المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إن شك في حصول نيته فهو نوع جنون - إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي انقسام القلوب إلى صحيحٍ وسقيمٍ ومَيّتٍ

- ‌الباب الثانيفي ذكر حقيقة مرض القلب

- ‌ حال القلوب عند ورود الحق المنزل

- ‌الباب الثالثفي انقسام أدوية أمراض القلب إلى قسمين: طبعية وشرعية

- ‌الباب الرابعفي أن حياة القلب وإشراقه مادةُ كل خير فيه وموتَه وظلمتَه مادةُ كل شر فيه

- ‌ضرب الله سبحانه المثلَين المائيَّ والناريَّ لوحيه ولعباده

- ‌الباب الخامسفي أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مُدركًا للحقِّ مريدًا له، مُؤْثِرًا له على غيره

- ‌الباب السادسأنه لا سعادة للقلب ولا لذةَ ولا نعيمَ ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغاية مطلوبه، وأحب إليه من كل ما سواه

- ‌ المقدور يكتنفه(1)أمران: الاستخارة قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه

- ‌ تعلُّق العبد بما سوى الله تعالى مَضَرة عليه

- ‌مُحِبُّ الدنيا لا ينفكُّ من ثلاث: هَمٍّ لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي

- ‌ غالب الخلق إنما يريدون قضاء حاجاتهم بك، وإن أضرَّ ذلك بدينك ودنياك

- ‌الباب السابعفي أن القرآن متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه

- ‌الباب الثامنفي زكاة القلب

- ‌إحداها: حلاوة الإيمان ولذَّته

- ‌ الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته

- ‌ زكاة القلب موقوفة على طهارته

- ‌الباب التاسعفي طهارة القلب من أدرانه ونجاساته

- ‌ خبث الملبس يُكسِبُ القلب هيئةً خبيثة

- ‌ العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفًا للحق عن مواضعه

- ‌ معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم طهِّرني من خطاياي بالماء والثلج والبَرَد»

- ‌ عشق الصور المحرّمة نوع تَعَبُّدٍ لها

- ‌لو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئًا

- ‌ النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

- ‌مَقْتُ النفس في ذات الله من صفات الصدِّيقين

- ‌ فوائد نظر العبد في حق الله عليه:

- ‌الباب الثاني عشرفي علاج مرض القلب بالشيطان

- ‌الباب الثالث عشرفي مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم

- ‌ تغيير الفطرة

- ‌ تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها

- ‌الميزان الذي يُعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه:

- ‌الفصل الأولفي النية في الطهارة والصلاة

- ‌ النية قصد فعل الشيء

- ‌إن شك في حصول نيّته فهو نوع جنون

- ‌الشرك وتحريم الحلال قرينان

- ‌ الأمور المبتدعة عند القبور مراتب:

- ‌ لا تجد أحدًا عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى

- ‌فصلالاسم الثاني والثالث: الزور، واللغو

- ‌فصلالاسم الرابع: الباطل

- ‌ حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

- ‌ حديث عائشة رضي الله عنها:

- ‌المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذه الأمة

- ‌المحرَّمات قسمان: مفاسد، وذرائع موصلة إليها

- ‌القربات نوعان: مصالح للعباد، وذرائع موصلة إليها

- ‌الأفعال الموجبة للتحريم لا يُعتبر لها العقل، فضلًا عن القصد

- ‌ الفعل المشروع لثبوت الحكم يشترط فيه وقوعه على الوجه المشروع

- ‌ الحيل نوعان: أقوال، وأفعال

الفصل: ‌إن شك في حصول نيته فهو نوع جنون

‌الفصل الأول

في النية في الطهارة والصلاة

النية: هي القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلُّها القلب، لا تعلُّق لها باللسان أصلًا، ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك.

وهذه العبارات التي أُحدِثتْ عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركًا لأهل الوسواس، يحبسهم عندها، ويعذّبهم فيها، ويوقعهم في طلب تصحيحها؛ فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها، وليست من الصلاة في شيء، وإنما‌

‌ النية قصد فعل الشيء

، فكل عازم على فعل فهو ناويه، لا يُتصور انفكاك ذلك عن النية؛ فإنه حقيقتها، فلا يمكن عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئًا من العبادات ولا غيرها بغير نية؛ فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة، لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل، ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيته لعجز عن ذلك، ولو كلَّفه الله تعالى الصلاة والوضوء بغير نية لكلَّفه ما لا يطيق، ولا يدخل تحت وسعه، وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله؟

و‌

‌إن شك في حصول نيّته فهو نوع جنون

، فإن عِلْمَ الإنسان بحال نفسه أمر يقيني، فكيف يشك فيه عاقل من نفسه؟ ومن قام ليصلي صلاة الظهر خلف الإمام فكيف يشك في ذلك؟ ولو دعاه داعٍ إلى شغل في تلك الحال لقال: إني [41 أ] مشتغل أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل في وقت خروجه

ص: 238

إلى الصلاة: أين تمضي؟ لقال: أريد أصلي صلاة الظهر مع الإمام، فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقينًا؟

بل أعجب من هذا كله: أن غيْرَه يعلم بنيته بقرائن الأحوال؛ فإنه إذا رأى إنسانًا جالسًا في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة، وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي، فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم، فإن رآه في الصف علم أنه يريد الائتمام.

قال

(1)

: فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال، فكيف يجهلها من نفسه مع اطّلاعه هو على باطنه؟ فقَبوله من الشيطان أنه ما نوى: تصديقٌ له في جحد العِيان، وإنكار الحقائق المعلومة يقينًا، ومخالفة للشرع، ورغبة عن السنة وعن طريق الصحابة.

ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها، والموجودة لا يمكن إيجادها؛ لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدومًا، فإن إيجاد الموجود محال، وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيءٌ، ولو وقف ألف عام.

قال

(2)

: ومن العجب أنه يتوسوس حالَ قيامه حتى يركع الإمام، فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعًا وأدركه، فمن لم يُحصِّل النيةَ في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يُحصِّلها في الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة؟

(1)

أي ابن قدامة (ص 58).

(2)

ابن قدامة (ص 59).

ص: 239

ثم ما يطلبه: إما أن يكون سهلًا أو عسيرًا، فإن كان سهلًا فكيف يُعسِّره؟ وإن كان عسيرًا فكيف تيسّر عند ركوع الإمام سواءً؟

وكيف خفي ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من أولهم إلى آخرهم، والتابعين ومن بعدهم؟ وكيف لم ينتبه له سوى من استحوذ عليه الشيطان؟ أفيظن بجهله أن الشيطان ناصح له؟ أما علم أنه لا يدعو إلى هدى، ولا يهدي إلى خير؟ وكيف يقول في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين الذين لم يفعلوا فعل هذا الموسوس؟ أهي ناقصة عنده مفضولة، أم هي التامة الفاضلة؟ فما دعاه إلى مخالفتهم والرغبة عن طريقهم؟

فإن قال: هذا مرض بُلِيتُ به، قلنا: نعم؛ سببه قبولك من الشيطان، ولم يَعْذِر اللهُ أحدًا بذلك.

ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أُخرجا من الجنة، ونودي عليهما بما سمعت؟ وهما أقرب إلى العذر؛ لأنهما لم يتقدم قبلهما من يَعتبرانِ به، وأنت فقد سمعت، وحذَّرك الله من فتنته، وبيَّن لك عداوته، وأوضح لك الطريق، فمالك عذر ولا حجة في ترك السنة، والقبول من الشيطان.

قلت: قال شيخنا: ومن هؤلاء من يأتي بِعَشْر بدع لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه واحدةً منها، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نويت أصلي صلاة الظهر فريضةَ الوقت، أداءً لله تعالى، إمامًا أو مأمومًا، أربعَ ركعات، مستقبل القبلة، ثم يُزعج أعضاءه، ويحني جبهته، ويقيم عروق عنقه

(1)

،

(1)

ت، ظ، ح:«عينيه» .

ص: 240

ويصرخ بالتكبير كأنه يكبِّر على العدو.

ولو مكث أحدهم عُمُرَ نوح يُفتِّش: هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدٌ من أصحابه شيئًا من ذلك لما ظفر به؛ إلا أن يجاهر بالكذب البحت! فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه، ولدلُّونا عليه فإن كان هذا هُدًى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

قال

(1)

: ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات: أت أت، التحيّ التحيّ، وفى السلام: أَسْ أَسْ، [41 ب] وقوله في التكبير: أكككبر

ونحو ذلك، فهذا؛ الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إمامًا فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التي هي من أكبر الطاعات أعظمَ إبعادًا له عن الله من الكبائر، وما لم يُبطل الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديِه، وما كان عليه أصحابه.

وربما رفع صوته بذلك؛ فآذى سامعيه، وأغرى الناسَ بذمِّه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس، ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه

(2)

، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالاقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك أفضل لما اختاره لنفسه، وأساء الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفي وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان حتى يشتدَّ طمعُه فيه، وتعريضُه نفسه للتشديد عليه بالقَدَر عقوبةً له، وإقامته

(1)

ابن قدامة في كتابه (ص 63).

(2)

بعدها إلى بداية الفصل الآتي زيادة من المؤلف على كلام ابن قدامة.

ص: 241

على الجهل، ورضاه بالخبَل في العقل، كما قال أبو حامد الغزالي وغيره: الوسوسة سببها إما جهل بالشرع، وإما خَبَلٌ في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب.

فهذه نحو خمسَ

(1)

عشرةَ مفسدةً في الوسواس، ومفاسده أضعاف ذلك بكثير.

وقد روى مسلم في «صحيحه»

(2)

من حديث عثمان بن أبى العاص، قال: قلت: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، يَلْبِسُهَا عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذاك شيطان يقال له خِنْزَب، فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفُل عن يسارك ثلاثًا» ، ففعلتُ ذلك، فأذهبه الله عني.

فأهل الوسواس قُرّةُ عين خِنزب وأصحابه، نعوذ بالله منه.

فصل

ومن ذلك: الإسراف في ماء الوضوء والغُسل.

وقد روى أحمد في «مسنده»

(3)

من حديث عبد الله بن عمرو: أن

(1)

في أكثر النسخ: «خمسة» .

(2)

رقم (2203).

(3)

مسند أحمد (2/ 221) من طريق عبد الله بن لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو، وبهذا الإسناد رواه ابن ماجه (425)، والبيهقي في الشعب (3/ 30)، وليس عند أحد منهم لفظة:«لا تسرف» ، وإنما قال:«ما هذا السرف يا سعد؟» ، وضعفه النووي في الخلاصة (212)، ومغلطاي في الإعلام (1/ 304)، والبوصيري في المصباح (1/ 62)، وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 387)، وقال في الفتح (1/ 234):«إسناده لين» ، وكذا قال العيني في العمدة (2/ 243)، وحسّن إسناده علي القاري في المرقاة (2/ 122)، والألباني في السلسلة الصحيحة (3292). وفي الباب عن ابن عمر وأبي سلام وعن الزهري مرسلًا.

ص: 242

رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بسعدٍ وهو يتوضأ، فقال:«لا تُسرِفْ» ، فقال: يا رسول الله! أفي الماء إسراف؟ قال: «نعم؛ وإن كنت على نهر جارٍ» .

