الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدرة الله تعالى. ولم يتعرض لبيان قوة جنابه تعالى، إيذانا بظهورها. قالوا: فائدة إدخال (كان) في أمثال هذه المواقع التأكيد ببيان أنه منذ كان، كان كذلك.
فالمعنى: إن كيد الشيطان منذ كان، كان موصوفا بالضعف. انتهى. (والكيد) :
السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه. يقال: كاده يكيده، إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه. أفاده الرازيّ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 77]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ وهم المؤمنون عند استئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال، قبل أن يؤمروا به كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ أي: عن القتال. فإنكم لم تؤمروا به وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أي: أتموا الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها، وما يجب فيها من مواقيتها. وأعطوا زكاة أموالكم فَلَمَّا كُتِبَ أي فرض عَلَيْهِمُ الْقِتالُ أي الجهاد في سبيل الله حين قوي حالهم إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي طائفة منهم وهم المنافقون. وإدخالهم مع المؤمنين لما كانوا يظهرونه من أنفسهم أنهم منهم يَخْشَوْنَ النَّاسَ أي: يخافون أهل مكة الكفار أن يقتلوهم كَخَشْيَةِ اللَّهِ أي كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي: أكثر خوفا منه.
فإن قيل: ظاهر قوله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً يوهم الشك. وذلك على علام الغيوب محال. (أجيب) بأن (أو) إما بمعنى (بل) أو هي للتنويع على أن معنى: أن خشية بعضهم كخشية الله، وخشية بعضهم أشد منها. أو للإبهام على السامع. بمعنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة. وهو قريب مما في قوله تعالى:
أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147]، يعني أن من يبصرهم يقول:
إنهم مائة ألف أو يزيدون.
تنبيه:
حكى المفسرون هنا رواية عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت في جماعة من
الصحابة المهاجرين وأنهم كانوا يلقون من مشركي مكة، قبل الهجرة، أذى شديدا.
فيشكون ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويقولوا: ائذن لنا في قتالهم.
فيقول لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: كفوا أيديكم. فإني لم أومر بقتالهم. واشتغلوا بإقامة دينكم من الصلاة والزكاة.
ثم بعد الهجرة إلى المدينة، لما أمروا بقتالهم في وقعة بدر، كرهه بعضهم، فنزلت الآية.
وعندي أن هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين، تقريعا لهم وتحذيرا للمخلصين، من شاكلتهم. والقول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصح لوجوه: منها- أن في إسنادها عن ابن عباس من ليس على شرط الصحيح ومنها- أن طلبهم للجهاد وهم في مكة، مع قلة العدد والعدد، وممالأة العدوّ عليهم من كل جانب- في غاية البعد. ومنها- أن السياق في المنافقين: وقد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ- إلى قوله تعالى الآتي- فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ
…
الآية. كما يظهر من التدبر الصادق. ومنها- أن هذا السياق اشتمل على أمور تدل على أنها مختصة بالمنافقين. لأنه تعالى قال في وصفهم: يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ولا يكون هذا الوصف إلا لكافر أو منافق. وحكى تعالى عنهم أنهم قالوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ولم يعهد هذا عن المؤمنين، بل المحفوظ مبادرتهم للجهاد. كما روى ابن إسحاق في (السيرة) أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استشار الناس في غزوة بدر. فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! امض لما أراك الله. فنحن معك. والله! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: 24] . ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.
ثم قال سعد بن معاذ: امض، يا رسول الله! لما أردت، فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك. ما تخلف منا رجل واحد. وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا. إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء. ومنها- أنه تعالى ذكر بعد ذلك قوله: إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء: 78] . ولا شك أن هذا من كلام المنافقين. ثم صرح تعالى في آخر الكلام عليهم بقوله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ. فزال اللبس وبرح الخفاء.