الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صح. وهذه الطريقة سبيل طائفة قصّرت في علم السمع وأقلت البحث عنه. فنشأ من ذلك النقص من الدين والزيادة فيه بالرأي المحض.
ومذهبنا أن لا غنى عن الرجوع إلى تفسير الصحابة رضي الله عنهم. لما ثبت من الثناء عليهم في الكتاب والسنة. ولأن القرآن أنزل على لغتهم. فالغلط أبعد عنهم من غيرهم. لا سيما تفسير حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فمتى صح الإسناد إليه كان تفسيره من أصح التفاسير، مقدما على كثير من الأئمة الجماهير. لوجوه متعددة: منها أنه رضي الله عنه ثبت عنه أنه كان لا يستحل التأويل بالرأي.
روي عنه أنه قال: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وفي رواية (بغير علم) رواه أبو داود في العلم، والنسائيّ والترمذي «1»
. فإذا جزم رضي الله عنه بأمر كان دليلا على رفعه. كما أسلفنا في المقدمة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها الإيتاء والمنع شَهِيداً أي عالما. ففيه وعد ووعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 34]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ جمع قوام، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب. أي مسلطون على أدب النساء يقومون عليهن، آمرين ناهين، قيام الولاة على الرعية. وذلك لأمرين: وهبيّ وكسبيّ. أشار للأول بقوله تعالى: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ والضمير للرجال والنساء جميعا. يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال، على بعض، وهم النساء. وقد ذكروا، في فضل الرجال، العقل والحزم والعزم والقوة والفروسية والرمي. وإن منهم الأنبياء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والشهادة في مجامع القضايا والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج وزيادة السهم والتعصيب. وهم أصحاب اللحى والعمائم. والكامل بنفسه له حق الولاية على
(1) رواه الترمذي في: التفسير، 1- باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه. عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
الناقص. وأشار الثاني بقوله سبحانه وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ في مهورهن ونفقاتهن فصرن كالأرقاء. ولكون القوامين في معنى السادات وجبت عليهن طاعتهم. كما يجب على العبيد طاعة السادات،
وروى ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه قال. أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار بامرأة. فقالت: يا رسول الله! إن زوجها فلان بن فلان الأنصاريّ. وإنه ضربها فأثر في وجهها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس له ذلك.
فأنزل الله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ في الأدب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردت أمرا وأراد الله غيره» . ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مرسلا من طرق.
قال السيوطيّ: وشواهده يقوي بعضها بعضا. وقال عليّ بن أبي طلحة في هذه الآية عن ابن عباس: يعني أمراء عليهن. أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعة.
وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وروى الترمذي «1» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
. فَالصَّالِحاتُ أي من النساء قانِتاتٌ أي مطيعات لله في أزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ قال الزمخشريّ: الغيب خلاف الشهادة. أي حافظات لمواجب الغيب. إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة، من الفروج والأموال والبيوت بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب. فالمحفوظ من حفظه الله. أي لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله. أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال. أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن. حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن. فقوله: بما حفظ الله، يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك. أي في مقابلته. وجعل المهايميّ الباء للاستعانة حيث قال: مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن وإن بلغن من الصلاح ما بلغن. انتهى.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت حفظتك في نفسها ومالك. قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، إلى آخرها.
وروى الإمام أحمد «2» عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرجه الترمذي في: النكاح، 10- باب ما جاء في حق الزوج على المرأة.
(2)
أخرجه في المسند 1/ 191. وحديث رقم 1661.