وفى «جامع الترمذي»

(1)

من حديث أُبيّ بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

سنن الترمذي (57) عن خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتيّ السعدي عن أبيّ، ورواه أيضا الطيالسي (547)، وابن ماجه (421)، وعبد الله في زوائد المسند (5/ 136)، وابن عدي في الكامل (3/ 54)، والحاكم (578)، وغيرهم، قال أبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 53، 60): «رفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر» ، وقال أبو حاتم:«كذا رواه خارجة وأخطأ فيه» ، وقال الترمذي:«حديث غريب، وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث؛ لأنا لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قولَه، ولا يصحّ في هذا الباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك» ، وقال الحاكم:«ينفرد به خارجة، وأنا أذكره محتسبًا؛ لما أشاهده من كثرة وسواس الناس في صبّ الماء» ، أما ابن خزيمة فصحّحه (122)، قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 600):«هو عجيبٌ منه، فكلّهم ضعّف خارجة» ، وضعّف الحديثَ البيهقي في الكبرى (1/ 197)، والبغوي في شرح السنة (2/ 53)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (567، 572)، والنووي في الخلاصة (211)، وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 387)، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 72). لكن رواه غير خارجة مسندًا، فرواه الخطيب في الموضح (2/ 426) من طريق داود بن إبراهيم عن عباد ابن العوام عن سفيان بن حسين، والهيثم بن كليب في مسنده ـ كما في الإعلام لمغلطاي (1/ 297) ـ عن ابن أبي خيثمة عن موسى بن إسماعيل عن محمد بن دينار، كلاهما عن يونس بن عبيد به مرفوعًا، وصحح مغلطاي إسناده. وفي الباب عن عمران بن حصين وابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 243

«للوضوء شيطانٌ يقال له الوَلَهان؛ فاتقوا وسواس الماء» .

وفى «المسند» و «السنن»

(1)

من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثًا ثلاثًا، وقال:«هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم» .

وفى كتاب «الشافي» لأبى بكر عبد العزيز، من حديث أم سعد، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجزِئ من الوضوء مُدّ، والغسل صاع، وسيأتي قوم يستقلُّون ذلك، فأولئك خلاف أهل سنتي، والآخذ بسنتي في حظيرة القُدُس مُتنزَّه أهل الجنة»

(2)

.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

هو في مسند الفردوس (7235)، ورواه ابن منده ـ كما في الإصابة (8/ 216) ـ والسمعاني في أثناء الجزء الثاني من كتابه الانتصار لأصحاب الحديث ـ كما في البدر المنير (2/ 598) ـ من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن أم سعد، قال ابن الملقن:«هذا الحديث غريب، لا أعلم من خرّجه من أصحاب الكتب المعتمدة ولا غيرها، وعنبسة هذا متَّهم متروك، ومحمّد قال البخاري: لا يكتب حديثه» ، وقال العراقي في طرح التثريب (2/ 85):«لا أصل له» ، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 386):«فيه عنبسة وهو متروك» ، وذكره السيوطي في الزيادات على الموضوعات، والفتني في تذكرة الموضوعات (ص 32)، قال ابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 72):«في إدخال هذا في الموضوعات نظر؛ وعنبسة على ضعفه واتهامه روى له الترمذي وابن ماجه، ورأيت البيهقي وغيره من الحفاظ يقتصرون على وصف حديثه بالضعف» ، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 13):«ولا يخفاك أنه لا تلازم بين مجرّد الجرح والوضع، وإن كان في لفظه ما يخالف الكلامَ النبويّ عند من له ممارسة» .

ص: 244

وفي «سنن الأثرم» من حديث سالم بن أبي الجَعْد، عن جابر بن عبد الله قال:«يُجزِئ من الوضوء المُدُّ، ومن الغسل من الجنابة الصاعُ، فقال رجل: ما يكفيني! فغضب جابر حتى ترَبّد وجهه، ثم قال: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرًا»

(1)

.

وقد رواه الإمام أحمد في «مسنده»

(2)

مرفوعًا، ولفظه: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجزِئ من الغسل الصاعُ، ومن الوضوء المدُّ» .

(1)

أشار ابن رجب في الفتح (1/ 251) إلى هذه الرواية فقال: «رُوي أوّله موقوفًا من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر» ، ولم أقف عليها، وعزاه المجد في المنتقى (1/ 316 ـ نيل الأوطار ـ) وابن تيمية في شرح العمدة (1/ 398) وغيرهما للأثرم مرفوعًا، وورد أوّله موقوفًا أيضًا عند البخاري (249) من طريق أبي جعفر محمد بن عليّ أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم، فسألوه عن الغسل، فقال: يكفيك صاع، فقال رجلٌ: ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرًا وخيرٌ منك.

(2)

مسند أحمد (3/ 370) من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر، ورواه أيضًا أبو عبيد في الطهور (104)، وابن أبي شيبة (1/ 66)، وعبد بن حميد (1114)، وأبو داود (93)، وابن السكن كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 270)، والبيهقي في الكبرى (1/ 195)، ولفظ أبي داود:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضّأ بالمد» ، وصححه ابن خزيمة (117)، والحاكم (575) وقال:«لم يخرجاه بهذا اللفظ» ، وحسنه ابن القطان وقال:«هذا إسناد صحيح على مذهب أبي محمد» ، وقال ابن رجب في فتح الباري (1/ 251):«ففي رواية سالم رفعُ أوّلِ الحديث، مع أنّه روِي أولُه موقوفًا أيضًا من حديثه، كما في رواية أبي جعفر، ولعلّ وقف أوّلِه أشبه، وأمّا آخره فمرفوع» ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 644، 5/ 575). وفي الباب عن أنس بن مالك وابن عمر وابن عباس وعقيل بن أبي طالب وعائشة وأم سعد رضي الله عنهم.

ص: 245

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن عائشة: «أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد؛ يسع ثلاثة أمداد، أو قريبًا من ذلك» .

وفي «سنن النسائي»

(2)

[42 أ] عن عُبيد بن عُمير: أن عائشة قالت: لقد رأيتُني أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا، فإذا تَوْرٌ موضوع مثل الصاع أو دونه؛ نَشرع فيه جميعًا، فأُفيض بيدي على رأسي ثلاث مرات، وما أنقض لي شعرًا.

وفي «سنن أبى داود» و «النسائي»

(3)

عن عَبّاد بن تميم، عن أم عُمارة

(1)

برقم (321).

(2)

سنن النسائي (416) من طريق إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير به، وهو عند مسلم (331) من طريق أيوب عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشةَ أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضنَ رؤوسهن، فقالت:«يا عجبا لابن عمرو هذا! يأمر النساءَ إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهنّ أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات» .

(3)

سنن أبي داود (94)، وسنن النسائي (74) من طريق غندر عن شعبة عن حبيب بن زيد عن عبّاد به، ورواه البيهقي (1/ 196) من طريق أبي داود، وحسن إسناده النووي في المجموع (2/ 190) وفي غيره، وابن الملقن في البدر المنير (2/ 602)، والعراقي في طرح التثريب (2/ 84)، والصنعاني في سبل السلام (1/ 49)، وصححه مغلطاي في الإعلام (1/ 25)، والألباني في الإرواء (142). وخولف غندر في إسناده، فرواه يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ ويحيى بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر وأبو داود الطيالسي عن شعبة عن حبيب عن عباد عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه، قال أبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 25):«الصحيح عندي حديث غندر» .

ص: 246

بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فأُتي بماء في إناء قَدْرَ ثُلُثي المد.

وقال عبد الرحمن بن عطاء: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن لي رِكوةً أو قدحًا ما يسع إلا نصف المد أو نحوه، أبول ثم أتوضأ منه، وأُفْضِل منه فضلًا»، قال عبد الرحمن: فذكرت ذلك لسليمان بن يَسار فقال: «وأنا يكفيني مثل ذلك» ، قال عبد الرحمن: فذكرت ذلك لأبى عبيدة بن محمد ابن عمّار بن ياسر، فقال: وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الأثرم في «سننه»

(1)

.

وقال إبراهيم النخعي: «كانوا أشدَّ استيفاءً للماءِ منكم، وكانوا يرون أن ربع المد يجزئ من الوضوء»

(2)

.

وهذا مبالغة عظيمة

(3)

؛ فإن ربع المد لا يبلغ أوقية ونصفًا بالدمشقي.

وفى «الصحيحين»

(4)

عن أنس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» .

وفى «صحيح مسلم»

(5)

عن سَفِينة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغسِّله

(1)

رواه أبو بكر الأثرم ـ كما في المغني (1/ 254) ـ عن القعنبي عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن عطاء، ومن طريق الأثرم رواه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 106)، ورواه أبو عبيد في الطهور (105) عن ابن أبي مريم عن سليمان بن بلال به.

(2)

عزاه ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 399) والمتقي الهندي في كنز العمال (9/ 473) لسعيد بن منصور، ووقع عندهما:«كانوا أشدَّ استبقاءً للماء» .

(3)

«عظيمة» ساقطة من م.

(4)

البخاري (201)، ومسلم (325).

(5)

برقم (3265).

ص: 247

الصاعُ من الجنابة، ويُوضّئه المد».

وقال إبراهيم النخعي: «إني لأتوضأ من كوز الحُبّ مرتين»

(1)

.

وتوضأ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق بقدر نصف المد، أو أزيد بقليل

(2)

.

وقال محمد بن عجلان: «الفقه في دين الله: إسباغ الوضوء، وقلة إهراق الماء»

(3)

.

وقال الإمام أحمد: «كان يقال: من قلة فقه الرجل وَلَعُهُ بالماء» .

وقال الميموني: «كنت أتوضأ بماء كثير، فقال لي أحمد: يا أبا الحسن، أترضى أن تكون كذا؟ فتركته» .

وقال عبد الله بن أحمد: «قلت لأبي: إني لأُكثر الوضوء، فنهاني عن ذلك، وقال: يا بُني، يقال: إن للوضوء شيطانًا يقال له الولَهان، قال لي ذلك في غير مرةٍ، ينهاني عن كثرة صبّ الماء، وقال لي: أقْلِلْ من هذا الماء يا بني!» .

(1)

رواه أبو عبيد في الطهور (109) وابن أبي شيبة (1/ 67) من طريق الأعمش، والعقيلي في الضعفاء (1/ 231) من طريق المغيرة، كلاهما عن إبراهيم النخعي به.

(2)

رواه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 107) من طريق الأثرم عن أبي حذيفة عن عكرمة ابن عمار قال: كنت مع القاسم بن محمد، فدعا بوضوء، فأتي بقدر نصف مدّ وزيادة قليل، فتوضأ به. وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 303).

(3)

رواه ابن منده في مسند إبراهيم بن أدهم (38) من طريق بقية عن إبراهيم بن أدهم عن ابن عجلان.

ص: 248

وقال إسحاق بن منصور: «قلت لأحمد: نزيد على ثلاث في الوضوء؟ فقال: لا والله، إلا رجلًا مُبْتَلًى» .

وقال أسود بن سالم ــ الرجلُ الصالح شيخ الإمام أحمد ــ: «كنت مبتلًى بالوضوء، فنزلتُ دِجْلَة أتوضأ، فسمعت هاتفًا يقول: يا أسود! يحيى، عن سعيد: «الوضوء ثلاث، ما كان أكثر لم يُرْفَع» ، فالتفتُّ فلم أر أحدًا»

(1)

.

وقد روى أبو داود في «سننه»

(2)

من حديث عبد الله بن المُغَفَّل، قال:

(1)

رواه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 36) ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم (10/ 252 ــ 253) عن أبي يوسف القاضي قال: كنّا عند أسود بن سالم، وقد كان يستعمل من الماء شيئًا كثيرا، ثم ترك ذاك، فجاء رجل فسأله عن ذلك، فقال: هيهات، ذهب ذاك، كنت ليلةً باردة قد قمتُ في السحر، فأنا أستعمل ما كنت أستعمِله، فإذا هاتف هتف بي فقال: يا أسود، ما هذا؟! يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا عن سعيد ابن المسيب:«إذا جاوز الوضوء ثلاثًا لم يرتفع إلى السماء» ، قال: قلت: أجنّيٌّ؟ ويحك، مَن تكون؟ قال: ما هو إلا ما تسمَع، فقلت: مَن أنتَ عافاك الله؟ قال: يحيى ابن سعيد الأنصاري قال: حدثنا عن سعيد بن المسيب: «إذا جاوز الوضوء ثلاثًا لم يرتفع إلى السماء» ، قال: قلت: لا أعود، لا أعود، فأنا اليوم يكفيني كفٌّ من ماء. وانظر: الوافي بالوفيات للصفدي (9/ 149).

(2)

سنن أبي داود (96)، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (6/ 53) ـ وعنه ابن ماجه (3864) ـ، وأحمد (4/ 87، 5/ 55)، والبيهقي في الكبرى (1/ 196)، وغيرهم من طرقٍ عن حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نعامة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه به، وليس في رواية ابن أبي شيبة ذكر الطهور، وفي إسناده اختلاف كثير، وصححه ابن حبان (6764)، والحاكم (579، 1979)، والنووي في المجموع (2/ 190)، ومغلطاي في الإعلام (ص 305)، وابن الملقن في البدر المنير (2/ 599)، وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 387)، والهيتمي في الفتاوى الفقهية (1/ 177)، وحسنه ابن كثير في تفسيره (3/ 429)، وابن حجر في الأمالي المطلقة (ص 17)، وهو في صحيح سنن أبي داود (86).

ص: 249

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُّهور والدعاء» .

فإذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، وعلمت أن الله يحب عبادته، أنتج لك من هذا أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله، وإن أسقطت الفرض عنه؛ فلا تُفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه يدخل من أيها شاء!

ومن مفاسد الوسواس: أنه يَشغلُ ذمته بالزائد على حاجته، إذا كان الماء مملوكًا لغيره كماء الحمَّام، فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته، ويتطاول عليه الدَّين، حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير جدًا، يتضرّر به في البرزخ ويوم القيامة.

فصل

ومن ذلك: الوسواس في انتقاض الطهارة؛ لا يُلتفتُ إليه.

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا، فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد؛ حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» .

[42 ب] وفي «الصحيحين»

(2)

عن عبد الله بن زيد، قال: شُكي إلى

(1)

برقم (362).

(2)

البخاري (137)، ومسلم (361).

ص: 250

رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجلُ يُخيَّلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجدَ ريحًا» .

وفي «المسند» ، و «سنن أبي داود»

(1)

عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الشيطان يأتي أحدَكم وهو في الصلاة، فيأخذ شعرة من دُبره، فيَمُدُّها، فيُرى أنه قد أحدث، فلا ينصرِفْ حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» .

ولفظ أبي داود

(2)

: «إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له: إنك قد أحدثت؛ فليقل له: كذبت؛ إلا ما وجد ريحًا بأنفه، أو سمع صوتًا بأذنه» .

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكذيب الشيطان فيما يحتمل صدقه فيه، فكيف إذا كان كذبه معلومًا متيقنًا، كقوله للموسوس: لم تفعل كذا، وقد فعله!

قال الشيخ أبو محمد

(3)

: ويستحب للإنسان أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال؛ ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللًا قال: هذا من الماء

(1)

مسند أحمد (3/ 96)، ورواه أيضا ابن أبي أسامة (84 ـ بغية الباحث ـ)، وأبو يعلى (1249)، وابن عدي في الكامل (5/ 199)، قال الهيثمي في المجمع (1/ 552):«فيه علي بن زيد، واختلف في الاحتجاج به» ، وحسن إسناده المناوي في التيسير (1/ 289)، وانظر: السلسلة الصحيحة (3026). وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن زيد وأنس والسائب بن خباب، وعن ابن مسعود موقوفًا.

(2)

سنن أبي داود (1029)، ورواه أيضًا عبد الرزاق (1/ 140، 2/ 304)، وأحمد (3/ 12، 37، 50، 51، 53، 54)، وأبو يعلى (1141)، وصححه ابن خزيمة (29)، وابن حبان (2666)، والحاكم (464 ـ 467، 1210)، وهو في ضعيف سنن أبي داود (188).

(3)

ابن قدامة في الكتاب المذكور (ص 80).

ص: 251

الذي نضحتُه؛ لما روى أبو داود

(1)

بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي ــ أو الحكم بن سفيان ــ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ وينتضح» .

وفي رواية

(2)

: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم نضح فرجه» ، وكان ابن عمر ينضح فرجه؛ حتى يَبُلَّ سراويله

(3)

.

(1)

سنن أبي داود (166)، ورواه أيضا عبد الرزاق (1/ 152)، وأحمد (3/ 410، 4/ 179، 212، 5/ 408، 409)، وابن المنذر في الأوسط (150)، والطبراني في الكبير (3/ 216، 7/ 67)، والبيهقي في الكبرى (1/ 161)، وغيرهم عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان، وصححه الحاكم (608)، لكن راويه مختلَفٌ في صحبته، وأُعلّ إسناده بالاضطراب الشديد، ومتنُه بتهافت لفظِه، بيّن ذلك كلَّه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 129 ـ 137)، وأَوصل المزي في تهذيب الكمال (7/ 95 ـ 96) أوجهَ الاختلاف فيه إلى عشرة أقوال، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 296):«اضطرابُه شديد محيِّر، لا يمكن ترجيح وجه منها على آخر» ، وقال ابن عبد الهادي في تعليقه على العلل (ص 31):«هذا الحديث وإن كثُر اضطرابه فله أصل في الجملة» ، فله ما يشهد له من حديث زيد بن حارثة وابن عباس رضي الله عنهما، وبهما صحّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود. وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأنس رضي الله عنهم.

(2)

سنن أبي داود (167)، ورواه أيضا أحمد (4/ 69، 5/ 380)، والحاكم (609)، والبيهقي في الكبرى (1/ 161)، وغيرهم عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه، وهو حديث مضطرب، تقدّم بيان ذلك في تخريج اللفظ الذي قبله.

(3)

رواه عبد الرزاق (1/ 153) عن الثوري وابن عيينة ـ فرَّقهما ـ عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى قال: «رأيت ابن عمر توضّأ ثم نضح حتى رأيتُ البلل من خلفه في ثيابه» لفظ الثّوري. ورواه ابن أبي شيبة (1/ 167) عن علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: «كان ابن عمر إذا توضّأ نضح فرجَه» .

ص: 252

وشكا إلى الإمام أحمد بعضُ أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء، فأمره أن ينضح فرجه إذا بال، قال: ولا تجعل ذلك من هِمَّتك، والْهُ عنه.

وسئل الحسن أو غيره عن مثل هذا، فقال:«الْهُ عنه» ؛ فأعاد عليه المسألة، فقال:«أتَسْتَدِرُّه لا أبا لك؟! الْهُ عنه»

(1)

.

فصل

ومن هذا: ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول؛ وهو عشرة أشياء: السَّلْت، والنَّتْر، والنحْنَحَة، والمشي، والقفز، والحَبْل، والتفقد، والوجور، والحشو، والعصابة، والدَّرَجة.

أما السلت فيسلُته من أصله إلي رأسه، على أنه قد روي في ذلك حديث غريب لا يثبت، ففي «المسند» و «سنن ابن ماجه»

(2)

عن عيسي بن يَزْداد،

(1)

رواه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 303 - 304) عن هشيم عن حميد الطويل عن الحسن. ونحوه عن غيره في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 167) والسنن الكبرى (1/ 162).

(2)

مسند أحمد (4/ 347)، سنن ابن ماجه (326)، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (1/ 149)، وأبو داود في المراسيل (4)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 381)، وابن عدي في الكامل (5/ 254)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1/ 113)، وغيرهم، ولفظه عندهم:«فلينتر ذكره» ، وهو عند بعضهم حكايةٌ لفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 392):«عيسى بن يزداد عن أبيه: مرسل، روى عنه زمعة، لا يصحّ» ، وقال أبو حاتم كما في علل ابنه (1/ 42):«عيسى بن يزداد ليس لأبيه صحبة، ومن الناس من يدخله في المسند على المجاز، وهو وأبوه مجهولان» ، ثم تتابع العلماء على تضعيف هذا الحديث وإعلاله بالإرسال، حتى قال النووي في المجموع (2/ 91):«اتفقوا على أنه ضعيف، وقال الأكثرون: هو مرسل، ولا صحبة ليزداذ» . وانظر: البدر المنير (2/ 344 - 345)، والسلسلة الضعيفة (1621).

ص: 253

عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بال أحدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات» .

وقال جابر بن زيد: «إذا بُلْتَ فامسح أسفل ذكرك؛ فإنه ينقطع» رواه سعيد عنه

(1)

.

قالوا: ولأنه بالسلت والنتر يُستخرج ما يُخشى عَوْدُه بعد الاستنجاء.

قالوا: وإن احتاج إلى مشي خطوات لذلك ففعل فقد أحسن. والنحنحة ليستخرج الفضلة، وكذلك القفز؛ يرتفع عن الأرض شيئًا، ثم يجلس بسرعة. والحبل يتخذ بعضهم حبلًا يتعلق به، حتى يكاد يرتفع، ثم ينخرط فيه حتى يقعد. والتفقد: يمسك الذكر ثم ينظر في المخرج: هل بقي فيه شيء أم لا؟ والوجور: يمسكه ثم يفتح الثقب، ويصب فيه الماء. والحشو يكون معه مِيل وقطن يحشوه به؛ كما يحشو الدُّمَّل بعد فتحها. والعصابة: يعصبه بخرقة. والدَّرَجةُ: يصعد في سُلَّم قليلًا، ثم ينزل بسرعة. والمشيُ: يمشي خطوات، ثم يعيد الاستجمار.

قال شيخنا: وذلك كله وسواس وبدعة. فراجعته في السلت والنتر؛ فلم يره، وقال: لم يصحَّ الحديث، قال: والبول كاللبن في الضَّرع، إن تركته قَرّ، وإن حلبته دَرّ.

قال: ومن اعتاد ذلك ابتُلي به

(2)

بما عوفي منه مَن لها عنه.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 149) عن ابن عيينة عن عمرو عنه، وذكره ابن المنذر في الأوسط (1/ 343 - 344)، وجعل قوله:«فإنه ينقطع عنك» من كلام ابن عيينة.

(2)

في بعض النسخ: «منه» .

ص: 254

قال: ولو كان هذا سنة؛ لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ وقد قال اليهودي لسلمان: «لقد علَّمكم نبيُّكم كل شيء حتى الخِرَاءة، فقال: أجل»

(1)

.

فأين علَّمنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ذلك أو شيئًا منه؟

بلى؛ علّم المستحاضة أن تتلجّم

(2)

، وعلى قياسها من به سَلَس [43 أ] البول؛ أن يتحفّظ، ويشدَّ عليه خِرقة.

فصل

(3)

ومن ذلك: أشياء سهَّل فيها المبعوثُ بالحنيفية السمحة؛ فشدّد فيها هؤلاء.

فمن ذلك: المشي حافيًا في الطرقات، ثم يصلي ولا يغسل رجليه، فقد روى أبو داود في «سننه»

(4)

: عن امرأة من بني عبد الأشهل، قالت: قلت: يا

(1)

أخرجه مسلم (262).

(2)

كما في حديث حمنة بنت جحش الذي أخرجه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (6/ 439).

(3)

من كتاب ابن قدامة (ص 83 وما بعدها).

