المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 115] - تفسير القاسمي محاسن التأويل - جـ ٣

[جمال الدين القاسمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌سورة النساء

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 1]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 2]

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 3]

- ‌لطائف:

- ‌بحث جليل:

- ‌تتمة:

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 4]

- ‌فائدتان:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 5]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 6]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 7]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 8]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 9]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 10]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 11]

- ‌تنبيه:

- ‌لطائف:

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 12]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 13]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 14]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 15]

- ‌ القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 16]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 17]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 18]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 19]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه جليل في الوصية بالنساء والإحسان إليهن:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 20]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 21]

- ‌تنبيه في فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 22]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 23]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 26]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 27]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 28]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 29]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 30]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 34]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 35]

- ‌ تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 36]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 37]

- ‌فائدة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 38]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 39]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 40]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 41]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 42]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌تنبيهات:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 44]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 45]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 46]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 47]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 48]

- ‌لطيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 49]

- ‌ تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 50]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 51]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 52]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 53]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 54]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 55]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 56]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 57]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 58]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 59]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيهات

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 60]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 61]

- ‌تنبيه- في سبب نزولها

- ‌مباحث

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 62]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 63]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 64]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 65]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 66]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 67]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 68]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 69]

- ‌تنبيهات

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 70]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 71]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 72]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 73]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌تنبيه

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 78]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 79]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 80]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 81]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 82]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 83]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 86]

- ‌عود:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 87]

- ‌فوائد:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 89]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 90]

- ‌لطيفة:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 91]

- ‌تنبيهان:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌لطيفتان:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 95]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 96]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 97]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 98]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 99]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌تنبيهات:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌تنبيه: في مسائل تتعلق بالآية:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 109]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 110]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 111]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 112]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 114]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 115]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 116]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 117]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 118]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 119]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 120]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 121]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 122]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 123]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 124]

- ‌تنبيه:

- ‌ القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 125]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 126]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 127]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 128]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 129]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 130]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 131]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 132]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 133]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 134]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 137]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 138]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 139]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 142]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 143]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 144]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 145]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 146]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 147]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 148]

- ‌فوائد:

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 149]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 150]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 151]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 153]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 154]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 155]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 156]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 157]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 158]

- ‌تنبيه:

- ‌ذكر ما زعموه ورووه مما نفاه التنزيل الكريم

- ‌ إنجيل لوقا

- ‌الأصحاح الحادي والعشرون

- ‌الأصحاح الثاني والعشرون

- ‌وقال لوقا:

- ‌فصل في بطلان ما رووه وتهافته بالحجج الدامغة

- ‌وقال يوحنا التلميذ:

- ‌فصل

- ‌فصل في رد زعم النصارى أن إلقاء الشبه يفضي إلى السفسطة

- ‌فصل في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب

- ‌مطلب:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 160]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 161]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌لطيفة:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 163]

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 164]

- ‌تنبيه:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 165]

- ‌تنبيه

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 166]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 167]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 168]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 169]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 171]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 172]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 173]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 174]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 175]

- ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌تنبيهات:

- ‌فهرس الجزء الثالث

الفصل: ‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 115]

يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب. والإصلاح بين الناس.

وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

وروى الإمام أحمد «1» وأبو داود «2» والترمذي «3» عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين. قال: وفساد ذات البين هي الحالقة.

قال الترمذيّ: حسن صحيح.

‌القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (4) : آية 115]

وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115)

وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ أي يخالفه ويعاديه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى أي اتضح له الحق وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل، وهو الدين القيّم نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى أي. نجعله واليا مرجحا ما تولاه من المشاقة ومتابعة غير سبيلهم فنزينه له تزين الكفر على الكفرة، استدراجا له ليكون دليلا على شدة العقوبة في الآخرة. كما قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [القلم: 44] . وقال تعالى: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] . وقال سبحانه: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 110] وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ أي: ندخله إياها وَساءَتْ مَصِيراً وجعل النار مصيره في الآخرة. لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة. كما قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: 22] .

الآية. وقال تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً [الكهف: 53] .

قال الإمام ابن كثير: قوله تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ هذا ملازم للصفة الأولى. ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا. فإنه قد ضمنت لهم العصمة، في

(1) الإمام أحمد في المسند 6/ 445.

