الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض لهن منكم أو من غيركم. ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم. فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً أي فخذوه وتصرفوا فيه تملكا. وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية. وهنيئا مريئا: صفتان من (هنؤ الطعام ومرؤ) إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. وقيل: الهنيء ما أتاك بلا مشقة ولا تبعة.
والمريء حميد المغبة. وهما عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
لأنهن كالرجال في التصرفات والتبرعات.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: للآية ثمرات: منها أنه لا بد في النكاح من صداق.
ومنها أنه حق واجب للمرأة كسائر الديون. ومنها أن لها أن تتصرف فيه بما شاءت.
ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أم لا. ولذا قال بعض الفقهاء: لها بيع مهرها قبل قبضه. ولبعضهم: لا تبيعه حتى تقبضه، كالملك بالشراء. ومنها أنه يسقط عن الزوج بإسقاطها مع طيب نفسها. وقد رأى شريح إقالتها إذا رجعت، واحتج بالآية.
روى الشعبيّ أن امرأة جاءت مع زوجها شريحا في عطية أعطتها إياه. وهي تطلب الرجوع. فقال شريح: رد عليها. فقال الرجل أليس قد قال الله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ؟ فقال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وروي عنه أيضا أقيلها فيما وهبت ولا أقيله. لأنهن يخدعن. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته: أن النساء يعطين رغبة ورهبة. فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. نقله الرازيّ.
أقول: ما رآه شريح وروي عن عمر، هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع. إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط. حيث بني الشرط على طيب النفس. ولم يقل: فإن وهبن لكم، إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيّبة. وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها. وذلك بيّن.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 5]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5)
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً
اعلم أن في الآية وجوها يحتملها النظم الكريم.
الأول: أن يراد بالسفهاء اليتامى. كما روي عن سعيد بن جبير. والخطاب حينئذ للأولياء. نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم. لأن السفيه هو الخفيف الحلم. وإنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى، تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء. فكأن أموالهم عين أموالهم. لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيّ والنسبيّ. مبالغة في حملهم على المحافظة عليها. كما قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] . أي لا يقتل بعضكم بعضا. حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم. فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. أي جعلها الله شيئا تقومون وتنتعشون. فلو ضيعتموها لضعتم. وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ أي اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم. بأن تتجروا وتتربحوا. حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. وقوله سبحانه: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي كلاما لينا تطيب به نفوسهم. ومنه أن يعدهم عدة جميلة، بأن يقول وليهم: إذا صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم.
(الوجه الثاني) أن يراد بالسفهاء الناس والصبيان. روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده. ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم. قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك ما خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم. ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
(الوجه الثالث) أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال.
فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفا بهذه الصفة. قال الرازيّ:
وهذا القول أولى. لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز. قال السيوطيّ في (الإكليل) :
في هذه الآية الحجر على السفيه. وأنه لا يمكّن من ماله. وأنه ينفق عليه منه ويكسي، ولا ينفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف. ك (إن رشدت دفعنا إليك مالك. وإنما يحتاط لنفعك) .