(4)

سنن أبي داود (384)، ورواه أيضا عبد الرزاق (1/ 33)، وابن أبي شيبة (1/ 59)، وأحمد (6/ 435)، وابن ماجه (533)، والطبراني في الكبير (25/ 184)، والبيهقي في الكبرى (2/ 434)، وغيرهم، قال الخطابي في معالم السنن:«في إسناده مقال؛ لأنه عن امرأة من بني عبد الأشهل، والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث» ، وتعقبه المنذري في مختصر السنن (1/ 227) بقوله:«جهالة اسمِ الصحابي غير مؤثرة في صحة الحديث» ، وصححه ابن الجارود (143)، ومغلطاي في الإعلام (2/ 577)، وهو في صحيح سنن أبي داود (410). وفي الباب عن أم سلمة وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ص: 255

رسول الله! إن لنا طريقًا إلى المسجد مُنْتِنَة، فكيف نفعل إذا تطهَّرنا؟ قال:«أليس بعدها طريق أطيب منها؟» ، قالت: قلت: بلى، قال:«فهذه بهذه» .

وقال عبد الله بن مسعود: «كنا لا نتوضأ من مَوْطئ»

(1)

.

وعن علي رضي الله عنه: أنه خاض في طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى، ولم يغسل رجليه

(2)

.

وسئل ابن عباس عن الرجل يطأ العَذِرةَ، قال:«إن كانت يابسة فليس بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه»

(3)

.

(1)

رواه عبد الرزاق (1/ 32)، وابن أبي شيبة (1/ 59، 2/ 195)، وأبو داود (204)، وابن ماجه (1041)، وابن خزيمة (37)، وابن المنذر في الأوسط (737)، والطبراني في الكبير (10/ 200)، والبيهقي في الكبرى (1/ 139)، وغيرهم من طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود، واختلِف فيه على الأعمش، وصححه الحاكم (483 - 485، 610)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 633):«رجاله ثقات» ، وصححه الألباني في الإرواء (183). ورواه ابن عدي في الكامل (5/ 147) من طريق عمرو بن عبد الغفار الفقيمي عن الحسن بن عمرو عن أبي وائل به. ورواه عبد الرزاق (1/ 32) عن ابن جريج قال: أُخبِرت عن مسلم بن أبي عمران عن ابن مسعود به.

(2)

رواه وكيع ـ كما في المدونة (1/ 127) ـ وابن المنذر في الأوسط (738، 739) عن عيسى بن يونس عن محمد بن مجاشع التغلبي عن أبيه عن كهيل ـ زاد ابن المنذر: أو كميل ـ قال: «رأيت عليّا يخوض طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه» . ورواه ابن أبي شيبة (1/ 177) عن حفص بن غياث عن حجاج عن الحكم قال: «كان علي يخوض طين المطر ويدخل المسجد فيصلي ولا يتوضّأ» . وروى معناه البيهقي في الكبرى (2/ 434) من طريق معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 58) عن حفص بن غياث عن الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: سئل ابن عباس

وذكره بنحوه.

ص: 256

وقال حفص: «أقبلت مع عبد الله بن عمر عامدَينِ إلي المسجد، فلما انتهينا عدلتُ إلي المطهرة لأغسل قدمي من شيء أصابها، فقال عبد الله: لا تفعل؛ فإنك تطأ الموطأ الرديء، ثم تطأ بعده الموطئ الطيب ــ أو قال: النظيف ــ فيكون ذلك طهورًا، فدخلنا المسجد جميعًا فصلينا»

(1)

.

وقال أبو الشّعْثاء: «كان ابن عمر يمشي بمنًى في الفروث

(2)

والدماء اليابسة حافيًا، ثم يدخل المسجد فيصلي فيه، ولا يغسل قدميه»

(3)

.

وقال عمران بن حُدير: «كنت أمشي مع أبي مِجْلز إلي الجمعة، وفي الطريق عَذِراتٌ يابسة، فجعل يتخطاهن ويقول: ما هذه إلا سَوْدات، ثم جاء حافيًا إلي المسجد؛ فصلى ولم يغسل قدميه»

(4)

.

وقال عاصم الأحول: «أتينا أبا العالية، فدعونا بوضوء فقال: ما لكم؟ ألستم متوضئين؟ قلنا: بلى، ولكن هذه الأقذار التي مررنا بها، قال: هل وطئتم على شيء رطْبٍ تعلّق بأرجلكم؟ قلنا: لا. فقال: فكيف بأشد من هذه الأقذار؛ تجفّ فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم؟»

(5)

.

(1)

لم أقف عليه.

(2)

في م: «الروث» .

(3)

لم أقف على هذه الرواية، وروى عبد الرزاق (1/ 31) عن ابن التيمي عن أبيه عن بكر ابن عبد الله المزني قال:«رأيت ابن عمر بمنى يتوضأ ثم يخرج وهو حاف، فيطأ ما يطأ ثم يدخل المسجد فيصلي ولا يتوضأ» ، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن المنذر في الأوسط (741).

(4)

ذكره الخطابي في غريب الحديث (3/ 109) وقال: يرويه حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن عمران.

(5)

انظر نحوه في مصنف عبد الرزاق (1/ 29).

ص: 257

فصل

ومن ذلك: أن الخُفّ والحذاء إذا أصابت النجاسة أسفلَه أجزأ دَلْكُه بالأرض مطلقًا، وجازت الصلاة فيه بالسنة الثابتة.

نصَّ عليه أحمد، واختاره المحققون من أصحابه.

قال أبو البركات: ورواية إجزاء الدّلك مطلقًا هي الصحيحة عندي؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور»

(1)

، وفي لفظ:«إذا وطئ أحدكم الأذى بِخُفّيه فطهورهما التراب» رواهما أبو داود

(2)

.

(1)

سنن أبي داود (385) من طريق أبي المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: أنبئتُ أن سعيدًا المقبري حدّث عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه أيضًا الحاكم (591) والبيهقي في الكبرى (2/ 430) من طريق الوليد به، ورواه ابن المنذر في الأوسط (734) وابن حبان (1403) من طريق الوليد عن الأوزاعي عن سعيد المقبري به، من غير واسطة بينهما، ثم ترجم ابن حبان بما يفيد أن الأوزاعي سمع هذا الخبر من سعيد.

(2)

سنن أبي داود (386) من طريق محمد بن كثير عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه من هذه الطريق البزار (8435)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 257)، وابن حبان (1404)، والبيهقي في الكبرى (2/ 430)، وصححه ابن خزيمة (292)، والحاكم (590) .. ورواه الطحاوي في معاني الآثار (280) والبيهقي في المعرفة (1280) من طريق محمد بن كثير عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ورواه أبو داود (387) من طريق يحيى بن حمزة عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد عن سعيد المقبري عن القعقاع بن حكيم عن عائشة بمعناه، ورواه أبو يعلى (4869) من طريق عبد الله بن سمعان عن سعيد المقبري عن القعقاع عن عائشة، ورواه العقيلي في الضعفاء (2/ 256 - 257) والطبراني في الأوسط (2759) وابن عدي في الكامل (4/ 126) من طريق ابن سمعان عن المقبري عن القعقاع عن أبيه عن عائشة، ورواه غير المقبري عن القعقاع، وفي إسناد الحديث اختلاف كثير غير ما تقدّم انظره في علل الدارقطني (8/ 159 - 160، 14/ 337 - 338)، قال البزار:«هذا الحديث قد رواه غير الأوزاعي عن ابن عجلان عن المقبري عن رجل، فالحديث لا يثبت» ، وأعله البيهقي في الخلافيات (1/ 126 ـ المختصر ـ)، وقال في المعرفة (2/ 253):«كأنّ الشافعي رغب عن هذه الروايات في الجديد لما فيها من الاختلاف» ، وقال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 107):«هو حديث مضطرب الإسناد لا يثبت، اختُلف في إسناده على الأوزاعي وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافًا يُسقط الاحتجاجَ به» ، وضعفه ابن العربي في العارضة (1/ 204)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 126)، والنووي في المجموع (1/ 97، 2/ 599)، وابن حجر في التلخيص الحبير (435)، وقال ابن تيمية كما في المجموع (22/ 167):«تعدُّده مع عدَم التهمة وعدم الشذوذ يقتضي أنه حسن» .

ص: 258

وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال:«لِمَ خلعتم؟» ، قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا، فقال:«إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقْلِبْ نعليه، ثم لينظر؛ فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض، ثم لِيُصَلِّ فيهما» . رواه الإمام أحمد

(1)

.

(1)

مسند أحمد (3/ 20)، ورواه أيضًا الطيالسي (2154)، وابن أبي شيبة (2/ 181)، وعبد بن حميد (880)، والدارمي (1378)، وأبو داود (650)، وأبو يعلى (1194)، وغيرهم من طرق عن حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظ الطيالسي:«فإن رأى في نعليه أذًى فليخلعهما، وإلا فليصلِّ فيهما» ، ولفظ الدارمي:«فليمطه وليصلِّ فيهما» ، وفي إسناده اختلافٌ ذكر بعضَه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 242)، وصححه ابن خزيمة (786، 1017)، وابن حبان (2185)، والحاكم (955)، والنووي في المجموع (2/ 179، 3/ 132، 156)، وابن كثير في تحفة الطالب (23)، وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 388)، وتكلّم البيهقي في الكبرى (2/ 403) في رجاله بما لا يقدح في ثبوته، وهو مخرّج في الإرواء (284). وفي الباب عن عطاء عمّن حدثه، وعن الحسن وقتادة مرسلًا.

ص: 259

وتأويل ذلك على ما يُستقذر من مُخاطٍ أو نحوه من الطاهرات؛ لا يصح لوجوه:

أحدها: أن ذلك لا يسمي خبثًا.

الثاني: أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة؛ فإنه لا يبطلها.

الثالث: أنه لا يخلع النعل لذلك في الصلاة؛ فإنه عملٌ لغير حاجة، فأقل أحواله الكراهة.

الرابع: أن الدارقطني روى في «سننه»

(1)

في حديث الخلع من رواية ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل أتاني، فأخبرني أن فيهما دَمَ حَلَمة» . والحَلَمُ: كبار القُراد.

ولأنه محلٌّ يتكرر ملاقاته النجاسة غالبًا، فأجزأ مسحه بالجامد، كمحل الاستجمار، [43 ب] بل أولى؛ فإن محل الاستجمار يلاقي النجاسة في اليوم مرتين أو ثلاثًا.

(1)

سنن الدارقطني (1/ 399) من طريق صالح بن بيان عن فرات بن السائب عن ميمون ابن مهران عن ابن عباس، قال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 137):«هذا إسناد ضعيف؛ صالح بن بيان يروي المناكير عن الثقات، قال الدارقطني: متروك، وفرات ابن السائب متروك، قال البخاري: منكر الحديث تركوه» ، والحديث ضعَّفه ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 663).

ص: 260

فصل

وكذلك ذيل المرأة على الصحيح، وقالت امرأة لأم سلمة: إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُطهّره ما بعده» . رواه أحمد، وأبو داود

(1)

.

وقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تُرخِي ذيلها ذراعًا

(2)

، ومعلوم أنه

(1)

مسند أحمد (6/ 290)، سنن أبي داود (383)، ورواه أيضًا مالك (45)، وابن أبي شيبة (1/ 58)، والدارمي (742)، والترمذي (143)، وابن ماجه (531)، وأبو يعلى (6925، 6981)، وغيرهم من طريق محمد بن إبراهيم عن أم ولدٍ لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة الحديث، وصححه ابن الجارود (142)، قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 170):«في إسناده مقال؛ وذلك أنه عن امرأة مجهولة، أمّ ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف غير معروفة برواية الحديث» ، وقال الخطابي في معالم السنن:«لا يعرَف حالها في الثقة والعدالة» ، وتبعه المنذري في مختصر السنن (1/ 227)، والنووي في المجموع (1/ 96)، والذهبي في المهذّب (2/ 830)، وقال العقيلي في الضعفاء (2/ 257):«هذا إسناد صالح جيد» ، وصححه ابن العربي في العارضة (1/ 203)، وله شاهدان عن أبي هريرة وعن امرأة من بني عبد الأشهل بهما صحّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (409).

