الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحداها: حلاوة الإيمان ولذَّته
، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله؛ فإن من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه، والنفس مُولَعةٌ بحب النظر إلى الصور الجميلة، والعين رائد القلب، فيبعث رائده لينظر ما هناك، فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله؛ تحرك اشتياقًا إليه، وكثيرًا ما يَتعبُ ويُتْعِبُ
(1)
رسوله ورائده، كما قيل:
وَكُنْتَ مَتى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا
…
لِقَلبِكَ يَومًا أتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الَّذي لا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ
…
عَلَيْه وَلا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابرُ
(2)
فإذا كفَّ الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته؛ فإن النظر يُولِّد المحبة، فتبدأ علاقةً يتعلق بها القلب بالمنظور إليه، ثم تَقوى فتصير صَبَابةً، ينصبُّ إليه القلب بكُلِّيته، ثم تقوى فتصير غرامًا، يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه، ثم يقوى فيصير عِشقًا، وهو الحب المفرط، ثم يقوى فيصير شغفًا، وهو الحب الذي قد وصل إلى شَغاف القلب وداخله، ثم يقوى فيصير تَتَيُّمًا
(3)
، والتتيُّم: التعبد، ومنه: تَيّمه الحُبُّ إذا عَبّده، وتَيْمُ اللّهِ: عبد الله، فيصير القلب عبدًا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدًا له، وهذا كله جناية النظر، فحينئذٍ يقع القلب في الأسر، فيصير أسيرًا بعد أن كان ملِكًا، ومسجونًا بعد أن كان مُطْلقًا، يتظلم من الطرف ويشكوه، والطرف يقول: أنا
(1)
في جميع النسخ: «يبعث» ، والمثبت من ش.
(2)
البيتان بلا نسبة في حماسة أبي تمام (2/ 15)، وعيون الأخبار (4/ 22)، وروضة المحبين (ص 154، 328).
(3)
انظر: أسماء الحب ومراتبه في روضة المحبين (ص 25 وما بعدها).
رائدك ورسولك، وأنت بعثتني.
وهذا إنما تُبْلَى به القلوب الفارغة من حب الله والإخلاص له؛ فإن القلب لا بد له من التعلق بمحبوب، فمن لم يكن الله وحده محبوبه وإلهه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره، قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فامرأة العزيز لما كانت مشركة وقعت فيما وقعت فيه مع كونها ذات زوج، ويوسف عليه السلام لما كان مخلصًا لله نجا من ذلك، مع كونه شابًّا عَزَبًا غريبًا مملوكًا
(1)
.
الفائدة الثانية: في غض البصر نور القلب وصحة الفراسة.
قال أبو شجاع الكرماني
(2)
وقد ذكر سبحانه قصة قوم لوط وما ابتُلوا به، ثم قال بعد ذلك:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]، وهم المتفرِّسون الذين سلِموا من النظر المحرَّم والفاحشة، وقال تعالى عَقِيبَ أمره للمؤمنين بغضّ أبصارهم وحفظ
(1)
الأصل: «في صورة مملوك» . والمثبت من النسخ الأخرى.
(2)
كذا في النسخ، ووقع اسمه في المطبوع من مجموع الفتاوى (15/ 425): شجاع بن شاه. والصواب: شاه بن شجاع. وكلامه هذا رواه أبو نعيم في الحلية (10/ 237) عن أبي عبد الرحمن السلمي عن جدّه أبي عمرو بن نجيد عن أبي الفوارس شاه بن شجاع الكرماني. وانظر: الرسالة القشيرية (ص 428)، وصفة الصفوة (4/ 67)، ومجموع الفتاوى (15/ 396، 21/ 257).