الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورؤيتهم له بعد ذلك، إنما هو من تطور روحه. لأنه عليه السلام كان له قوة التطور:
وهذا من أحكام الروح والنفس.
ولئن قلنا إنه لا يدل على الرفع بالوجه التام، غير أنا نتنزل ونقول: ما دام في هذه المرة تغيرت هيئته ووجهه ولباسه، واجتمع بالأنبياء وسمع من الغمامة هذا الصوت، فلا أقل من أن يكون ذلك مقدمة لرفعه ومقياسا، ومبدأ لتقويته وإيناسا.
واليهود لم يتحققوا من أنفسهم أنه هو المسيح. بل اعتمدوا على قول يهوذا كما تقدم لك. ويهوذا قوله قول فرد، وغير صالح للاحتجاج. للاحتمالات والأدلة التي ذكرناها لك. فلم يبق في قول الفرقتين حجة أن المصلوب هو المسيح عليه السلام، لا شبهه. وأنا جيلهم حالها معلوم لديك. وبيان اشتباههم المحكيّ لك في القرآن، لا يخفى عليك. انتهى.
وهنا سؤال يورده بعض النصارى وهو: أن عيسى عليه السلام إذا كان لم يصلب حقيقة، وإنما صلب رجل ألقي عليه شبهه، ورفع هو إلى السماء، فلم لم يخبر الحواريين بذلك قبل رفعه أو بعده؟
والجواب: أن عيسى عليه السلام لم يخبر بذلك لعلمه بأن أناسا سيفترون عليه ويقولون بألوهيته. فأبهم الأمر ليكون ذلك أدل على كونه عبدا من عبيد الله. لا يقدر على جلب نفع ولا دفع ضر. بخلاف ما لو أخير بأنه لا يصلب، أو لم يصلب، وأن المصلوب شبهه، فإنه ربما كان ذلك مقويا لشبهة أولئك الجماعة. ولعدم كون هذه المسألة من المسائل الاعتقادية في الأصل. إذ لو اعتقد أحد، قبل إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام، بصلب عيسى، لم يضره ذلك. لكن لما ورد نبينا الذي لا ينطق عن الهوى، أبان خطأ النصارى في الوجهين: أحدهما- اعتقاد أن عيسى إله- والآخر اعتقاد أنه قد قتل وصلب. وأبان أنه عبد من عبيد الله تعالى تولاه بالرسالة.
واصطفاه وحفظه من أيدي أعدائه وحماه، كذا في (منية الاذكاء في قصص الأنبياء) .
فصل في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب
قال القرافيّ: اعلم أن النصارى قالوا: إنهم واليهود أمتان عظيمتان طبقوا مشارق الأرض ومغاربها. وكلهم يخبر أن المسيح عليه السلام صلب. وهم عدد
يستحيل تواطؤهم على الكذب. والإنجيل أيضا مخبر عن الصلب. فإن جوزتم كذبهم، وكذب ما يدعي أنه الإنجيل، وإن مثل هؤلاء ممكن تواطؤهم على الكذب- لزم المحال من وجوه: أحدها- أنه يتعذر عليكم أيها المسلمون، جعل القرآن متواترا. وثانيها- أن قاعدة التواتر تبطل بالكلية.
فإن غاية خبر التواتر يصل إلى مثل هذا. وثالثها- أن إنكار الأمور المتواترة.
جحد للضرورة، فلا يسمع. فلو قال إنسان: الخبر عن وجود بغداد ودمشق كذب، لم يسمع ذلك منه، وعدّ خارجا عن دائرة العقلاء. وحينئذ يتعين أن القول بالصلب حق وأن إخبار المسلمين والقرآن عن عدم ذلك، مشكل.
والجواب من وجوه: أحدها- أن جميع النصارى واليهود يوردون هذا السؤال ولا يعلمون حقيقة التواتر ولا شروطه. وإنما فهم ذلك وغيره هذه الأمة المحمدية والملة الإسلامية! لعلو قدرها وشرفها واختصاصها بمعاقد العلوم وأزمتها. دون غيرها. كما هو مسلم عند كل درّي (كذا) منصف. وها نحن نوضح ذلك إن شاء الله تعالى فنقول: إن التواتر له شروط: الشرط الأول- أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا. ويدل على اعتبار هذا الشرط، أن الأمة العظيمة قد تخبر عن القضايا الجسيمة وهي باطلة. كإخبار المعطلة عن عدم الصانع والفلاسفة عن قدم العالم. مع بطلان ذلك عند أمم كثيرة. وسببه أن مجال النظر يكثر فيه وقوع الخطأ. فلا يثق الإنسان بالخبر عن العقليات، حتى ينظر فيجد البرهان العقليّ يعضد ذلك الخبر.
فحينئذ يقطع بصحة ذلك الخبر. أما الأمور المحسوسة، مثل المبصرات ونحوها فشديدة البعد على الخطأ. وإنما يقع الخلل من التواطؤ على الكذب. فإذا كان المخبرون يستحيل تواطؤهم على الكذب حصل القطع بصحة الخبر. الشرط الثاني- استواء الطرفين والواسطة. وتحرير هذا الشرط أن المخبرين لنا، إذا كانوا يستحيل تواطؤهم على الكذب وكانوا هم المباشرين لذلك الأمر المحسوس، المخبر عنه، حصل العلم بخبرهم. وإن لم يكن المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمور المحسوس، بل ينقلون عن غيرهم أنه أخبرهم بذلك، فلا بد أن يكون الغير المباشر عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإنه إن جاز الكذب عليه، وهو أصل هؤلاء المخبرين لنا، فإذا لم يبق الأصل لم يبق المفرع عليه. فلا يلزم من كون المخبر لنا يستحيل تواطؤهم على الكذب حصول العلم بخبرهم. لجواز فساد أصلهم المعتمدين عليه. فيتعين أن يكون الأصل عددا يستحيل توطؤهم على الكذب.
فهذا معنى قولنا: (استواء الطرفين) في كونهما عددا يستحيل تواطؤهما على