(2)

رواه مالك (1632)، وابن راهويه (1842) والدارمي (2644) وأبو داود (4117) والنسائي (5338) وأبو يعلى (6891، 6977) والطبراني في الكبير (23/ 416، 417) وغيرهم من طرق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة أنها قالت حين ذكر الإزارَ: فالمرأة يا رسول الله؟! قال: «ترخيه شبرًا» ، قالت أم سلمة: إذًا ينكشف عنها، قال:«فذراعًا، لا تزيد عليه» ، اللفظ لمالك، وصححه ابن حبان (5451)، وابن دقيق العيد في الاقتراح (ص 116). ورواه عبد الرزاق (11/ 82) وأحمد (2/ 24) والترمذي (1731) والنسائي (5336) والطبراني في الأوسط (8393) من طرق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه» ، قالت أم سلمة: فكيف بنا؟! قال: «شبرًا» ، قالت: إذًا تبدو أقدامنا، قال:«فذراع، لا تزدن عليه» ، قال الترمذي:«حديث حسن صحيح» ، وصححه ابن دقيق العيد في الإلمام (226)، والمناوي في الفيض (6/ 146)، وللحديث طرق أخرى، انظر: السلسلة الصحيحة (460، 1864). وفي الباب عن أنس وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم.

ص: 261

يصيب القذر ولم يأمرها بغسل ذلك، بل أفتاهن بأنه تُطهِّره الأرضُ.

فصل

ومما لا تَطيب به قلوبُ الموسوسين: الصلاة في النعال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعلًا منه وأمرًا.

فروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه. متفق عليه

(1)

.

وعن شدّاد بن أوْسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في خِفافهم ولا نعالهم» . رواه أبو داود

(2)

.

وقيل للإمام أحمد: أيصلي الرجل في نعليه؟ فقال: «إي والله» .

(1)

أخرجه البخاري (386)، ومسلم (555).

(2)

سنن أبي داود (652)، ورواه أيضًا البزار (3480)، والطبراني في الكبير (7/ 290)، والبيهقي في الكبرى (2/ 432)، كلهم من طريق يعلى بن شداد عن أبيه، وصححه ابن حبان (2186)، والحاكم (956)، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 24)، وحسن إسناده العراقي كما في فيض القدير (3/ 573)، وهو في صحيح سنن أبي داود (659). وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 262

وترى أهل الوسواس إذا بُلي أحدهم بصلاة الجنازة في نعليه، قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر، حتى لا يصلي فيهما.

وفي حديث أبي سعيد الخدرى: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر؛ فإن رأى على نعليه قذرًا فليمسحه، وليصلِّ فيهما»

(1)

.

فصل

ومن ذلك: أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حيث كان، وفي أيّ مكان اتفق، سوى ما نهى عنه من المقبرة والحمّام وأعطان الإبل، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا؛ فحيثما أدركتْ رجلًا من أمتي الصلاةُ فليصلِّ»

(2)

. وكان يصلي في مرابض الغنم؛ وأمر بذلك، ولم يشترط حائلًا.

قال ابن المنذر

(3)

: أجمع كل من يُحفَظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم؛ إلا الشافعي، فإنه قال: أكره ذلك؛ إلا إذا كان سليمًا من أبعارها.

وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل» . رواه الترمذي، وقال:«حديث صحيح»

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521) عن جابر.

(3)

الأوسط (2/ 187، 188).

(4)

ح: «حسن صحيح» ، وكذا في سنن الترمذي (348)، ورواه أيضا ابن أبي شيبة (1/ 338، 7/ 277)، وأحمد (2/ 451، 491، 509)، والدارمي (1391)، وابن ماجه (768)، وأبو عوانة (1194)، وغيرهم، وصححه ابن خزيمة (795، 796)، وابن حبان (1384، 1700، 1701، 2314، 2317)، والبغوي في شرح السنة (2/ 404)، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 333)، وقال ابن رجب في الفتح (2/ 419):«إسناده كلهم ثقات، إلا أنه اختلف على ابن سيرين في رفعه ووقفه» ، وصححه الألباني في الثمر المستطاب (ص 382). وفي الباب ـ عن غير من ذكرهم المصنف ـ عن سبرة بن معبد وابن عمر وأنس وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن عمرو وسليك الغطفاني ونوفل بن الحارث والمغيرة بن نوفل وعن شيخ من بني هاشم وعن رجل من قريش وعن رجل بالمدينة وعن الحسن وقتادة مرسلًا.

ص: 263

وروى الإمام أحمد

(1)

من حديث عُقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تُصلُّوا في أعطان الإبل أو مَبارِك الإبل» .

وفي «المسند»

(2)

أيضًا، من حديث عبد الله بن المغَفّل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل؛ فإنها خُلِقَتْ من الشياطين» .

(1)

مسند أحمد (4/ 150)، ورواه أيضا الطبراني في الكبير (17/ 340) والأوسط (6537، 8074)، وحسنه ابن رجب في الفتح (2/ 421)، والعيني في العمدة (3/ 157)، وقال الهيثمي في المجمع (2/ 142):«رجال أحمد ثقات» ، وحسنه الألباني في الثمر المستطاب (ص 383).

(2)

مسند أحمد (4/ 86، 5/ 55، 57)، ورواه أيضًا الطيالسي (913)، وعبد الرزاق (1/ 409)، وابن الجعد في مسنده (3180)، وابن أبي شيبة (1/ 337، 7/ 277)، وابن ماجه (769)، والبيهقي في الكبرى (2/ 449)، وغيرهم من طرق عن الحسن عن عبد الله بن مغفل، وصححه ابن حبان (1702)، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 333) وقال:«سماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح» ، وحسنه النووي في المجموع (3/ 160) وفي غيره، وقال مغلطاي في الإعلام (1/ 1281):«إسناده صحيح متصل» ، وصححه الألباني في الثمر المستطاب (ص 386).

ص: 264

وفي الباب عن جابر بن سَمُرة

(1)

، والبراء بن عازب

(2)

، وأُسيد بن حُضير

(3)

، وذي الغُرّة

(4)

، كلهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم:«صلُّوا في مرابض الغنم» ، وفي بعض ألفاظ

(5)

الحديث: «صلُّوا في مرابض الغنم؛ فإن فيها بَرَكة» .

وقال: «الأرض كلّها مسجد إلا المقبرة والحمّام» . رواه أهل «السنن»

(1)

رواه مسلم (360).

(2)

رواه الطيالسي (734، 735)، وعبد الرزاق (1/ 407)، وابن أبي شيبة (1/ 337، 338، 7/ 277)، وأحمد (4/ 288)، وأبو داود (184، 493)، وغيرهم، وصححه ابن راهويه كما في سنن الترمذي (1/ 122)، وأحمد كما في الكبرى للبيهقي (1/ 159)، وابن الجارود (26)، وابن حبان (1128)، وقال ابن خزيمة (32):«لم نر خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه» ، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 333)، وصححه ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 429)، وهو في صحيح سنن أبي داود (178).

(3)

رواه أحمد (4/ 352)، وابن أبي أسامة (98 ـ بغية الباحث ـ)، والطحاوي في معاني الآثار (2099)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 39)، والطبراني في الكبير (1/ 206) والأوسط (7407)، وضعفه البيهقي في الكبرى (1/ 159)، ومغلطاي في الإعلام (1/ 483)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 567):«فيه الحجاج بن أرطاة، وفي الاحتجاج به اختلاف» ، وقال البوصيري في المصباح (1/ 72):«هذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة وتدليسه، لا سيما وقد خالف غيره، والمحفوظ في هذا الحديث: الأعمش عن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، وقيل: عن ابن أبي ليلى عن ذي الغرة، وقيل غير ذلك» .

(4)

رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 67، 5/ 112)، والطبراني في الكبير (22/ 276)، وهو حديث معَلّ، ضعفه البيهقي في الكبرى (1/ 159).

(5)

م: «روايات» .

ص: 265

كلهم إلا النسائي

(1)

.

فأين هذا الهدي من فِعْل مَنْ لا يصلي إلا على سجادة، تُفرش فوق البساط فوق الحصير، ويوضع عليها المنديل، ولا يمشي على الحصير، ولا على البساط، بل يمشي عليها قفزًا

(2)

كالعصفور؟

(1)

سنن أبي داود (492)، سنن الترمذي (317)، سنن ابن ماجه (745)، ورواه أيضًا أحمد (3/ 83، 96)، والدارمي (1390)، وأبو يعلى (1350)، والبيهقي في الكبرى (2/ 434، 435)، وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأعلّه الترمذي بالاضطراب، ورجّح إرساله هو والدارقطني في العلل (11/ 320)، وصححه ابن خزيمة (791)، وابن حبان (1699، 2316، 2321)، والحاكم (919، 920)، وابن حزم في المحلى (4/ 26)، وضعّفه ابن عبد البر في التمهيد (5/ 221)، والنوويّ في الخلاصة (938)، وتعقبه ابن الملقن في البدر المنير (4/ 126) بأنّ هذا الاضطراب غير قادح، وأنّ من ضعّفه لم يطعن في رجاله، ونقل تصحيحه عن الرافعي وابن دقيق العيد وابن الجوزي، قال ابن المنذر في الأوسط (758):«لا يوهن الحديثَ تخلّفُ من تخلّفَ عن إيصاله» ، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 283):«ينبغي أن لا يضرَّه الاختلاف إذا كان الذي أسنده ثقة» ، وصححه ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 425) وقال في الاقتضاء (ص 232):«أسانيده جيدة، ومن تكلّم فيه فما استوفى طرقه» ، وقال ابن كثير في الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام (76، 80 - 81): «له طرق جيدة

حاصله أنه قد اختلف في وصله وإرساله، فوصله ثقات وأرسله آخرون، وعلى طريقة كثير من الفقهاء يجب الحكم به، وهو اختيار شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي بعد أن سألته عنه وعرضتُ عليه طرقه وعِلله، فصمّم عليَّ بصحّته، وأمّا طوائف من أهل الحديث فيحكمون بإرساله إلا أنه من أحسنها»، وهو في صحيح سنن أبي داود (507). وفي الباب عن ابن عمر وعلي رضي الله عنهما.

(2)

ت، ش:«نقرا» .

