] إلخ. والحكمة في حل الأخذ ظاهرة. وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه، لكان في صورة المظلوم. لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه. فكان من العدل الإلهيّ أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال. وأما هذه الآية فهي في حكم آخر. وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء. لأنه لو أبيح له الأخذ حينئذ لكان ظلما واضحا. لأنه أخذ بلا جريرة منها. فكان في إبقاء ما في يدها مما آتاها جبر لما نابها من ألم الإعراض عنها واطراحها، رحمة منه تعالى، وعدلا في القضيتين. فالقائل بالنسخ فاته سر الحكمين. وليت شعري ماذا يقول
في الحديث المرويّ في البخاري «1» وغيره، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت: «أتردّين عليه حديقته!
(1)
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، 12- باب الخلع وكيفية الطلاق منه، حديث 2153 ونصه: عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقبل الحديقة وطلقها تطليقة»
.
فقالت: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم لزوجها: اقبل الحديقة وطلقها» .
ولا يقال: لعل القائل بنسخ الخلع اعتمد فيه قوله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ. إلخ. وفيه ما فيه من تهويل الأخذ والتنفير عنه كما أسلفنا. لأنا نقول إن دلائل الأحكام الناسخة أو المنسوخة إنما تؤخذ من الجمل التامة في الأصلين. فلا تؤخذ من شرط بلا جوابه مثلا. وبالعكس.
ولا من مبتدأ بدون خبره وبالعكس. ولا من مؤكد بدون مؤكدة. وهكذا. وما نحن فيه لو أخذ عموم تحريم الأخذ من قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ- لكان كالاستدلال من المؤكد بدون ملاحظة مؤكدة. وهذا ساقط. لأنّ قوله: وَكَيْفَ- تنفير عما تقدم، متعلق به. وما قبله خاص. ولو زعم القائل بالنسخ أن قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ، عام في المخلوعة ومن أريد طلاقها- نقول هذا باطل وفاسد. لأن مورد الآية في إرادته، هو فراقها مبتدئا. فلا يصدق على المختلعة. لأنه لا يراد الاستبدال بغيرها ابتداء من جانب الزوج. وبالجملة فكل من قرأ صدر الآيتين على أن كلا في حكم على حدة. لا تعلق فيها له بالآخر. والنسخ لا يصار إليه بالرأي. وقد كثر في المتأخرين دعوى النسخ في الآيات هكذا بلا استناد قويّ. بل لما يتراءى ظاهرا بلا إمعان. فتثبت هذا.
وفي الصحيحين «1» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين، بعد فراغهما من تلاعنهما:«الله يعلم أن أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟ قالها ثلاثا. فقال الرجل: يا رسول الله: مالي؟ يعني ما أصدقها. قال: لا مال لك. إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها» .
وفي سنن أبي داود» وغيره، عن بصرة بن أكثم أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها. فإذا هي
(1)
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، 32- باب صداق الملاعنة، حديث 2164 ونصه: عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأة؟ فقال: فرّق النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان. وقال:
«الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. وقال: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. فقال «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا ففرّق بينهما
…
وفي: 33- باب قول الإمام للمتلاعنين: أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ زاد: قال (الرجل) : ما لي؟ قال «لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد ذلك
. (2)
أخرجه أبو داود في: النكاح، 37- باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى، حديث 2131 ونصه: عن سعيد بن المسيّب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة (بن أكثم) قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها. فدخلت عليها فإذا هي حبلى. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها. والولد عبد لك. فإذا ولدت فاجلدها» . وفي رواية: (فاجلدوها) وفي أخرى: (فحدّوها) .