الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه:
ما ذكرناه عن ابن جبير من حمل الآية على المعنيين، أي: أن حرف الجر المقدّر مع (أن) هو (عن) و (في)، وأن كلا منهما مراد منها على سبيل البدل لصلاحيتها لهما بالاعتبارين المتقدمين. قال الخفاجيّ: مثله لا يعدّ لبسا بل إجمالا.
كما ذكره بعض المحققين. انتهى.
قلت: وهذا بناء على أن اللبس هو أن يدل اللفظ على غير المراد. والإجمال أن لا تتضح الدلالة. وبعبارة أخرى: إيراد الكلام على وجه يحتمل أمورا متعددة. وقد نظم بعضهم الفرق بينهما فقال:
والفرق بين اللّبس والإجمال
…
مما به يهتمّ في الأقوال
فاللفظ، إن أفهم غير القصد،
…
فاحكم على استعماله بالرد
لأنه اللّبس. وأما المجمل
…
فربما يفهمه من يعقل
وذاك أن لا تفهم المخالفا
…
ولا سواه بل تصير واقفا
وحكمه القبول في الموارد
…
فاحفظه نظما أعظم الفوائد
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ عطف (على يتامى النساء) . وما يتلى في حقهم: قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ
…
إلخ. وقد كانوا في الجاهلية لا يورثونهم كما لا يورثون النساء. وإنما يورثون الرجال القوّام. قال ابن عباس، في الآية: كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات. وذلك قوله لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ فنهى الله عن ذلك. وبيّن لكل ذي سهم سهمه.
فقال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ صغيرا أو كبيرا. وكذا قال سعيد بن جبير وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ بالجر، عطف على ما قبله. وما يتلى في حقهم: قوله تعالى وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النساء: 2] ونحو ذلك مما لا يكاد يحصر. قال سعيد بن جبير: المعنى: كما أنها إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها، كذلك إذا لم تكن ذات مال وجمال، فانكحها واستأثر بها. والخطاب للولاة، أو للأولياء والأوصياء.
تنبيه:
استنبط من الآية أحكام: الأول- جواز نكاح الصغيرة. لأن اليتيم: الصغير
الذي لم يبلغ.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يتم بعد احتلام. رواه أبو داود «1» .
وعن الأصم: أراد البوالغ قبل التزوج. وسماهن باليتم لقرب عهدهن باليتم. والأول أظهر. لأنه الحقيقة. قالوا: قد يطلق اليتيم على البالغة. وبدليل
قوله «2» صلى الله عليه وسلم: تستأمر اليتيمة في نفسها. فإن سكتت فهو إذنها. وإن أبت فلا جواز عليها. رواه أهل السنن
. والاستئمار لا يكون إلا من البالغة. وقد ورد قول الشاعر:
إن القبور تنكح الأيامى
…
النسوة الأرامل اليتامى
فسمى البالغات يتامى، لانفرادهن عن الأزواج. وكل شيء منفرد لا نظير له يقال له يتيم. كقولهم: درة يتيمة. وهذه المسألة فيها أقوال للعلماء: الأولى- جواز نكاح الصغيرة لجميع الأولياء. وهذا مذهب الهادوية ومالك وأبي حنيفة وصاحبيه.
الثاني- للناصر والشافعيّ: لا يجوز ذلك إلا للأب والجد. والثالث- لا يجوز ذلك إلا للأب فقط. وهذا قول الأوزاعيّ. ومرويّ عن القاسم. دليل الأولين، ما اقتضاه قوله تعالى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وهي نزلت في شأن اليتيمة ينكحها وليها ولا يقسط لها في المهر. فنهوا عن ذلك وأمروا أن يقسطوا في المهر بقوله في سورة النساء وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ واليتم الحقيقيّ مع الصغر. وغيره مجاز. وأدنى الأولياء الذي يجوز له النكاح، ابن العم.
فإذا صح فيه صح. وحجة القول الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: تستأمر اليتيمة. الحديث المتقدم.
والإذن لا يكون إلا بعد البلوغ.
وروى الإمام أحمد والدّارقطنيّ: أن قدامة بن مظعون زوّج ابنة أخيه، وكان وصيّها، ممن أبته. فرفع ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال: هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها
. كذا ذكره بعض مفسري الزيدية.
وتخريج الأحاديث من زيادتي. وما نقله من أن الإذن لا يكون إلا بعد البلوغ يحتاج إلى دليل. إذ لا يدل عليه الخبر بمنطوقه ولا مفهومه.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وفي حديث: لا تنكح الأيّم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن: ظاهر الحديث اشتراط رضاء المزوجة. بكرا كانت أو ثيبا. صغيرة أو كبيرة. انتهى.
(1)
أخرجه في: الوصايا، 9- باب ما جاء متى ينقطع اليتم، حديث 2873 ونصه: عن عليّ بن أبي طالب قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل»
. [.....](2)
أخرجه أبو داود في: النكاح، 23- باب في الاستئمار، حديث 2093 ونصه: عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تستأمر اليتيمة في نفسها. فإن سكتت فهو إذنها. وإن أبت فلا جواز عليها»
.
قال الترمذيّ «1» في (جامعه) : قال بعضهم: لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ.
وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت اليتيمة سبع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز.
ولا خيار لها إذا أدركت. واحتجا بحديث عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين. وقد قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. انتهى.
الحكم الثاني- أنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد في النكاح. لقوله وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وقد روى ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد، أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه قد خطبني غير واحد. فزوجني أيّهم رأيت. قال: وتجعلين ذلك إليّ؟ فقالت: نعم. قال: قد تزوجتك. قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه. وروى عبد الرزاق ووكيع والبيهقيّ أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة وهو وليّها. فأمر أبعد منه، فزوجه.
وروى عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: امرأة خطبها ابن عم لها، لا رجل لها غيره. قال: فلتشهد أن فلانا خطبها، وإني أشهدكم أني قد نكحته.
ولتأمر رجلا من عشيرتها.
أخرج هذه الآثار الثلاثة البخاري في (صحيحه) تعليقا في (باب إذا كان الوليّ هو الخاطب) أي: هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى وليّ آخر.
قال ابن المنير: ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معا، ليكل الأمر في ذلك إلى نظر المجتهد.
قال الحافظ ابن حجر: لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز. فإن الآثار التي فيها أسر الوليّ غيره أن يزوجه- ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه.
(1)
أخرجه الترمذيّ في: النكاح، 19- باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اليتيمة تستأمر في نفسها. فإن صمتت فهو إذنها. وإن أبت فلا جواز عليها»
يعني إذا أدركت فردّت جاز.
قال: وفي الباب عن أبي موسى وابن عمر وعائشة. (قال أبو عيسى) : حديث أبي هريرة حديث حسن. واختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة. فرأى بعض أهل العلم أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ. فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح أو فسخه. وهو قول بعض التابعين وغيرهم. وقال بعضهم: لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ، ولا يجوز الخيار في النكاح. وهو قول سفيان الثوريّ والشافعيّ وغيرهما من أهل العلم. وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز. ولا خيار لها إذا أدركت. واحتجا بحديث عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين. وقد قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.