الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فتعلُّق القلب بغيره رجاءً وخوفًا وتوكلًا وعبودية ضررٌ محضٌ، لا منفعة فيه، وما يحصل بذلك من المنفعة فهو وحده الذي قدَّرها ويسَّرها، وأوصلها إليك.
الوجه العاشر: أن
غالب الخلق إنما يريدون قضاء حاجاتهم بك، وإن أضرَّ ذلك بدينك ودنياك
، فهم إنما غرضهم قضاء حوائجهم ولو بمضرّتك، والرب تعالى إنما يريدك لك، ويريد الإحسان إليك لك لا لمنفعته، ويريد دفع الضرر عنك، فكيف تُعلِّق أملَك ورجاءك وخوفك بغيره؟
وجِماع هذا أن تعلم «أن الخلق لو اجتمعوا كلهم على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا كلهم على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك»
(1)
. قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
خاتمة لهذا الباب
لما كان الإنسان بل وكلُّ حيٍّ متحرك بالإرادة لا ينفكُّ عن علم وإرادة وعمل بتلك الإرادة، وله مراد مطلوب، وطريق وسبب موصل إليه، معين عليه، وتارة يكون السبب منه، وتارة من خارج منفصل عنه، وتارة منه ومن الخارج، فصار الحي مجبولًا على أن يقصد شيئًا ويريده، ويستعين بشيء، ويعتمد عليه في حصول مراده.
(1)
جزء من حديث أخرجه الترمذي (2516)، وأحمد (1/ 293، 303) عن ابن عباس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد أفرد ابن رجب هذا الحديث بالشرح في «نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس» .
والمراد قسمان:
أحدهما: ما هو مراد لنفسه، والثاني: ما هو مراد لغيره.
والمستعان قسمان
(1)
:
أحدهما: ما هو مستعان بنفسه، والثاني: ما هو تبع له وآلةٌ.
فهذه أربعة أمور: مراد لنفسه، ومراد لغيره، ومستعان بنفسه، ومستعان بكونه آلةً وتبعًا للمستعان بنفسه.
فلا بد للقلب من مطلوب يطمئن إليه، وتنتهي إليه محبته، ولا بدّ له من شيء يتوصل به ويستعين به في حصول مطلوبه، والمستعان مدعوٌّ ومسؤول، والعبادة والاستعانة كثيرًا ما يتلازمان، فمن اعتمد القلب عليه في رزقه ونصره ونفعه خضع له، وذَلَّ له، وانقاد له، وأحبَّه من هذه الجهة وإن لم يحبَّه لذاته، لكن قد يغلب عليه حكم الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه.
وأما من أحبه القلب وأراده وقصده فقد لا يستعين به، ويستعين بغيره عليه، كمن أحب مالًا أو منصبًا أو امرأة، فإن علم أن محبوبه قادر على تحصيل غرضه استعان
(2)
به، فاجتمع له محبته والاستعانة
(3)
به.
فالأقسام أربعة: محبوب لنفسه وذاته مستعان بنفسه؛ فهذا أعلى الأقسام، وليس ذلك إلا لله وحده، وكلُّ ما سواه فإنما ينبغي أن يُحَبَّ تبعًا لمحبته، ويُستعان به لكونه آلةً وسببًا.
(1)
«أحدهما
…
قسمان» ساقطة من الأصل.
(2)
م: «استعاذ» .
(3)
م: «الاستعاذة» .
الثاني: محبوب لغيره ومستعان به أيضًا، كالمحبوب الذي هو قادر على تحصيل غرض مُحِبّه
(1)
.
الثالث: محبوب مستعان عليه بغيره.
الرابع: مستعان به غير محبوب في نفسه.
فإذا عُرِف ذلك تبين مَنْ أحق هذه الأقسام الأربعة بالعبودية والاستعانة، وأن محبة غيره واستعانته به إن لم تكن وسيلة إلى محبته واستعانته، وإلا كانت مضرَّةً على العبد، ومفسدتها أعظم من مصلحتها. والله المستعان، وعليه التُّكلان.
(1)
م: «محبته» وهو خطأ.