الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ. سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ. ومن قال بالحجر على من يخدع في البيوع. ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشرط أن يترك في يده، لا يسمع منه في ذلك.
لطيفة:
في قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.
قال الزمخشريّ: كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن. ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان، وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره (وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا) :
لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا. فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة، فقالوا له:
اذهب إلى دكانك. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 6]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)
وَابْتَلُوا الْيَتامى أي اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة. لما
في الصحيحين «1» عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني
. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحدّ بين الصغير والكبير.
وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة. وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة، لما
رواه الإمام أحمد «2» وأهل السنن عن عطية القرظيّ قال: عرضنا على النبيّ
(1) أخرجه البخاري في: الشهادات، 18- باب بلوغ الصبيان وشهادتهم.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 310.
صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل. ومن لم ينبت خلّى سبيله. فكنت فيمن لم ينبت. فخلّى سبيلي.
قال الترمذي: حسن صحيح. فَإِنْ آنَسْتُمْ أي شاهدتم وتبينتم مِنْهُمْ رُشْداً أي صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم. قاله سعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي من غير تأخير.
وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال وَلا تَأْكُلُوها أيها الأولياء إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا أي مسرفين ومبادرين كبرهم. أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. تفرّطون في إنفاقها وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا وَمَنْ كانَ من الأولياء غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ أي يتنزه عن أكل مال اليتيم. فإنه عليه كالميتة والدم. وليقنع بما آتاه الله تعالى من الرزق وَمَنْ كانَ فَقِيراً يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب. وإهماله يفضي إلى تلفه عليه فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته. كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت:
فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه. ورواه البخاري «1» أيضا. قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله. وقد حاجته. وهل يردّ إذا أيسر؟ وجهان:
أحدهما لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا. وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ. لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل.
وروى الإمام أحمد «2» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم.
فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا. ومن غير أن تقي مالك، (أو قال تفدي مالك بماله) ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: كل بالمعروف غير مسرف. ورواه أبو داود والنسائيّ وابن ماجة.
وروى ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه في (تفسيره) عن جابر: أن رجلا قال: يا رسول الله! مما أضرب يتيمي؟
قال: مما كنت ضاربا منه ولدك. غير واق مالك بماله. ولا متأثل منه مالا.
وروى عبد الرزاق عن الثوريّ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابيّ إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما. وإن لهم إبلا. ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء.
(1) أخرجه البخاري في: التفسير، 4- سورة النساء، 2- باب: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، حديث 1109. ونصه: عن عائشة رضي الله عنها، في قوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، إنها نزلت في والي مال اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه، مكان قيامه عليه، بمعروف.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 216.
فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب. ورواه مالك في موطئه «1» . وبهذا القول، وهو عدم أداء البدل، بقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعيّ وعطية العوفيّ والحسن البصريّ.
والوجه الثاني- يردّ. لأن مال اليتيم على الحظر. وإنما أبيح للحاجة. فيردّ بدله. كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وإلى اليتيم. إن استغنيت استعففت. وإن احتجت استقرضت. فإذا أيسرت قضيت.
وروى سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال قال لي عمر رضي الله عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه. فإذا أيسرت رددته. وإن استغنيت استعففت. قال ابن كثير:
إسناد صحيح.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعني القرض. قال وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل، وسعيد بن جبير (في إحدى الروايات) ومجاهد والضحاك والشعبيّ والسدّيّ نحو ذلك. قال الفخر الرازيّ: وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب والفضة وغيرها. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وهذا قول أبي العالية وغيره. واحتجوا بأن الله تعالى قال: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، فحكم في الأموال بدفعها إليهم. انتهى.
أقول: الكل محتمل. إذ لا نص من الأصلين على واحد منها. ولا يخفى الورع. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي بعد البلوغ والرشد فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أي عند الدفع بأنهم قبضوها. فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة. قال السيوطيّ: فيه الأمر بالإشهاد ندبا. وقيل: وجوبا. ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ، لا الوليّ.
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في: صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث 33 ونصه: عن القاسم بن محمد قال:
جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيما وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلطّ حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب.