الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه. كما قال تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: 60] وقال تعالى بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: 41] والمريد المتمرد العاتي الطاغي.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 118]
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118)
لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية ل (شيطانا) أي: أبعده الله عن رحمته. فأراد إبعاد من أبعد بسببه وَقالَ حين أبعد لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ أي: الذي أبعدتني بسببهم أي: لأجعلن لي منهم نَصِيباً أي: حظّا مَفْرُوضاً أي: مقطوعا ومقدرا من عبادتهم بأن يعبدوا غيرك، أو يراءوا فيها، أو يعجبوا بها، أو يتلفوها في المظالم، أو يحبطوها بالكفر بعدها.
قال العلامة أبو السعود. قوله تعالى وَقالَ إلخ عطف على الجملة المتقدمة أي: شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله، وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن.
ولقد برهن على أن عبادة الأصنام غاية الضلال بطريق التعليل بأن ما يعبدونها ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا. وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة. ثم استدل عليه بأن ذلك عبادة للشيطان وهو أفظع الضلال من وجوه ثلاثة: الأول- أنه منهمك في الغيّ لا يكاد يعلق بشيء من الخير والهدى. فتكون طاعته ضلالا بعيدا عن الحق. والثاني- أنه ملعون لضلاله. فلا تستتبع مطاوعته سوى اللعن والضلال. والثالث- أنه في غاية السعي في إهلاكهم وإضلالهم. فموالاة من هذا شأنه غاية الضلال، فضلا عن عبادته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 119]
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ أي: عن الهدى وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أي: الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال. قال الرازيّ: إن الشيطان لما ادعى أنه يضل الخلق قال وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وهذا يشعر بأنه لا حيلة له في الإضلال أقوى من إلقاء الأماني في قلوب الخلق. وطلب ما يورث شيئين: الحرص والأمل. والحرص والأمل يستلزم أكثر
الأخلاق الذميمة. وهما كالأمرين اللازمين لجوهر الإنسان.
قال «1» صلى الله عليه وسلم: يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص والأمل.
والحرص يستلزم ركوب أهوال الدنيا وأهوال الدين. فإنه إذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق. وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقا في الدنيا. فلا يكاد يقدم على التوبة ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة وَلَآمُرَنَّهُمْ أي على خلاف أمرك إضلالا لهم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ أي: فليقطعنها ويشقنها سمة وعلامة للبحائر والسوائب ليحرموها، بعد ما أحللتها. قال الواحديّ رحمه الله:
التبتيك، هاهنا، هو قطع آذان البحيرة، بإجماع المفسرين. وذلك أنهم كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس ذكرا ثم تسيّب وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها. فأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح. ولا يردّونها عن ماء ولا مرعى. وإذا لقيها المعيى المنقطع به لم يركبها. وسوّل لهم إبليس أن هذا قربة، وهي البحيرة. قال ابن سيده: بحر الناقة والشاة يبحرها: شق أذنها بنصفين. وقل بنصفين طولا وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ أي: دين الله عز وجل. رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وكثيرين. وهذا كقوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30] على قول من جعل ذلك أمرا. أي: لا تبدلوا فطرة الله، ودعوا الناس على فطرتهم، كما
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه
. كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء. هل تجدون بها من جدعاء؟
وفي صحيح مسلم «3» عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال
(1)
أخرجه مسلم في: الزكاة، حديث 115 ونصه: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان. الحرص على المال والحرص على العمر»
. (2)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، 93- باب ما قيل في أولاد المشركين، حديث 716 ونصه: عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه. كمثل البهيمة تنتج البهيمة. هل ترى فيها جدعاء؟»
. (3)
أخرجه مسلم في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 63 ونصه: عن عياض بن حمار المجاشعيّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا. كل مال نحلته عبدا، حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم.
وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي، ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء.
الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.
وحرمت عليهم ما أحللت لهم.
وروى الإمام أحمد «1» والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجر قصبه في النار. وكان أول من سيّب السوائب وبحر البحيرة.
وروى الطبرانيّ عن ابن عباس مرفوعا: أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي ابن قمعة بن خندف، أبو خزاعة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: أنه عنى بالآية خصي الدواب. وقال أنس: منه الخصا.
وقد روى ابن عساكر عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخصاء.
ورواه الإمام أحمد «2» أيضا عنه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء الخيل والبهائم.
وروى الطبرانيّ عن ابن مسعود: نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يخصى أحد من ولد آدم.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس: نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح وخصاء البهائم
. وقال الحسن: عنى بالآية الوشم (بالشين المعجمة) أخرجه ابن أبي حاتم.
روى الإمام أحمد «3» عن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوشم.
وفي الصحيح «4»
تقرؤه نائما ويقظان. وإن الله أمرني أن أحرق قريشا. فقلت: رب! إذا يثلغوا رأسي (أي: يشدخوه ويشقوه) فيدعوه خبزة (أي: كما يشدخ الخبز) قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك (أي: نعينك) وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له (أي: لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي) الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا.
والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير: الفحّاش»
. (1)
أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 275، ونصه: عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قصبه (يعني الأمعاء) في النار. وهو أول من سيّب السوائب» .
وفي البخاري في: المناقب، 9- باب قصة خزاعة، حديث 1657.
ومسلم في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 51.
(2)
أخرجه في المسند ص 24 ج 2 ونصه: عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم
. وقال ابن عمر: فيها نماء الخلق.
(3)
أخرجه في المسند 2/ 319.
(4)
أخرجه البخاريّ في: التفسير، 57- سورة الحديد، 4- باب وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، حديث 2055. [.....]