(2)

أخرجه أبو داود في: الأدب، 50- باب في إصلاح ذات البين، حديث 4919.

(3)

أخرجه الترمذيّ في: الزهد، 56- باب حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البغداديّ.

ص: 329

اجتماعهم، من الخطأ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم. وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك. ومن العلماء من ادعى تواتر معناها. والذي عوّل عليه الشافعيّ رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته، هذه الآية الكريمة. بعد التروّي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها. وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك. انتهى.

وقال بعض مفسري الزيدية: الآية دلت على أن مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة. وقد تبلغ إلى الكفر. ودلت على أن الجهل عذر. لقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى.

ودلت على أن مخالفة الإجماع كبيرة. وأنه دليل كالكتاب والسنة لكن إنما يكون كبيرة إذا كان نقله قطعيا، لا آحاديا. انتهى.

وقال المهايميّ: في الآية دليل على حرمة مخالفة الإجماع. لأنه عز وجل رتب الوعيد الشديد على مشاقة الرسول ومخالفة الإجماع، فهو إما لحرمة أحدهما وهو باطل. إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحدّ، إذ لا دخل لأكل الخبز فيه. أو لحرمة الجمع بينهما وهو أيضا باطل. لأن مشاقة الرسول حرام وإن لم يضم إليها غيرها. أو لحرمة كل واحد منهما وهو المطلوب. انتهى.

ونقل الخفاجيّ قصة استدلال الشافعيّ من هذه الآية عن الإمام المزنيّ قال:

كنت عند الشافعيّ يوما. فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا. فلما رآه ذا مهابة استوى جالسا، وكان مستندا لأسطوانة، فاستوى وسوى ثيابه. فقال له: ما الحجة في دين الله؟ قال: كتابه قال: وماذا؟ قال: سنة نبيه. قال وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال:

من أين هذا الأخير؟ أهو في كتاب الله؟ فتدبر ساعة ساكتا. فقال له الشيخ: أجّلتك ثلاثة أيام بلياليهن. فإن جئت بآية، وإلا فاعتزل الناس.

فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر، وقد تغير لونه. فجاءه الشيخ وسلم عليه وجلس. وقال: حاجتي. فقال: نعم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله عز وجل: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ- إلى آخر الآية. لم يصله جهنم، على خلاف المؤمنين، إلا واتّباعهم فرض. قال: صدقت. وقام وذهب.

وروي عنه أنه قال: قرأت القرآن في يوم وفي كل ليلة ثلاث مرات. حتى ظفرت بها.

وأورد الراغب عليه، أنه لا حجة فيها على ما ذكره. بأن كل موصوف علق به

ص: 330

حكم فالأمر باتباعه يكون في مأخذ ذلك الوصف. فإذا قيل اقتد بالمصلي فالمراد في صلاته. فكذا سبيل المؤمنين، يعني به سبيلهم في الإيمان، لا غير. فلا دلالة في الآية على اتباعهم في غيره. وردّ بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأول. ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف، تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضا. فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه. فسبيل المؤمنين، وإن فسر بما هم عليه من الدين، يعمّ الأصول والفروع، الكل والبعض. على أن الجزاء مرتب على كل من الأمرين المذكورين في الشرط، لا على المجموع. للقطع بأن مجرد مشاقة الرسول كافية في استحقاق الوعيد، معنى على أن ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين. لأن المكلف لا يخلو من اتباع سبيل، البتة. انتهى.

ورأيت للإمام تقيّ الدين بن تيمية في كتابه (الفرقان بين الحق والباطل) مقالة بديعة في هذه الآية والإجماع. أجال فيها جواد قلمه وأجاد. وأطال وأطاب. قال رحمه الله: ما يسميه ناس الفروع والشرع والفقه، فهذا قد بينه الرسول أحسن بيان.

فما بقي مما أمر الله به أو نهى عنه أو حلله أو حرمه إلا بيّن ذلك. وقد قاله تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] .

وقال تعالى: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111] . وقال تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89] .

وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى: 10] . وقال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ [التوبة: 115] . فقد بيّن للمسلمين جميع ما يتقونه. كما قال: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119] . وقال تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59] . وهو الردّ إلى كتاب الله، أو إلى سنة الرسول، بعد موته. وقوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ شرط. والفعل نكرة في سياق الشرط. فأي شيء تنازعوا فيه ردّوه إلى الله والرسول. ولو لم يكن بيان الله والرسول فاصلا للنزاع لم يؤمروا بالرد إليه.

وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «1» : تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا

(1)

أخرجه ابن ماجة في المقدمة، 1- باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث 5 ونصه: عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوّفه، فقال «الفقر تخافون؟

ص: 331

هالك.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلام نحو هذا. والحاصل أن الكتاب والسنة وافيان بجميع أمور الدين. وأما إجماع الأمة فهو في نفسه حق. لا تجتمع الأمة على ضلالة. وكذلك القياس الصحيح حق. فإن الله بعث رسله بالعدل وأنزل الميزان مع الكتاب. والميزان يتضمن العدل وما يعرف به العدل. وقد فسروا إنزال ذلك بأن ألهم العباد معرفة ذلك. والله ورسوله يسوي بين المتماثلين ويفرق بين المختلفين وهذا هو القياس الصحيح، وقد ضرب الله في القرآن من كل مثل. وبيّن بالقياس الصحيح وهي الأمثال المضروبة، ما بينه من الحق. لكن القياس الصحيح يطابق النص. فإن الميزان يطابق الكتاب. والله أمر نبيّه أن يحكم بالعدل. فهو أنزل الكتاب. وإنما أنزل الكتاب بالعدل. قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: 49] . وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة: 42] .

وأما إجماع الأمة فهو حق. لا تجتمع الأمة، ولله الحمد، على ضلالة، كما وصفها الله بذلك في الكتاب والسنة. فقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] . وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر. فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك، ولم تنه عن المنكر فيه.

وقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: 143] . والوسط العدل الخيار وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول.

وقد ثبت في الصحيح «1»

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال: وجبت. ثم مرّ عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا. فقال: وجبت. قالوا: يا رسول الله! ما قولك وجبت؟ قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا. فقلت: وجبت لها الجنة. وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا.

فقلت: وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض.

والذي نفسي بيده! لتصبّنّ عليكم الدنيا صبّا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّا هيه. وأيم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» .

(1)

أخرجه البخاريّ في: الجنائز، 85- باب ثناء الناس على الميت حديث 723 ونصه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وجبت» . ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرّا. فقال «وجبت» . فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ قال «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض» .

وأخرجه مسلم في: الجنائز، حديث 60.

ص: 332

فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل. فإذا شهدوا أن الله أمر بشيء فقد أمر به. وإذا شهدوا أن الله نهى عن شيء فقد نهى عنه. ولو كان يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في الأرض. وقال تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ [لقمان: 15] . والأمة منيبة إلى ربها فيجب اتباع سبيلها وقال تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] . فرضي عمن اتبع السابقين إلى يوم القيامة. فدلّ على أن متابعهم عامل بما يرضي الله. والله لا يرضى إلا بالحق لا بالباطل. وقال تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً، والشافعيّ، رضي الله عنه، لما جرد الكلام في أصول الفقه احتج بهذه الآية على الإجماع. كما كان يسمع هو وغيره من مالك.

ذكر ذلك عن عمر بن عبد العزيز. والآية دلت على أن متبع غير سبيل المؤمنين، مستحق للوعيد كما أن مشاقّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى، مستحق للوعيد.

ومعلوم أن هذا الوصف يوجب الوعيد بمجرده. فلو لم يكن الوصف الآخر يدخل في ذلك لكان لا فائدة في ذكره. وهنا للناس ثلاثة أقوال: قيل: اتباع غير سبيل المؤمنين هو بمجرده مخالفة الرسول المذكورة في الآية. وقيل بل مخالفة الرسول مستقلة بالذم. فكذلك اتباع غير سبيلهم مستقل بالذم. وقيل: بل اتباع غير سبيل المؤمنين يوجب الذم كما دلت عليه الآية. لكن هذا لا يقتضي مفارقته للأول بل قد يكون مستلزما له. فكل متابع غير سبيل المؤمنين هو في نفس الأمر مشاقّ للرسول.

وكذلك مشاق الرسول متبع غير سبيل المؤمنين. وهذا كما في طاعة الله والرسول.

فإن طاعة الله واجبة وطاعة الرسول واجبة. وكل واحد من معصية الله ومعصية الرسول موجب للذم. وهما متلازمان. فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله.

وفي الحديث الصحيح «1» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني.

ثم قال تقيّ الدين رحمه الله (بعد ثلاثة أوراق) : ومن الناس من يقول: إنها لا تدل على مورد النزاع. فإن الذم فيها لمن جمع الأمرين. وهذا لا نزاع فيه. أو لمن اتبع غير سبيل المؤمنين التي بها كانوا مؤمنين. وهي متابعة الرسول. وهذا لا نزاع

(1) أخرجه البخاريّ في: الجهاد، 109- باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به، حديث 1409.

ومسلم في: الإمارة، حديث 32.

ص: 333

فيه. أو إن سبيل المؤمنين هو الاستدلال بالكتاب والسنة. وهذا لا نزاع فيه. فهذا ونحوه قول من يقول: لا تدل على محل النزاع. وآخرون يقولون: بل تدل على وجوب اتباع المؤمنين مطلقا. وتكلفوا لذلك ما تكلفوه. كما قد عرف كلامهم ولم يجيبوا عن أسئلة أولئك بأجوبة شافية. والقول الثالث الوسط: إنها تدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين وتحريم اتباع غير سبيلهم. ولكن مع تحريم مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى. وهو يدل على ذم كلّ من هذا وهذا. كما تقدم. لكن لا ينفي تلازمهما. كما ذكر في طاعة الله والرسول. وحينئذ يقول: الذم إما أن يكون حقّا لمشاقة الرسول فقط، أو باتباع غير سبيلهم فقط، أو أن يكون الذم لا يلحق بواحد منهما. بل بهما إذا اجتمعا. أو لحق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر، أو بكل منهما لكونه مستلزما للآخر. والأوّلان باطلان. لأنه لو كان المؤثر أحدهما فقط، كان ذكر الآخر ضائعا لا فائدة فيه. وكون الذم لا يلحق بواحد منهما باطل قطعا. فإن مشاقة الرسول موجبة للوعيد مع قطع النظر عمن اتبعه. ولحوق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر لا تدل عليه الآية. فإن الوعيد فيها إنما هو على المجموع. بقي القسم الآخر وهو أن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد. لأنه مستلزم للآخر. كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول ومخالفة القرآن والإسلام. فيقال: من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار. ومثله قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً. فإن الكفر بكل واحد من هذه الأصول يستلزم الكفر بغيره. فمن كفر بالله كفر بالجميع. ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب والرسل، فكان كافرا بالله. إذ كذب رسله وكتبه. وكذلك إذا كفر باليوم الآخر كذب الكتب والرسل. فكان كافرا. وكذلك قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران: 71] ذمهم على الوصفين. وكل منهما مقتض للذم. وهما متلازمان. ولهذا نهى عنهما جميعا في قوله وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فإن من لبس الحق بالباطل فغطاه به، فغلط به، لزم أن يكتم الحق الذي تبين أن هذا باطل، إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق. فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين. من شاقّه، فقد اتبع غير سبيلهم. وهذا ظاهر. ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد. فدل على أنه وصف مؤثر في الذم.

فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك. وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول. قلنا: لأنهما متلازمان. وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عن الرسول. فالمخالف لهم مخالف للرسول.

ص: 334

كما أن المخالف للرسول مخالف لله. ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه الرسول قد بيّنه الرسول. وهذا هو الصواب. فلا يوجد مسألة قط مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس. ويعلم الإجماع فيستدل به. كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص. وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن. وكذلك الإجماع دليل آخر. كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها. فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة. وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ. فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه. ولا توجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص. وقد كان بعض الناس يذكر فيها الإجماع بلا نص كالمضاربة. وليس كذلك. بل المضاربة كانت مشهورة بينهم في الجاهلية، لا سيما قريش. فإن الأغلب كان عليهم التجارة. وكان أصحاب الأموال يدفعونها إلى العمال. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد سافر بمال غيره قبل النبوة كما سافر بمال خديجة. والعير التي كان فيها أبو سفيان كان أكثرها مضاربة مع أبي سفيان وغيره. فلما جاء الإسلام أقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان أصحابه يسافرون بمال غيرهم مضاربة. ولم ينه عن ذلك. والسنة قوله وفعله وإقراره. فلما أقرها كانت ثابتة بالسنة. والأثر المشهور فيها عن عمر الذي رواه مالك في الموطأ «1» ، ويعتمد عليه الفقهاء، لما أرسل أبو موسى بمال أقرضه لا بنيه واتّجرا فيه وربحا. وطلب عمر أن يأخذ الربح كله للمسلمين لكونه خصّهما بذلك دون سائر الجيش. فقال له أحدهما: لو خسر المال لكان علينا. فكيف يكون الربح وعلينا الضمان؟ فقال له بعض الصحابة: اجعله مضاربة. فجعله مضاربة.

