الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبيرة ليس بمؤمن. وهو يقول ألف مرة (على المثل) أني مسلم. فإذا نهى أن يقولوا: ليس بمؤمن. أمرهم أن يقولوا: هو مؤمن. فيقال لهم: أنتم أعلم أم الله؟ على ما قيل لأولئك. انتهى.
وقال الرازيّ: قال أكثر الفقهاء: لو قال اليهوديّ والنصرانيّ: أنا مؤمن، أو قال:
أنا مسلم، لا يحكم بهذا القدر بإسلامه. لأن مذهبه أن الذي هو عليه هو الإسلام.
وهو الإيمان. ولو قال: لا إله إلّا الله محمد رسول الله. فعند قوم لا يحكم بإسلامه، لأن فيهم من يقول: إنه رسول الله إلى العرب، لا إلى الكل. ومنهم من يقول: إن محمدا الذي هو الرسول الحق، بعد ما جاء، وسيجيء بعد ذلك. بل لا بد وأن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل، وأن الدين الموجود فيما بين المسلمين هو الحق والله أعلم. انتهى.
أقول: كل من قال: أنا مؤمن أو أنا مسلم، من المحاربين، مظهرا الانقياد لنا، وأنه من ملتنا، فإنه يحكم بإسلامه، ويكف عن قتله وأخذ ماله. كتابيّا كان أو مشركا. وهذا هو المقصود من الآية. وأما مسألة من أراد الدخول في الإسلام وهو على عقيدة فاسدة، وأنه لا بد في صحة إسلامه من تبرئه عنها، ونبذها ظهريا، وأنه لا يكتفى بقوله: أنا مسلم- فذاك بحث آخر مسلّم. لكن ليس مما تشمله الآية. كما أن من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين ولم يدن بشرائع الإسلام وإقامة شعائره، كبعض القبائل البادية الجافية، فإن يجب على الإمام قتالهم. ولا يقال: إن الآية تشملهم لما ذكرنا. وظاهر أن مدار النهي في الآية إنما هو على سفك الدماء ابتغاء عرض الدنيا.
لقوله (تبتغون) . وهو حال كما أسلفنا. والحال قيد لعاملها. فما ذكره الرازي عن الفقهاء ليس مما تشمله الآية. لأن البحث ليس في القدر الذي يصير به الكافر مسلما، بل في الكف عن قتل المنقاد لنا. فافهم. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 95]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بيان لتفاوت طبقات المؤمنين بحسب تفاوت درجات مساعيهم في الجهاد، بعد ما
مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه، ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته، فيهتزّ له رغبة في ارتفاع طبقته. قاله أبو السعود. وأصله للزمخشريّ حيث قال: فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان. فما فائدة نفي الاستواء؟ قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد. ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته. ونحوه: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9] . أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلّم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم. انتهى.
والمراد بهم، وقت النزول، القاعدون عن غزوة بدر والخارجون إليها. كما رواه البخاريّ «1» والترمذيّ عن ابن عباس. وقوله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، مخرج لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد: من العمى والعرج والمرض، عن مساواتهم للقاعدين.
فإنهم مساوون المجاهدين بالنية. ولا يعتد بزيادة أجر العمل لهم لعظم أمر النية.
كما
روى الإمام أحمد والبخاريّ «2» وأبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا: وهم بالمدينة؟ يا رسول الله! قال: نعم. حبسهم العذر.
وفي هذا المعنى قال الشاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد
…
سرتم جسوما، وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وعن قدر
…
ومن أقام على عذر كمن راحا
وروى البخاريّ «3» عن البراء قال: لما نزلت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها. فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته.
فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وفي رواية للبخاريّ «4» عن زيد: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ. قال: يا رسول الله! والله! لو أستطيع الجهاد لجاهدت. وكان
(1) أخرجه البخاريّ في: التفسير، 4- سورة النساء، 18- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث 1841.
(2)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، 35- باب من حبسه العذر عن العدوّ، حديث 1360.
(3)
أخرجه البخاريّ في: التفسير، 4- سورة النساء، 18- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث 1356.
(4)
أخرجه البخاريّ في: التفسير، 4- سورة النساء، 18- باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حديث 1357.