الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي: يفنكم ويستأصلكم بالمرّة أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ أي: ويوجد، دفعة مكانكم، قوما آخرين من البشر. أو خلقا آخرين مكان الإنس يعني أن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولعدم تعلق مشيئته المبنيّة على الحكم بالبالغة بإفنائكم. لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ أي: إهلاككم بالمرة وتخليق غيركم قَدِيراً بليغ القدرة، كما قال تعالى وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد صلى الله عليه وسلم: 38] . وقال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم: 19] . ففيه تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر به. قال بعض السلف، ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره!
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 134]
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134)
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمجاهد يجاهد للغنيمة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي: فما له يطلب أخسهما. فليطلبهما، أو الأشرف منهما. كما قال تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ [البقرة: 200- 202] . وقال تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
…
[الشورى: 20] الآية. وقال تعالى:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ
…
[الإسراء: 18] الآية.
قال بعضهم: عني بالآية مشركو العرب. فإنهم كانوا يقرون بالله تعالى، خالقهم، ولا يقرون بالبعث يوم القيامة. وكانوا يتقربون إلى الله تعالى ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً فلا يخفى عليه خافية. ويجازي كلّا بحسب قصده.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 135]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أي مقتضى إيمانكم المبالغة والاجتهاد في القيام بالعدل والاستقامة. إذ به انتظام أمر الدارين الموجب لثوابهما.
ومن أشده القيام بالشهادة على وجهها. فكونوا شُهَداءَ لِلَّهِ أي: مقيمين للشهادة بالحق، مؤدين لها لوجهه تعالى، ولو كانت الشهادة عَلى أَنْفُسِكُمْ فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق عليها ولا تكتموه أَوِ على الْوالِدَيْنِ أي الأصول وَالْأَقْرَبِينَ أي الأولاد والإخوة وغيرهم. فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم.
فإن الحق حاكم على كل أحد إِنْ يَكُنْ أي: من تشهدون عليه غَنِيًّا يبتغي في العادة رضاه ويتقي سخطه أَوْ فَقِيراً يترحم عليه غالبا. أو يخاف من الشهادة عليه أن يلجئ الأمر إلى أن يعطي ما يكفيه فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما أي: من المشهود عليه، واعلم بما فيه صلاحهما. فلولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها. لأن أنظر لعباده من كل ناظر فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا أي: إرادة العدول عن أمر الله الذي هو مصلح أموركم، وأمور المشهود عليهم، لو نظرتم ونظروا إليه.
قال ابن كثير: أي: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم، على ترك العدل في شؤونكم. بل الزموا العدل على أي حال كان. كما قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: 8] ومن هذا قول عبد الله بن رواحة «1» ، لما بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله! لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ. ولأنتم أبغض إليّ من أعدائكم من القردة والخنازير. وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض وَإِنْ تَلْوُوا أي: تحرفوا ألسنتكم عن الشهادة على وجهها أَوْ تُعْرِضُوا أي: عنها بكتمها فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم على ذلك. قال تعالى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: 283] .
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 367، ونصه: عن جابر بن عبد الله أنه قال: أفاء الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقرّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا. وجعلها بينه وبينهم. فبعث عبد الله ابن رواحة فخرصها عليهم. ثم قال لهم: يا معشر اليهود! أنتم أبغض الخلق إليّ. قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله. وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم. قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر. فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي. فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض. قد أخذنا فاخرجوا عنا.