الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسمعت شيخنا يقول: إنما أرادت أني لا أفتح عليَّ هذا الباب، ولم تُرِدْ أنك وحدك البريء من ذلك دون سائر الصحابة.
و
مَقْتُ النفس في ذات الله من صفات الصدِّيقين
، ويدنو العبد به من الله سبحانه في لحظة واحدة أضعافَ أضعافِ ما يدنو بالعمل.
ذكر ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار، قال:«إن قومًا من بني إسرائيل كانوا في مسجد لهم في يوم عيد، فجاء شاب حتى قام على باب المسجد، فقال: ليس مثلي يدخل معكم، أنا صاحب كذا، أنا صاحب كذا؛ يزري على نفسه، فأوحى الله إلى نبيهم أنّ فلانًا صدِّيق»
(1)
.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن الحسن بن أَتَش، حدثنا منذر، عن وهب:«أن رجلًا سائحًا عبد الله عز وجل سبعين سنة، ثم خرج يومًا، فقلّل عمله، وشكا إلى الله منه، واعترف بذنبه، فأتاه آتٍ من الله فقال: إن مجلسك هذا أحب إليّ من عملك فيما مضى من عمرك»
(2)
.
(1)
هو في محاسبة النفس (31) عن إسماعيل بن إبراهيم عن عامر بن يساف عن مالك ابن دينار، ورواه من طريقه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص 44)، ورواه أحمد في الزهد (ص 100) عن غسان بن الربيع عن عامر به نحوه. وورد من كلام كعب الأحبار، فرواه ابن المبارك في الزهد (478)، وأبو داود في الزهد (10) عن عبد العزيز بن عبد الصمد، وأبو نعيم في الحلية (5/ 378)، والبيهقي في الشعب (5/ 431) من طريق جعفر بن سليمان، كلاهما عن مالك بن دينار عن معبد الجهني عن أبي العوام عن كعب الأحبار قولَه.
(2)
الزهد لأحمد (ص 53)، ورواه أبو داود في الزهد (15) عن محمد بن رافع النيسابوري عن محمد بن الحسن به.
قال أحمد: وحدثنا عبد الصمد، حدثنا أبو هلال، حدثنا قتادة، قال: قال عيسى ابن مريم: «سلوني، فإني ليِّن القلب، صغير عند نفسي»
(1)
.
وذكر أحمد أيضًا عن عبد الله بن رباح الأنصاري، قال:«كان داود ينظر أَغمص حلقةٍ في بني إسرائيل، فيجلس بين ظهرانيهم، ثم يقول: يا ربِّ! مسكين بين ظهراني مساكين»
(2)
.
وذُكر عن عمران بن مُسْلِم القصير، قال: قال موسى: «يا رب! أين أبغيك؟ قال: ابْغِني عند المنكسرة قلوبُهم؛ فإني أدنو منهم كل يوم باعًا، ولولا ذلك انهدموا»
(3)
.
وفى كتاب «الزهد» للإمام أحمد: «أن رجلًا من بني إسرائيل تعبَّد ستين سنة في طلب حاجة، فلم يظفر بها، فقال في نفسه: والله لو كان فيكَ خير لظفرتَ بحاجتك، فأُتي في منامه، فقيل له: أرأيت إزراءك على نفسِك تلك الساعة؟ فإنه خير من عبادتك تلك السنين»
(4)
.
(1)
الزهد لأحمد (ص 59)، ورواه أيضًا (ص 58) عن الحسن بن موسى عن أبي هلال به، ورواه ابن جرير في تفسيره (18/ 192) عن بشر عن يزيد، والثعلبي في الكشف والبيان (6/ 215) من طريق روح بن عبادة، كلاهما عن سعيد عن قتادة به.
(2)
لم أقف عليه من هذه الطريق، والذي في الزهد لأحمد (ص 73) عن يزيد بن هارون عن الجريري عن أبي السليل قال: كان داود النبي عليه السلام
…
وكذا ذكر إسناده ابن القيم في عدة الصابرين (ص 147).
(3)
رواه عبد الله في زوائد الزهد (ص 75)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 177) عن سيار عن جعفر عن عمران القصير به.
(4)
الزهد لأحمد (ص 97، 374 - 375)، ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (60)، والخرائطي في اعتلال القلوب (38)، كلّهم من طريق عبد الحميد صاحب الزيادي عن وهب بن منبه نحوه، ومن طريق ابن أبي الدنيا رواه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص 46)، ورواه البيهقي في الشعب (5/ 433) من طريق عبد الحميد صاحب الزيادي عن ابن أخت وهب بن منبه عن وهب.
ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله عليه. ومن لم يعرف حق الله عليه فإن عبادته لا تكاد تُجدي عليه، وهى قليلة المنفعة جدًّا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا جرير بن حازم، عن وهب، قال:«بلغني أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يدعو ويتضرع، فقال: يا رب! ارحمه فإني قد رحمته، فأوحى الله إليه: لو دعاني حتى ينقطع قواه ما استجبتُ له حتى ينظر في حقِّي عليه»
(1)
.
فمِن أنفع ما للقلب: النظر في حق الله على العبد؛ فإن ذلك يُورِثه مقتَ نفسِه، والإزراء عليها، ويُخلِّصه من العُجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه، واليأس
(2)
من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته؛ فإن من حقه أن يُطاع ولا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.
فمَن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه عَلِم عِلْمَ اليقين أنه غير مؤدٍّ له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أُحيل على عمله هلك.
فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسَهم من أنفسهم، وعلَّق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.
وإذا تأمَّلت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم
(1)
الزهد لأحمد (ص 88).
(2)
م: «التأسي» تحريف.
على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولًا، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا؟ وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك؛ فإنه يسيِّر القلب إلى الله، ويطرحه بين يديه ذليلًا خاضعًا، منكسرًا كَسْرًا فيه جَبْرُهُ، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه، وذليلًا ذلًّا فيه عِزُّه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل، فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم: حدثنا صالح المُرِّيُّ، عن أبي عمران
(1)
الجَوْني، عن أبي الجَلد: أن الله تعالى أوحى إلى موسى: «إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعًا مطمئنًّا، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يديّ فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذُمَّ [27 ب] نفسك فهي أولى بالذم، وناجِني حين تناجيني بقلب وَجِلٍ ولسان صادق»
(2)
.
(1)
ح: «ابن أبي عمران» .
(2)
الزهد لأحمد (ص 67)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 148)، ورواه أحمد أيضًا (ص 86 - 87) عن يزيد بن هارون عن صالح به، ورواه أبو نعيم في الحلية (6/ 55) من طريق أحمد عن يزيد وهاشم بن القاسم عن صالح به. ورواه الدينوري في المجالسة (2224) عن إبراهيم بن حبيب عن داود بن رشيد قال: بلغني عن أبي عمران الجوني أنه قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى
…
وذكره بنحوه، ومن طريق الدينوري رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 147).