الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما قال مقاتل، وهو الأنسب بسياق النظم الكريم، وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم، بل يكفي اندراجه فيه قطعا. بل لا وجه له أصلا. لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر. أي لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان. لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر. وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه. ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان. فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي. انتهى.
قال الشهاب: الشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكا، وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا. وقد صرح به في قوله تعالى في سورة (البينة) بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها [البينة: 6] .
فلا يبقى شبهة في عمومه. انتهى.
وقال الرازيّ: هذه الآية دالة على أن اليهوديّ يسمى مشركا، في عرف الشرع.
ويدل عليه وجهان: الأول- أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور. فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية. وبالإجماع هي غير مغفورة. فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك. الثاني- إن اتصال هذه الآية بما قبلها، إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود. فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك. فإن قيل: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا
…
إلى قوله: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج: 17] . فعطف المشرك على اليهوديّ، وذلك يقتضي المغايرة- قلنا المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغويّ.
والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعيّ. ولا بد من المصير إلا ما ذكرناه، دفعا للتناقض. انتهى.
لطيفة:
قال أبو البقاء: الشرك أنواع: شرك الاستقلال وهو إثبات إلهين مستقلين.
كشرك المجوس. وشرك التبعيض، وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى. وشرك التقريب، وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد، وهو عبادة غير الله تبعا للغير. كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب.
وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض، وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع.
وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع. وحكم الخامس التفصيل. فمن قال في الأسباب العادية إنها تؤثر بطبعها فقد حكى الإجماع على كفره. ومن قال إنها
تؤثر بقوة أودعها الله فيها فهو فاسق. انتهى. وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ أي ما دون الشرك من المعاصي، صغيرة كانت أو كبيرة لِمَنْ يَشاءُ تفضلا منه وإحسانا. قال ابن جرير: وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه. ما لم تكن كبيرته شركا بالله عز وجل. وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون لمن اقتضته مشيئته تفضلا منه ورحمة. وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة. وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة. وقد تقدم قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: 31] . وهي تدل على أن الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر. فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته. ولذا قال الرازيّ: هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر. ثم جوّد وجوه الاستدلال. ومنها: أن ما سوى الشرك يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة. ومنها أن غفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة مقطوع به وغير معلق على المشيئة. فوجب أن يكون الغفران المذكور، في هذه الآية، هو غفران الكبيرة قبل التوبة. وهو المطلوب.
وأول الزمخشريّ هذه الآية على مذهبه: بأن الفعل المنفيّ والمثبت جميعا، موجّهان إلى قوله تعالى لِمَنْ يَشاءُ على قاعدة التنازع. كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك. على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب. قال: ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء. تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. انتهى.
قال ناصر الدين في (الانتصاف) : عقيدة أهل السنة أن الشرك غير مغفور البتة. وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفره له. هذا مع عدم التوبة. وأما مع التوبة فكلاهما مغفور. والآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما ترى. فلذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بالمشيئة، كما ترى. فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة. وأما القدرية فإنهم يظنون التسوية بين الشرك وبين ما دونه من الكبائر. في أن كل واحد من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا شاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين. فإذا عرض الزمخشريّ هذا المعتقد على هذه الآية ردته ونبت عنه. إذ المغفرة منفية فيها عن الشرك وثابتة لما دونه مقرونة بالمشيئة فأما أن يكون المراد فيهما من لم يتب، فلا وجه للتفصيل بينهما بتعليق المغفرة في أحدهما بالمشيئة وتعليقها بالآخر مطلقا.
إذ هما سيّان في استحالة المغفرة. وأما أن يكون المراد فيهما التائب فقد قال في