ص: 266

(1)

قول ابن مسعود هذا قاله لقوم كانوا يذكرون الله تعالى بطريقة محدثةٍ، وقد روى خبرَه معهم وإنكارَه عليهم غيرُ واحد بألفاظ متقاربة يَزيد بعضهم على بعض: فرواه عبد الرزاق (3/ 221) ـ ومن طريقه الطبراني في الكبير (9/ 125) ـ عن قيس بن أبي حازم عنه، صححه الهيثمي في المجمع (1/ 435). ورواه الدارمي (204) والطبراني (9/ 127) عن عمرو بن سلمة عنه، وهو في السلسلة الصحيحة (2005). ورواه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 331) والطبراني (9/ 127) عن أبي إسحاق عن عمرو بن زرارة عنه، قال المنذري في الترغيب (1/ 47):«أحد إسناديه صحيح» ، وقال الهيثمي (1/ 450):«أحد إسناديه رجاله رجال الصحيح» ، وصححه الهيتمي في الزواجر (1/ 191)، وهو في صحيح الترغيب (60). ورواه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 42، 6/ 331) والطبراني (9/ 128) وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 15 - 16) عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أغر عنه. ورواه عبد الرزاق (3/ 221 - 222) ـ ومن طريقه الطبراني (9/ 125) ـ وعبد الله في زوائد الزهد (ص 358) وأبو نعيم في الحلية (4/ 380 - 381) من طرقٍ عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عنه، قال الهيثمي (1/ 435):«عطاء بن السائب ثقة ولكنه اختلط» ، ورواه الطبراني (9/ 126) عن حماد بن سلمة عن عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه، ورواه عبد الرزاق (3/ 222) عن معمر عن عطاء عنه. ورواه ابن وضاح في البدع (23) والطبراني (9/ 125) وأبو نعيم في الحلية (4/ 381) عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عنه. ورواه ابن وضاح (52) والطبراني (9/ 128) عن إسرائيل عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن هلال عنه. ورواه ابن أبي عمر ـ كما في المطالب العالية (2983) ـ عن هشام بن سليمان عن أبي رافع عن صالح بن جبير عنه .. ورواه ابن وضاح (9، 17، 18، 19، 20، 22) عن عبد الواحد بن صبرة وسيّار أبي الحكم وابن سمعان وبعض أصحاب الأعمش وعبدة بن أبي لبابة والصلت بن بهرام عنه، ولا تخلو أسانيدهم من مقال.

ص: 267

وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد اسْوَدّ من طول ما لُبِس، فنُضح له بالماء وصلَّى عليه

(1)

، ولم يُفْرَش له فوقه سجادة ولا منديل.

وكان يسجد على التراب تارة، وعلى الحصى تارة، وفي الطين [44 أ] تارة، حتى يُرى أثره على جبهته وأنفه.

وقال ابن عمر: «كانت الكلاب تُقبلُ وتُدبِر وتبول في المسجد، ولم يكونوا يرشُّون شيئًا من ذلك» . رواه البخاري، ولم يقل:«وتبول» ، وهو عند أبي داود بإسناد صحيح بهذه الزيادة

(2)

.

فصل

ومن ذلك: أن الناس في عصر الصحابة والتابعين ومَن بعدهم كانوا يأتون المساجد حُفاةً في الطين وغيره.

قال يحيى بن وَثّاب: قلت لابن عباس: الرجل يتوضأ، يخرج إلى المسجد حافيًا؟ قال: لا بأس به

(3)

.

(1)

كما في حديث أنس الذي أخرجه البخاري (380)، ومسلم (658).

(2)

سنن أبي داود (382)، ورواه بالزيادة المذكورة البيهقي في الكبرى (1/ 243، 2/ 429)، وصححه ابن خزيمة (300)، وابن حبان (1656)، وابن تيمية كما في المجموع (21/ 510)، وأما البخاري فعلقه بصيغة الجزم (172) عن شيخه أحمد ابن شبيب، قال البيهقي:«رواه البخاري ولم يذكر قوله: تبول» ، وقال في الموضع الثاني:«رواه البخاري، وليس في بعض النسخ عنه كلمة البول» ، قال ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 109):«هذه اللفظة الزائدة ليست في شيء من نسخ الصحيح، لكن ذكر الأصيلي أنّها في رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري» .

(3)

رواه وكيع ـ كما في فتح الباري لابن رجب (2/ 336) ـ عن إسرائيل، والبيهقي في الكبرى (2/ 434) من طريق شعبة، كلاهما عن أبي إسحاق عن يحيى بن وثاب به، وزاد وكيع في آخره:«إلا أن يصيبك نتن رطب فتغسله» .

ص: 268

وقال كُمَيْلُ بن زياد: «رأيت عليًا يخوض طين المطر، ثم دخل المسجد، فصلَّى ولم يغسل رجليه»

(1)

.

وقال إبراهيم النخعي: «كانوا يخوضون الماء والطين إلى المسجد، فيصلون»

(2)

.

وقال يحيى بن وثَّاب: «كانوا يمشون في ماء المطر، وينتضح عليهم»

(3)

.

رواها سعيد بن منصور في «سننه» .

وقال ابن المنذر

(4)

: «وطئ ابن عمر بمنًى وهو حافٍ في ماء وطين، ثم صلَّى ولم يتوضأ» .

قال: «وممن رأى ذلك: علقمة، والأسود، وعبد الله بن مَعقِل

(5)

، وسعيد ابن المسيب، والشعبي، والإمام أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، وأحد الوجهين للشافعية».

(1)

رواه ابن المنذر في الأوسط (738، 739)، وقد تقدّم.

(2)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 177) عن هشيم عن مغيرة عنه، ولفظه:«كان أصحابنا يخوضون» .

(3)

لم أقف عليه، وقد عزاه المصنف لسنن سعيد بن منصور، ولا يوجد في المطبوع منه.

(4)

الأوسط (2/ 172).

(5)

في الأصل: «مغفل» تصحيف. ومعقل هو ابن مقرن كما في الأوسط.

ص: 269

قال: «وهو قول عامة أهل العلم، ولأن تنجيسها فيه مشقة عظيمة منتفية بالشرع، كما في أطعمة الكفار وثيابهم، وثياب الفسَّاق شَرَبة الخمر

(1)

وغيرهم».

قال أبو البركات ابن تيمية: «وهذا كله يُقوِّي طهارة الأرض بالجفاف؛ لأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة بقعة من طرقاته، التي يكثر فيها تردده إلى سوقه ومسجده وغيرهما، فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها، للزمه تجنب ما شاهده من بقاع النجاسة بعد ذهاب أثرها، ولَمَا جاز له التحفّي بعد ذلك، وقد عُلم أن السلف الصالح لم يحترزوا من ذلك، ويَعضده أمرُه صلى الله عليه وسلم بمسح النعلين بالأرض لمن أتى المسجد ورأى فيهما خَبَثًا. ولو نجست الأرضُ بذلك نجاسةً لا تطهر بالجفاف لأمر بصيانة طريق المسجد عن ذلك؛ لأنه يسلكه الحافي وغيره» .

قلت: وهذا اختيار شيخنا رحمه الله.

وقال أبو قِلابة: «جفاف الأرض طهورها»

(2)

.

(1)

ت، ش، ظ:«المسكر» .

(2)

رواه عبد الرزاق (3/ 158) عن معمر، وابن أبي شيبة (1/ 59) من طريق الحارث بن عمير، كلاهما عن أيوب عن أبي قلابة به، ولفظ ابن أبي شيبة:«إذا جفّت الأرض فقد زكت» . ورواه الدولابي في الكنى (1675) من طريق ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة، قيل لابن عيينة: يا أبا محمّد، سمعتَه من أيوب؟ فقال: اكتبوا: الحارث بن عمير عن أيوب، فقالوا له: أنت سمعتَه من الحارث؟ فقال: اكتبوا: حدّثني حمزة بن الحارث بن عمير عن أبيه عن أيوب عن أبي قلابة.

ص: 270

فصل

ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن المَذْي، فأمر بالوضوء منه، فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه؟ قال: «تأخذ كفًّا من ماء، فتنضحُ به حيث ترى أنه أصابه» . رواه أحمد، والترمذي، والنسائي

(1)

.

فجوّز نضح ما أصابه المذي، كما أمر بنضح بول الغلام

(2)

.

قال شيخنا: وهذا هو الصواب؛ لأن هذه نجاسة يشق الاحتراز منها؛ لكثرة ما تصيب ثياب العزَبَ، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام، ومن أسفل الخف والحذاء.

ومن ذلك: إجماع المسلمين على ما سنّه لهم النبي صلى الله عليه وسلم من جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف، مع أن المحلّ يعرَق، فينضح إلى الثوب، ولم يأمر بغسله.

ومن ذلك: أنه يُعفى عن يسير أرواث البغال والحمير والسباع، في إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها شيخنا لمشقة الاحتراز.

(1)

مسند أحمد (3/ 485)، سنن الترمذي (115)، ولم أقف عليه عند النسائي، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (1/ 88، 7/ 320)، وعبد بن حميد (468)، والدارمي (723)، وأبو داود (210)، وابن ماجه (506)، وابن المنذر في الأوسط (696)، والطبراني في الكبير (6/ 87) والأوسط (4196)، وغيرهم من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح» ، وصححه ابن خزيمة (291)، وابن حبان (1103)، وابن قدامة في الكافي (1/ 104)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (205).

(2)

كما في حديث أبي السمح الذي أخرجه أبو داود (376)، والنسائي (1/ 158).

ص: 271

قال الوليد بن مسلم: قلت للأوزاعي: فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه، كالبغل والحمار والفرس؟ فقال: قد كانوا يُبتلون بذلك في مغازيهم، فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب

(1)

.

ومن ذلك: نصُّ أحمد على أن الوَدْيَ يُعفى عن يسيره كالمذي، وكذلك يُعفى عن يسير القيء، نص عليه أحمد.

وقال شيخنا: لا يجب غسل الثوب ولا الجسد من المِدّة والقَيْح والصديد، قال: ولم يَقُمْ دليل على نجاسته.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طاهر، حكاها أبو البركات.

وكان ابن عمر لا ينصرف منه في الصلاة

(2)

، وينصرف من الدم

(3)

.

(1)

لم أقف عليه.

(2)

روى عبد الرزاق (1/ 145) وابن أبي شيبة (1/ 128) ـ ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1/ 141) ـ وابن المنذر في الأوسط (1/ 172) عن بكر بن عبد الله المزني أنه رأى ابن عمر عصر بثرة بين عينيه، فخرج منها شيء، ففتَّه بين إصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 260)، وتقي الدين في الإمام كما في البدر المنير (4/ 211)، وابن حجر في الفتح (1/ 282)، والعيني في العمدة (4/ 327)، والألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 683).

(3)

روى عبد الرزاق (2/ 359) وأبو عبيد في الطهور (404، 405) من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: «إذا رأى الإنسان في ثوبه دمًا وهو في الصلاة فانصرفَ يغسلُه أتمَّ ما بقي على ما مضى ما لم يتكلَّم» ، وروى عبد الرزاق (1/ 372) بالإسناد نفسه أن ابن عمر كان ينصرف لقليله وكثيره، ثم يبني على ما قد صلى إلا أن يتكلَّم فيعيد، وصححه ابن المنذر في الأوسط (713). وروى مالك (77) وأبو عبيد (402، 403) عن نافع عن ابن عمر أنه رعف في صلاته فخرج فتوضّأ، ثم لم يتكلّم واعتدّ بما صلى.

ص: 272

[44 ب] وعن الحسن نحوه

(1)

.

وسئل أبو مِجْلَز عن القَيْح يصيب البدن والثوب؟ فقال: «ليس بشيء، إنما ذكر الله الدمَ؛ ولم يذكر القيح»

(2)

.

وقال إسحاق بن راهويه: «كل ما كان سوى الدم فهو عندي مثل العَرَق المنتن وشبهه، ولا يوجب وضوءًا»

(3)

.

وسئل أحمد: الدم والقيح عندك سواء؟ فقال: «لا، الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيه» .

وقال مرةً: «القيح والصديد والمِدَّةُ عندي أسهل من الدم» .

ومن ذلك: ما قاله أبو حنيفة: أنه لو وقع بَعْرُ الفأر في حِنطة فطُحنت، أو في دُهن مائع؛ جاز أكله ما لم يتغير؛ لأنه لا يمكن صونه عنه، قال: فلو وقع في الماء نجَّسه.

