الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أئمة السير أنه لما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر وهو سيد قيس. وكان الأقرع بن حابس يردّ عن محلّم وهو سيد خندف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر: هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ فقال عيينة بن بدر: والله! لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي. فلم يزل به حتى رضي بالدية.
قال ابن إسحاق: حدثني سالم بن النضر قال: لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم. فقال: يا معشر قيس! سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه. أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيغضب عليكم الله لغضبه؟ أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته؟ والله! لتسلمنّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل ما صلى قط. فلأبطلن دمه. فلما قال ذلك أخذوا الدية.
وأخرج ابن مندة عن جزء بن الحدرجان قال: وفد أخي، قداد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن. فلقيته سرية النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: أنا مؤمن. فلم يقبلوا منه وقتلوه. فبلغني ذلك. فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ
…
الآية.
فأعطاني النبيّ صلى الله عليه وسلم دية أخي.
قال القفال: ولا منافاة بين هذه الروايات. فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها.
فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته. انتهى.
وتقدم لنا في مقدمة التفسير في سبب النزول ما يدفع التنافي في نحو هذا.
فارجع إليه.
تنبيه:
قال الرازيّ: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه، لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف. وفي (الإكليل) : استدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الاستسلام. وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده، على قراءة (السلام) وفي الآية وجوب التثبت في الأمور، خصوصا القتل ووجوب الدعوة قبل القتال. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : في الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحلّ دمه حتى يختبر أمره. لأن السلام تحية المسلمين. وكان
تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك. فكانت هذه علامة. وأما على قراءة (السلم) بفتحتين، أو بكسر فسكون، فالمراد به الانقياد. وهو علامة الإسلام. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة وجوب التثبت والتأني فيما يحتمل الحظر والإباحة. لقوله: فتبيّنوا (بالنون) وهذا قراءة الأكثر. وحمزة والكسائيّ قراءتهما: (فتثبتوا) من (الثبات) . ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار والأفعال من الأحكام وسائر الأعمال، فهذا حكم. والحكم الثاني أنه يجب الأخذ بالظاهر. فمن أظهر الإسلام أو شيئا من شعائر الإسلام، لا يكذّب بل يقبل منه. ويدخل، في هذا، الملحد والمنافق. وهذا هو مذهبنا والأكثر. ويدخل في هذا قبول توبة المرتدّ، خلافا لأحمد. وقبول توبة الزنديق. وهذا قول عامة الأئمة.
وقال مالك: لا تقبل، لأن هذا عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.
قال الراضي بالله والإمام يحيى: إن أظهروا ما يعتادون إخفاءه قبلت توبتهم.
وإلا فلا. قال علي خليل: تقبل توبتهم، ولو عرفنا من باطنهم خلاف ما أظهروا. كما قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم من المنافقين، وقد أخبر الله تعالى بكفرهم.
وقال أبو مضر: تقبل ما لم يعرف كذبهم. وهذا الخلاف في الظاهر. وأما عند الله، إذا صدق، فهي مقبولة وفاقا. قال الحاكم: وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى المال لا يجوز. وقد ذكر العلماء صورا في التوصل إلى المباح بالمحظور، مختلفة. ذكرت في غير هذا الموضع. والحجة هنا من قوله تعالى تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا. لأن الذي قصد هنا أخذه، محظور. لأن إظهار الإسلام يحقن النفس والمال. فذلك توصل بمحظور إلى محظور. وقوله تعالى: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. قرئ (السلم) وهذه قراءة نافع وحمزة وابن عامر بغير ألف وهو الاستسلام. وقيل: إظهار الإسلام. وقرأ الباقون: (السلام) بألف وهو التحية. انتهى.
وقال أبو منصور في (التأويلات) : فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة، والنهي عن الإقدام عندها. وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر. لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله: فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. وقال في الخبر: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] . أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36] . وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة.
لأنه نهاهم أن يقولوا (لمن قال: إني مسلم) لست مؤمنا. وهم يقولون: صاحب