الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله. فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله. وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [البقرة: 165] الآية.
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: 97- 98] . ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، والملك والقدرة. وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل. وهذا غاية الجهل والظلم.
فكيف يسوّى من خلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم- بالغنيّ بالذات، القادر بالذات، الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته، وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟
فأيّ ظلم أقبح من هذا؟ وأيّ حكم أشد جورا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه، كما قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1] . فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه!!
فصل
ويتبع هذا الشرك، الشرك به سبحانه في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات.
فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره، والطواف بغير بيته، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره، وتقبيل الأحجار، غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها. وقد لعن النبيّ صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها. فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدوها من دون الله.
وفي الصحيحين «1» عنه أنه قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
وفي الصحيح «2» عنه: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة
(1) أخرجه البخاري في: الصلاة، 55- حدثنا أبو اليمان، حديث 285 و 286.
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث 19.
(2)
أخرجه أحمد في المسند 1/ 435.
وهو في البخاريّ في: الفتن، 5- باب ظهور الفتن، حديث 2550.
وفي مسلم في: الفتن وأشراط الساعة، حديث 131.
وهم أحياء. ومن يتخذ القبور مساجد» .
وفي الصحيح «1» «أيضا عنه: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. فإني أنهاكم عن ذلك» .
وفي مسند الإمام أحمد «2» رضي الله عنه وصحيح ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. وقال: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر. فكيف حال من سجد للقبر بنفسه؟
وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «4» : «اللهم! لا تجعل قبري وثنا يعبد»
. وقد حمى النبيّ جانب التوحيد أعظم حماية حتى نهى «5» عن صلاة التطوّع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها. لئلا يكون ذريعة إلى التشبيه بعبّاد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين. وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح، لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس. وأما السجود لغير الله
فقال «6» : «لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله»
. و (لا ينبغي) في كلام الله
(1) أخرجه مسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث 23.
(2)
أخرجه في المسند 1/ 229.
(3)
أخرجه البخاريّ في: مناقب الأنصار، حديث 281، ونصه: عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير. فذكرتا للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تيك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» .
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث 16
. (4) أخرجه مالك في: قصر الصلاة في السفر، حديث 85.
(5)
أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، 31- باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، حديث 379 ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» .
(6)
أخرجه ابن ماجة في: النكاح، 4- باب حق الزوج على المرأة، حديث 1853 ونصه: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قال «ما هذا؟ يا معاذ!» قال: أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فلا تفعلوا. فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
والذي نفس محمد بيده! لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها. ولو سألها نفسها، وهي على قتب، لم تمنعه»
.