(1)

روى عبد الرزاق (1/ 144) عن معمر عمّن سمع الحسن أنه كان لا يرى القيحَ مثل الدم، وروى أيضًا (1/ 376) عن معمر قال: كان الحسن ينصرف إذا رأى في ثوبه الدم، وروى ابن أبي شيبة (1/ 110) عن هشيم عن يونس عن الحسن قال:«القيح والصديد ليس فيه وضوء» ، وروى أيضًا (1/ 127) عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلا، وصححه العيني في العمدة (4/ 325)، وقال ابن حزم في المحلى (1/ 259):«صحَّ عن الحسن الفرق بين الدم والقيح» .

(2)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 110) عن وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 259).

(3)

رواه إسحاق الكوسج عنه في مسائله (2/ 364)، وانظر: الأوسط لابن المنذر (1/ 183).

ص: 273

وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى جواز أكل الحنطة التي أصابها بول الحمير عند الدِّيَاس من غير غسل، قال: لأن السلف لم يحترزوا من ذلك.

وقالت عائشة: «كنا نأكل اللحم، والدمُ خطوطٌ على القِدر»

(1)

.

وقد أباح الله سبحانه صيد الكلب وأطلق، ولم يأمر بغسل موضع فيه من الصيد ومَعَضّه

(2)

ولا تقويره، ولا أمر به رسوله، ولا أفتى به أحدٌ من الصحابة.

ومن ذلك: ما أفتى به عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وسالم، ومجاهد، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والحكم، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والإمام أحمد في أصح الروايتين، وغيرهم: أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة، لم يكن عالمًا بها، أو كان يعلمها لكنه نسيها، أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها: أن صلاته صحيحة، ولا إعادة عليه.

ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها. متفق عليه

(3)

.

ولأبي داود

(4)

: أن ذلك كان في إحدى صلاتي العَشِيّ.

(1)

قال النووي في المجموع (2/ 557): «حكاه أصحاب أحمد عن عائشة» ، وقال ابن تيمية كما في المجموع (21/ 524):«ثبت أن الصحابة كانوا يضعون اللحم بالقدر، فيبقى الدم في الماء خطوطًا» .

(2)

ح، ظ:«مضغه» .

(3)

البخاري (516)، ومسلم (543).

(4)

سنن أبي داود (920) من طريق عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن سعيد المقبري عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة قال: بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر أو العصر .. الحديث، ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (424) من طريق يزيد بن هارون عن ابن إسحاق عن سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر أو العصر ــ شكَّ يزيد ــ، ومن طريق أبي بكر رواه الذهبي في السير (7/ 54)، قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 95):«ذكر فيه محمد بن إسحاق أنه كان في صلاة الفريضة، فمن قبِل زيادته وتفسيرَه جعل حديثه هذا أصلا في جواز العمل في الصلاة، ولعمري لقد عوَّل عليه المصنفون للحديث في هذا الباب، إلا أن الفقهاء على ما وصفتُ لك» ، ويؤيّد هذه الزيادةَ لفظٌ لمسلم (543): رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يؤمّ الناس وأمامةُ على عاتقه .. قال النووي في شرحه (5/ 32): «قوله: «يؤمّ الناس» صريحٌ أو كالصريح في أنه كان في الفريضة»، وصحّح هذه الزيادةَ ابن دقيق العيد في الإحكام (1/ 162)، وقال الألباني في الإرواء (2/ 108):«إسناده جيد لولا أن ابن إسحاق عنعنه» ، إلا أن هذه الزيادة لم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد روى ابن أبي الدنيا في العيال (227) عن خالد بن خداش عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صلاة العصر.

ص: 274

وهو دليلٌ على جواز الصلاة في ثياب المربِّية والمرضع والحائض والصبي، ما لم يتحقّق نجاستها.

وقال أبو هريرة: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء؛ فلما سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فلما رفع رأسه أخذهما بيديه من خلفه أخذًا رفيقًا، ووضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته» . رواه الإمام أحمد

(1)

.

(1)

مسند أحمد (2/ 513)، ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في العيال (220)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 9)، والطبراني في الكبير (3/ 51)، والآجري في الشريعة (1650)، وابن عدي في الكامل (6/ 81)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 76)، وصحّحه الحاكم (4782)، قال الهيثمي في المجمع (9/ 290):«رواه أحمد والبزار باختصار، ورجال أحمد ثقات» ، وهو في السلسلة الصحيحة (3325). وفي الباب عن ابن مسعود وأبي بكرة وأبي سعيد وأنس والبراء بن عازب وابن عباس والزبير وعبد الله بن الزبير وعن عطاء وعمرو بن دينار ومحمد بن عمر بن علي وجعفر بن محمد مرسلًا.

ص: 275

وقال شداد بن الهاد، عن أبيه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حاملٌ الحسن أو الحسين، فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، فلما قضى الصلاة قال:«إن ابني ارتحلني؛ فكرهت أن أُعْجِله» . رواه أحمد، والنسائي

(1)

.

وقالت عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل؛ وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعليّ مِرْط وعليه بعضه» . رواه أبو داود

(2)

.

وقالت: «كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نَبيتُ في الشّعار الواحد، وأنا طامِث حائض؛ فإن أصابه منّي شيء غسل مكانه، ولم يَعْدُهُ، وصلى فيه» . رواه أبو داود

(3)

.

(1)

مسند أحمد (3/ 493، 6/ 467)، سنن النسائي (1141)، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (6/ 379)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (934)، والطحاوي في شرح المشكل (5580)، والطبراني في الكبير (7/ 270)، والبيهقي في الكبرى (2/ 263)، وصححه الحاكم (4775، 6631)، وهو في صحيح سنن النسائي. ورواه ابن أبي الدنيا في العيال (219) عن عبد الله بن شداد مرسلًا.

(2)

سنن أبي داود (370)، وهو في صحيح مسلم (514).

(3)

سنن أبي داود (269، 2168)، ورواه أيضًا أحمد (6/ 44)، والدارمي (1013)، والنسائي (284، 372، 773)، وأبو يعلى (4802)، والدولابي في الكنى (13) مختصرًا، والبيهقي في الكبرى (1/ 313)، وحسنه المنذري في مختصر السنن (1/ 176)، وهو في صحيح سنن أبي داود (262).

ص: 276

ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون ويصلي فيها

(1)

.

وتقدم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وَهَمُّه أن ينهى عن ثياب بلغه أنها تُصبغ بالبول، وقول أُبيٍّ له:«ما لك أن تنهى عنها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسها، ولُبست في زمانه، ولو علم الله أنها حرام لبيّنه لرسوله» . قال: صدقت

(2)

.

قلت: وعلى قياس ذلك: الجُوخ، بل أولى بعدم النجاسة من هذه الثياب، فتجنبه من باب الوسواس.

ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابيةَ استعار ثوبًا من نصراني فلبسه، حتى خاطوا له قميصه وغسلوه

(3)

، وتوضأ من جَرَّة

(1)

أخرجه البخاري (363)، ومسلم (274) عن المغيرة بن شعبة.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

روى ابن شبّة في تاريخ المدينة (3/ 824 - 825) من طريق المعافى بن عمران، وابن أبي الدنيا في الزهد (115) من طريق أبي إسماعيل المؤدب، كلاهما عن عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي، عن أبي العالية الشامي قال: قدِم عمر بن الخطاب الجابية

فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعَوه له، فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصًا أو ثوبًا، فأتي بقميص كتّان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتّان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل ورقع وأتي به، فنزع قميصَهم ولبس قميصه. هذا لفظ ابن أبي الدنيا، ولفظ ابن شبة مختصر. ورواه الدينوري في المجالسة (986) عن ابن أبي الدنيا، ومن طريق الدينوري رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 305 - 306). وفي إسناده عبد الله بن مسلم المكي، قال في التقريب:«ضعيف» .

ص: 277

نصرانية

(1)

.

وصلّى سلمان وأبو الدرداء رضي الله عنهما في بيت نصرانية، فقال [45 أ] لها أبو الدرداء: هل في بيتك مكان طاهر نصلِّي فيه؟ فقالت: طهِّرا قلوبكما، ثم صليا أين أحببتما. فقال له سلمان: خذها من غير فقيه

(2)

.

ومن ذلك: أن الصحابة والتابعين كانوا يتوضأون من الحياض والأواني المكشوفة، ولا يسألون: هل أصابتها نجاسة، أو وردَها كلب أو سبع؟

ففي «الموطأ»

(3)

عن يحيي بن سعيد: «أن عمر رضي الله عنه خرج في

(1)

رواه الشافعي في الأم (1/ 8) وعبد الرزاق (1/ 78) والدارقطني (1/ 32) عن سفيان عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، وهذا لفظ الشافعي، ومن طريقه رواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 314) والبيهقي في الكبرى (1/ 32)، ولم يسمعه ابن عيينة من زيد. وعلقه البخاري في كتاب الوضوء، باب: وضوء الرجل مع امرأته، ولفظه: توضَّأ عمر من بيت نصرانية، قال ابن حجر في الفتح (1/ 299):«ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عيينة بإثبات الواسطة، فقال: عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه به، وأولاد زيد هم: عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سمع ابن عيينة منه ذلك؛ ولهذا جزم به البخاري» ، وقال في تغليق التعليق (2/ 129):«وأولاد زيد بن أسلم ضعفاء، وأمثلهم عبد الله، والله أعلم من عنى ابنُ عيينة منهم» ، والأثر صححه النووي في المجموع (1/ 263) وفي غيره، وابن تيمية كما في المجموع (21/ 57).

(2)

لم أقف عليه.

(3)

موطأ مالك (43) عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر، وعن مالك رواه عبد الرزاق (1/ 76) والبيهقي في الكبرى (1/ 250)، قال النووي في المجموع (1/ 174): «إسناده صحيح إلى يحيى ابن عبد الرحمن، لكنه مرسل منقطع؛ فإنّ يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر، بل ولد في خلافة عثمان

إلا أنَّ له شواهد تقوّيه»، وضعفه الألباني في تمام المنة (ص 49). ورواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 310) والدارقطني (1/ 32) من طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن عن عمر، وأبو سلمة أيضًا لم يدرك عمر. وله طريق أخرى، فرواه أبو عبيد في الطهور (210) عن حسان بن عبد الله عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أصابت عمر جنابة وهو على راحلته ومعه عمرو بن العاص، فأسرعوا حتى أتوا الماء

وذكره، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف.

ص: 278

ركب فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضك السباع؟ فقال عمر: لا تخبرنا؛ فإنا نَرِدُ على السباع، وترد علينا».

وفي «سنن ابن ماجه»

(1)

: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أنتوضأ بما أفضلت

(1)

لم أقف عليه عند ابن ماجه، ورواه الشافعي في الأم (1/ 6)، وعبد الرزاق (1/ 77)، وابن عدي في الكامل (2/ 396) عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر به، ولفظ عبد الرزاق: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ بما أفضلت السباع، ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني (1/ 62) وقال:«إبراهيم بن أبي يحيى ضعيف، وتابعه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وليس بالقوي في الحديث .. ضعيف أيضًا» ، وقال البيهقي في الكبرى (1/ 249):«إبراهيم الأسلمي مختلف في ثقته، وضعفه أكثر أهل العلم بالحديث وطعنوا فيه، وكان الشافعي يُبعِده عن الكذب» ، ومتابعة ابن أبي حبيبة أخرجها الدارقطني (1/ 62) والبيهقي في الكبرى (1/ 250)، وقال في المعرفة (1/ 313):«إذا ضممنا هذه الأسانيد بعضها إلى بعض أخذت قوة، وفي معناه حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح، والاعتماد عليه» ، قال النووي في المجموع (1/ 173):«هذا الحديث ضعيف لأن الإبراهيمين ضعيفان جدًّا عند أهل الحديث، لا يحتجّ بهما، وإنّما ذكرته وإن كان ضعيفًا لكونه مشهورًا في كتب الأصحاب، وربما اعتمده بعضهم فنبهت عليه» ، وضعّفه ابن الجوزي في التحقيق (48)، وابن التركماني في الجوهر النقي، وابن حجر في الدراية (1/ 62). وانظر: البدر المنير (1/ 468)، وتمام المنة (ص 47). وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 279

الحُمُر؟ قال: «نعم، وبما أفضلت السباع» .

