الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمى. فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضّ فخذي. ثم سرّى عنه فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وقوله تعالى بِأَمْوالِهِمْ أي: التي ينفقونها على أنفسهم في الجهاد أو على مجاهد آخر وَأَنْفُسِهِمْ أي: التي هي أعز عليهم من كل شيء. وإن أنفق عليهم غيرهم إذا لم يكن عندهم مال.
قال أبو السعود: وإيرادهم، يعني الغزاة، بعنوان المجاهدين، دون الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه، كما وقع في عبارة ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا تقييد المجاهدة بكونها في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، - لمدحهم بذلك والإشعار بعلة استحقاقهم لعلوّ المرتبة، مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود. انتهى.
وظاهر أن نفي المساواة يستلزم التفضيل. إلا أنه للاعتناء به، وليتمكن أشد تمكن، لم يكتف بما فهم ضمنا، بل صرح به فقال فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ.
لأنهم رجحوا جانبه بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ أي: غير أولي الضرر دَرَجَةً في القرب ممن رجحوا جانبه وَكُلًّا أي: كل واحد من القاعدين والمجاهدين وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي: المثوبة الحسنى، وهي الجنة، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم. والجملة اعتراض جيء به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بالجهاد عَلَى الْقاعِدِينَ أي بغير عذر أَجْراً عَظِيماً. أي: ثوابا وافرا في الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 96]
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96)
دَرَجاتٍ مِنْهُ بدل من (أجرا) بدل الكل. مبيّن لكمية التفضيل و (منه) متعلق بمحذوف وقع صفة ل (درجات) دالة على فخامتها وجلالة قدرها. قاله أبو السعود.
وقد ثبت في الصحيحين «1» عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن
(1)
الحديث ليس لأبي سعيد وإنما هو لأبي هريرة. وهو من ضمن حديث طويل أخرجه البخاريّ في:
الجهاد، 4- باب درجات المجاهدين في سبيل الله، حديث 1335 وهذا نصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان
في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله. ما بين كل درجتين كما بين السماء، والأرض.
وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال:
قال «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رمى بسهم فله أجره درجة. فقال رجل: يا رسول الله! وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك: ما بين الدرجتين مائه عام وَمَغْفِرَةً أي:
لذنوبهم وَرَحْمَةً فوق الأجر ودرجاته وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة
. وهاهنا فوائد:
الأولى- دلت الآية على أن الجهاد ليس بفرض عين. إذ لو كان فرضا من فروض الأعيان لم يكن للقاعد فضل، ولكن تفاوت الفضل بينه وبين المجاهد. وقال: وكلا وعد الله الحسنى.
الثانية- دلت أيضا على أن الجهاد أفضل من القرب التي يفعلها القاعد. لأنه فضّله على القاعد مطلقا. ويؤيد هذا
قوله صلى الله عليه وسلم: الجهاد سنام الدين.
وقد فرّع العلماء على هذا أن رجلا لو وقف ما له على أحسن وجوه البر، أو أوصى أن يصرف في أحسن وجوه البرّ، فإنه يصرف في الجهاد. خلاف ما ذكره أبو عليّ أنه يصرف في طلب العلم. كذا في بعض التفاسير.
الثالثة- قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية تفضيل المجاهدين على غيرهم. وأن المعذورين في درجة المجاهدين، واستدل بقوله (بأموالهم) على تفضيل المجاهد بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديون أو نحوه.
الرابعة- قال الرازيّ: لقائل أن يقول: إنه تعالى قال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ. فقدم ذكر النفس على المال. وفي الآية التي نحن فيها وهي قوله: وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ قدم ذكر المال على النفس، فما السبب؟ وجوابه: أن النفس أشرف من المال. فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيها على
حقّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» . فقالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ قال «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، أراه فوقه عرش الرحمن. ومنه تتفجر أنهار الجنة»
. (1) أخرجه النسائيّ في: الجهاد، 26- باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل. ولكن عن كعب بن مرّة.