(1) أخرجه في الموطأ في: القراض، حديث 1 ونصه: عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله، أبناء عمر بن الخطاب، في جيش إلى العراق. فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعريّ، وهو أمير البصرة. فرحب بهما وسهّل. ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله. أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين. فأسلفكماه.

فتبتاعان به متاعا من متاع العراق. ثم تبيعانه بالمدينة. فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين.

ويكون الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك، ففعل. وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال.

فلما قدما باعا فأربحا. فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكلّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا:

لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين. فأسلفكما. أدّيا المال وربحه.

فأما عبد الله فسكت. وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي ذلك، يا أمير المؤمنين! هذا. لو نقص هذا المال أو هلك لضمنّاه. فقال عمر: أدّياه. فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين! لو جعلته قراضا! فقال عمر: قد جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه. وأخذ عبد الله وعبيد الله، ابنا عمر بن الخطاب، نصف ربح المال.

ص: 335

وإنما قال ذلك لأن المضاربة كانت معروفة بينهم. والعهد بالرسول قريب. لم يحدث بعده. فعلم أنها كانت معروفة بينهم على عهد الرسول. كما كانت الفلاحة وغيرها من الصناعات كالخياطة والخرازة. وعلى هذا فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص. لكن كان النص عند غيرهم. وابن جرير وطائفة يقولون: لا ينعقد الإجماع إلا من نص نقلوه عن الرسول. مع قولهم بصحة القياس. ونحن لا نشترط أن يكونوا كلهم علموا النص فنقلوه بالمعنى، كما نقل الأخبار، ولكن استقرينا موارد الإجماع فوجدنا كلها منصوصة. وكثر من العلماء لم يعلم النص وقد وافق الجماعة. كما أنه قد يحتج بقياس، وفيها إجماع لم يعلمه فيوافق الإجماع. كما يكون في المسألة نص خاص وقد استدل فيها بعموم. كاستدلال ابن مسعود وغيره بقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4] . وقال ابن مسعود «1» : سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى. أي: بعد البقرة. وقوله: أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، يقتضي انحصار الأجل في ذلك. فلو أوجب عليها أن تعتد بأبعد الأجلين لم يكن أجلها أن تضع حملها. وعليّ وابن عباس وغيرهما أدخلوها في عموم الآيتين. وجاء النص الخاص في قصة «2» سبيعة الأسلمية بما يوافق قول ابن مسعود. وكذلك. لما تنازعوا في المفوضة إذا مات زوجها هل لها مهر المثل، أفتى

(1) أخرجه البخاريّ في: التفسير، 65- سورة الطلاق، 2- باب وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً، وَأُولاتُ الْأَحْمالِ، حديث 2061 ونصه:

عن أيوب عن محمد قال: كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى. وكان أصحابه يعظمونه. فذكر آخر الأجلين. فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث، عن عبد الله بن عتبة. قال فضمّز لي بعض أصحابه. قال محمد: ففطنت له. فقلت: إني إذا لجريء إن كذبت على عبد الله ابن عتبة، وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكن عمّه لم يقل ذلك. فلقيت أبا عطية مالك بن عمر. فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة. فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال:

كنا عند عبد الله فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.

(2)

أخرجها البخاريّ في: التفسير، 65- سورة الطلاق، 2- باب وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً، وَأُولاتُ الْأَحْمالِ، حديث 2061.

عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس؟ وأبو هريرة جالس عنده. فقال:

أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة. فقال ابن عباس: آخر الأجلين. قلت أنا: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (يعني: أبا سلمة) فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها.

فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى. فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت.

فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو السنابل فيمن خطبها

.

ص: 336

ابن مسعود فيها برأيه أن لها مهر المثل. ثم رووا حديث بروع بنت واشق بما يوافق ذلك. وقد خالفه عليّ وزيد وغيرهما. فقالوا: لا مهر لها. فثبت أن بعض المجتهدين قد يفتي بعموم أو قياس، ويكون في الحادثة نص خاص لم يعلمه فيوافقه. ولا يعلم مسألة واحدة اتفقوا على أنه لا نص فيها. بل عامة ما تنازعوا فيه كان بعضهم يحتج فيه بالنصوص وأولئك يحتجون بنص. كالمتوفى عنها الحامل. هؤلاء احتجوا بشمول الآيتين لها. والآخرون قالوا: إنما تدخل في آية الحمل فقط، وإن آية الشهور في غير الحامل. كما أن آية القروء في غير الحامل. وكذلك لما تنازعوا في الحرام احتج من جعله يمينا بقوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: 1- 2] .

وكذلك تنازعوا في المبتوتة هل لها نفقة أو سكنى. احتج هؤلاء بحديث فاطمة «1» وبأن السكنى التي في القرآن للرجعية. وأولئك قالوا: بل هي لهما.

ودلالات النصوص قد تكون خفية. فخص الله بفهمها بعض الناس. كما

قال عليّ «2» : إلّا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه

. وقد يكون النص بيّنا ويذهل المجتهد عنه، كتيمم الجنب. فإنه بيّن في القرآن في آيتين. ولما «3» احتج أبو موسى على ابن

(1)

أخرجها مسلم في: الطلاق، حديث 36 وهذا نصها: عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة. وهو غائب. فأرسل إليها وكيله بشعير. فسخطته. فقال: والله! ما لك علينا من شيء.

فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له. فقال «ليس لك عليه نفقة» فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى. تضعين ثيابك. فإذا حللت فآذنينى. قالت: فلما حللت ذكرت له، أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما معاوية فصعلوك لا مال له.

انكحي أسامة بن زيد» . فكرهته. ثم قال «انكحي أسامة» فنكحته فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت.

(2)

أخرجه البخاريّ في: العلم، 39- باب كتابة العلم، حديث 95 ونصه: عن أبي جحيفة قال: قلت لعليّ: هل عندكم كتاب؟ قال: لا. إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر

. (3)

أخرجه البخاريّ في: التيمم، 7- باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش، تيمم، حديث 233 ونصه: عن شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى.

فقال له أبو موسى: أرأيت، يا أبا عبد الرحمن! إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء. قال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار، حين قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم «كان يكفيك» ؟ قال: ألم تر عمر يقنع بذلك؟ فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار. كيف تصنع بهذه الآية؟

فما دري عبد الله ما يقول.

فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا، لأوشك، إذا برد على أحدهم الماء، أو يدعه ويتيمم

(قال الأعمش) : فقلت: لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم.

[.....]

ص: 337

مسعود بذلك قال الحاضر: ما درى عبد الله ما يقول، إلا أنه قال: لو أرخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا وجد البرد أن يتيمّم. وقد قال ابن عباس وفاطمة بنت قيس وجابر: إن المطلقة في القرآن هي الرجعية بدليل قوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [الطلاق: 1] وأي أمر يحدثه بعد الثلاثة؟ وقد احتج طائفة على وجوب العمرة بقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] . واحتج بهذه الآية من منع الفسخ. وآخرون يقولون: إنما أمر بالإتمام فقط. وكذلك أمر الشارع أن يتم. وكذلك في الفسخ قالوا: من فسخ العمرة إلى غير حج فلم يتمها. أما إذا فسخها ليحج من عامه فهذا قد أتى بما تم مما شرع فيه فإنه شرع صلى الله عليه وسلم أصحابه عام حجة الوداع. وتنازعوا في الذي بيده عقدة النكاح وفي قوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النساء: 43] . ونحو ذلك مما ليس هذا موضع استقصائه. وأما مسألة مجردة اتفقوا على أنه لا يستدل فيها بنص جلي ولا خفيّ، فهذا ما أعرفه. والجدّ، لما قال أكثرهم: إنه أب، واستدلوا على ذلك بالقرآن بقوله: كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27]، وقال ابن عباس: لو كانت الجن تظن أن الإنس تسمى أبا الأب جدّا لما قالت: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا [الجن: 3] . نقول: إنما هو أب، لكن أب أبعد من أب. وقد روي عن عليّ وزيد أنهما احتجا بقياس، فمن ادعى إجماعهم على ترك العمل بالرأي والقياس مطلقا فقد غلط. ومن ادعى أن من المسائل ما لم يتكلم أحد منهم إلا بالرأي والقياس فقد غلط. بل كان كل منهم يتكلم بحسب ما عنده من العلم. فمن رأى دلالة الكتاب ذكرها. ومن رأى دلالة الميزان ذكرها.

والدلائل الصحيحة لا تتناقض. لكن قد يخفى وجه اتفاقهما أو ضعف أحدهما على بعض العلماء. وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين. كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين. فإنهم شهدوا التنزيل وعاينوا الرسول. وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما يستدلون به على مرادهم، ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع أو قياس. ومن قال من المتأخرين: إن الإجماع مستند معظم الشريعة، فقد أخبر عن حاله. فإنه لنقص معرفته بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك.

وهذا كقولهم: إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس لعدم دلالة النصوص عليها.

فإنما هذا من قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتهما على الأحكام وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه: إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها. فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام، حدثت جميع أجناس الأعمال.

ص: 338

فتكلموا فيها بالكتاب والسنة. وإنما تكلم بعضهم بالرأي في مسائل قليلة.

والإجماع لم يكن يحتج به عامتهم ولا يحتاجون إليه. إذ هم أهل الإجماع، فلا إجماع قبلهم. لكن لما جاء التابعون كتب عمر إلى شريح: اقض بما في كتاب الله.

فإن لم تجد، فبما في سنة رسول الله. فإن لم تجد، فبما قضى به الصالحون قبلك.

وفي رواية: فبما أجمع عليه الناس. فقدم عمر الكتاب ثم السنة: وكذلك ابن مسعود قال مثل ما قال عمر. قدّم الكتاب ثم السنة، ثم الإجماع. وكذلك ابن عباس كان يفتي بما في الكتاب ثم بما في السنة ثم بسنة أبي بكر وعمر.

لقوله «1» : اقتدوا باللّذين من بعدي: أبي بكر وعمر.

وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس. وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء. وهذا هو الصواب. ولكن طائفة من المتأخرين قالوا: يبدأ المجتهد ينظر أولا في الإجماع. فإن وجده لم يلتفت إلى غيره. وإن وجد نصّا خالفه اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه. وقال بعضهم: الإجماع نسخه.

والصواب طريقة السلف. وذلك لأن الإجماع إذا خالفه نص فلا بد أن يكون مع الإجماع نص معروف به أن ذاك منسوخ. فأما أن يكون النص المحكم قد ضيعته الأمة، وحفظت النص المنسوخ، فهذا لا يوجد قط. وهو نسبة الأمة إلى حفظ ما نهيت عن اتباعه. وإضاعة ما أمرت باتباعه. وهي معصومة عن ذلك. ومعرفة الإجماع قد تتعذر كثيرا أو غالبا. فمن الذي يحيط بأقوال المجتهدين؟ بخلاف النصوص، فإن معرفتها ممكنة متيسرة. وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أوّلا. لأن السنة لا تنسخ الكتاب. فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة. بل إن كان فيه منسوخ، كان في القرآن ناسخه. فلا يقدم غير القرآن عليه. ثم إذا لم يجد ذلك طلبه في السنّة. ولا يكون في السنة شيء منسوخ إلا والسنة نسخته. لا ينسخ السنة إجماع ولا غيره. ولا تعارض السنة بإجماع. وأكثر ألفاظ الآثار. فإن لم يجد فالطالب قد لا يجد مطلوبه في السنة. مع أنها فيها. وكذلك في القرآن. فيجوز له إذا لم يجده في القرآن أن يطلبه في السنة. وإذا كان في السنة لم يكن ما فيه السنة معارضا لما في القرآن.

وكذلك الإجماع الصحيح لا يعارض كتابا ولا سنة. انتهى كلامه قدس الله روحه.

(1)

أخرجه الترمذيّ في: المناقب، 16- في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كليهما. ونصه:

عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي» وأشار إلى أبي بكر وعمر.

ص: 339