ومن ذلك: أنه لو سقط عليه شيء من ميزاب، لا يدري: هل هو ماء أو بول؟ لم يجب عليه أن يسأل عنه، فلو سأل لم يجب على المسؤول أن يجيبه ــ ولو علم أنه نجس ــ، ولا يجب عليه غسل ذلك.

ومرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا، فسقط عليه شيء من ميزاب، ومعه صاحب له، فقال: يا صاحب الميزاب! ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب! لا تخبرنا، ومضى. ذكره أحمد

(1)

.

قال شيخنا: وكذلك إذا أصاب رِجلَه أو ذيلَه بالليل شيءٌ رطبٌ لا يعلم ما هو، لم يَجِبْ عليه أن يَشَمّه ويتعرف ما هو، واحتج بقصة عمر رضي الله عنه في الميزاب.

وهذا هو الفقه؛ فإن الأحكام إنما تترتب علي المكلّف بعد علمه بأسبابها، وقبل ذلك هي على العفو، فما عفا الله عنه فلا ينبغي البحث عنه.

ومن ذلك: الصلاة مع يسير الدم، ولا يعيد.

(1)

لم أقف عليه، وذكره ابن تيمية في مواضع من المجموع (21/ 57، 521، 607) من غير عزو، وقال (22/ 184):«قد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه مرّ هو وصاحب له» وذكر القصة.

ص: 280

قال البخاري

(1)

: قال الحسن رحمه الله: «مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم» .

قال: «وعصَر ابن عمر رضي الله عنهما بَثرة، فخرج منها دم؛ فلم يتوضأ

(2)

، وبصق ابن أبي أوفى دمًا، ومضى في صلاته

(3)

، وصلى عمر بن

(1)

صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ولم أقف على من وصله بهذا اللفظ، وروى ابن أبي شيبة (1/ 344) عن هشيم عن يونس عن الحسن قال:«ما في نضحاتٍ من دمٍ ما يفسد على رجلٍ صلاته» .

(2)

صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ووصله عبد الرزاق (1/ 145)، وابن أبي شيبة (1/ 128)، والأثرم كما في التمهيد (22/ 321)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 172)، والبيهقي في الكبرى (1/ 141) من طريق ابن أبي شيبة، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 260)، وتقي الدين في الإمام كما في البدر المنير (4/ 211)، وابن حجر في الفتح (1/ 282)، والعيني في العمدة (4/ 327)، والألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 683).

(3)

صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، قال ابن حجر في الفتح (1/ 282):«وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعل ذلك، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإسناد صحيح» ، ومن طريق سفيان رواه الأثرم كما في التمهيد (22/ 231)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 172)، ولفظه عنده: رأيت ابن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلى، ورواه عبد الرزاق (1/ 148) عن الثوري وابن عيينة عن عطاء، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 117) عن عبد الوهاب الثقفي عن عطاء قال: رأيت ابن أبي أوفى بزق وهو يصلي ثم مضى في صلاته، وحسنه العيني في العمدة (4/ 328)، ورواه الحربي في غريب الحديث (3/ 1216) عن الوليد بن صالح عن شريك عن عطاء: رأيت ابن أبي أوفى بزق علقة ثم مضى في صلاته. وقد صحّح هذا الأثر الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 683) ..

ص: 281

الخطاب رضي الله عنه وجُرحه يَثْعَبُ دمًا»

(1)

.

ومن ذلك: أن المراضع مازلن من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الآن يُصلِّين في ثيابهن، والرُّضعاء يتقيّأون، ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها، فلا يغسلن شيئًا من ذلك؛ لأن ريق الرضيع مُطهِّر لفمه، لأجل الحاجة، كما أن ريق الهر مُطهِّر لفمها؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات»

(2)

، وكان يصغي لها الإناء

(1)

رواه عبد الرزاق (1/ 150)، وابن أبي شيبة (2/ 226، 7/ 438)، والدارقطني (1/ 406، 2/ 52) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه، وابن سعد في الطبقات (3/ 351) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (923) والدارقطني (1/ 224) عن الزهري، كلاهما عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة به، واختلف فيه على هشام، فرواه مالك (82) ـ ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1/ 357) ـ وابن سعد في الطبقات (3/ 350) عنه عن أبيه عن المسور، وقيل غير ذلك. ورواه المروزي (928) والطبراني في الأوسط (8181) عن جابر بن سمرة، وابن سعد (3/ 350) والدارقطني (1/ 224) عن ابن أبي مليكة، وابن سعد (3/ 351) والمروزي (929) عن أم بكر بنت المسور، ثلاثتهم عن المسور به، قال الهيثمي في المجمع (2/ 27):«رجال الطبراني رجال الصحيح» . ورواه عبد الرزاق (1/ 150) ـ ومن طريقه المروزي (924) واللالكائي في أصول الاعتقاد (1529) ـ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس به. ورواه ابن أبي شيبة (7/ 439) عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وأشياخ عن عمر. والأثر صححه ابن المنذر في الأوسط (1/ 166)، وابن تيمية كما في المجموع (21/ 221)، وابن حجر في الفتح (1/ 281)، والألباني في الإرواء (209)، وانظر: علل الدارقطني (2/ 209 ـ 211).

(2)

رواه مالك (42)، وعبد الرزاق (1/ 100)، وأبو عبيد في الطهور (194، 195)، والحميدي (430)، وابن أبي شيبة (1/ 37)، وأحمد (5/ 296، 303، 309)، وغيرهم من حديث أبي قتادة، ومن طريق مالك رواه أبو داود (75) والترمذي (92) والنسائي (68، 340) وابن ماجه (367)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح» ، وصحّحه ابن الجارود (60)، وابن خزيمة (104)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 303، 312)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 142)، وابن حبان (1299)، والدارقطني في العلل (6/ 163)، والحاكم (567) وقال:«هذا الحديث مما صحّحه مالك واحتج به في الموطأ، ومع ذلك فإن له شاهدًا بإسناد صحيح» ، وصححه ابن حزم كما في الإعلام (1/ 197)، والبيهقي في المعرفة (1/ 313)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 324)، والبغوي في شرح السنة (286)، والنووي في المجموع (1/ 118، 171)، وابن دقيق في الإلمام (10)، وابن تيمية كما في المجموع (21/ 42)، وابن الملقن في البدر المنير (1/ 552)، وابن حجر في المطالب العالية (20)، وهو في صحيح سنن أبي داود (68). وفي الباب عن عائشة وأنس وجابر رضي الله عنهم.

ص: 282

حتى تشرب

(1)

، وكذلك فعل أبو قتادة

(2)

؛ مع العلم اليقيني أنها تأكل الفأر

(1)

روى البيهقي في الكبرى (1/ 246) عن عبد الله بن أبي قتادة قال: كان أبو قتادة يصغي الإناء للهرّ فيشرب ثم يتوضأ به، فقيل له في ذلك فقال: ما صنعتُ إلا ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، ورواه الطحاوي في معاني الآثار (43) عن كعب بن عبد الرحمن عن أبي قتادة نحوه .. وروى ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (145) عن ابن إسحاق عن صالح عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع الإناء للسنور فيلغ فيه ثم يتوضأ من فضله. وروى ابن منيع ـ كما في إتحاف الخيرة (546) ـ وأبو يعلى (4951) والطحاوي في معاني الآثار (46) والطبراني في الأوسط (7949) وابن عدي في الكامل (7/ 145) والدارقطني (1/ 66، 70) وابن شاهين (141) وأبو نعيم في الحلية (9/ 308) من طرق عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها، ولا تخلو أسانيدها من مقال، قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 164):«هو حديث لا بأس به» .

(2)

انظر تخريج حديث أبي قتادة رضي الله عنه السابق، وروى عبد الرزاق (1/ 99)، وأبو عبيد في الطهور (197)، وابن أبي شيبة (7/ 308) عن عكرمة أنه رأى أبا قتادة الأنصاري يصغي الإناء للهرّ فتشرب منه ثم يتوضأ بفضلها، وروى ابن أبي شيبة (1/ 36) عن أبي قلابة قال: كان أبو قتادة يدني الإناء من السنور فيلغ فيه، فيتوضأ بسؤره ويقول: إنما هو من متاع البيت، وروى ابن الجعد (2756) عن صالح مولى التوأمة قال: رأيت أبا قتادة يصغي الإناء إلى الهر ثم يتوضّأ منه.

ص: 283

والحشرات، والعلم القطعي أنه لم يكن بالمدينة حياض فوق القلتين تردُها السّنانير؛ وكلاهما معلوم قطعًا.

ومن ذلك: أن الصحابة ومَن بعدهم كانوا يصلُّون وهم حاملو سيوفهم، وقد أصابها الدم، وكانوا يمسحونها، ويجتزئون

(1)

بذلك.

وعلى قياس هذا: مسح المرآة الصَّقِيلة إذا أصابتها النجاسة؛ فإنه يُطهِّرها.

وقد نصَّ أحمد على طهارة سكين الجزّار بمسحها.

ومن ذلك: أنه نصَّ على حَبْل الغسال أنه يُنشر عليه الثوب النجس، ثم تُجَفِّفه الشمس، فينشر عليه الثوب الطاهر، فقال: لا بأس به.

وهذا كقول أبي حنيفة: إن الأرض النجسة تُطهِّرها الريح والشمس، وهو وجه لأصحاب أحمد، حتى إنه يجوز التيمم بها.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كالنص في ذلك، وهو قوله: كانت الكلاب تُقبِل وتُدْبر وتبول في المسجد، ولم يكونوا يَرشّون شيئًا من ذلك

(2)

.

وهذا لا يتوجه إلا على القول بطهارة الأرض بالريح والشمس.

(1)

م، ظ:«يحتزمون» . ش: «يجزون» .

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 284

ومن ذلك: أن الذي دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه: أن الماء لا ينجُس إلا بالتغير، وإن كان يسيرًا.

وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف، وأكثر أهل الحديث، وبه أفتى عطاء بن أبي رباح، [45 ب] وسعيد بن المسيَّب، وجابر بن زيد، والأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن مَهدي، واختاره ابن المنذر، وبه قال أهل الظاهر، ونص عليه أحمد في إحدى رواياته

(1)

، واختاره جماعة من أصحابنا، منهم ابن عَقِيل في «مفرداته» ، وشيخنا أبو العباس، وشيخه ابن أبي عمر.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجِّسه شيء» . رواه الإمام أحمد

(2)

.

(1)

ح: «روايتيه» . ظ: «الروايتين» .

(2)

مسند أحمد (1/ 235، 284، 308)، ورواه أيضًا عبد الرزاق (1/ 109)، وابن أبي شيبة (1/ 38)، وأبو داود (68)، والترمذي (65)، والنسائي (325)، وابن ماجه (370)، وأبو يعلى (2411)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 268، 296)، والطحاوي في معاني الآثار (101)، وغيرهم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، ولفظه عند بعضهم:«الماء لا يجنب» ، وقيل: عن ابن عباس عن ميمونة، وقيل: عنه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلّ بالإرسال، قال الترمذي:«حسن صحيح» ، وصححه ابن الجارود (48، 49)، والطبري في تهذيب الآثار (2/ 693، 736)، وابن خزيمة (91، 109)، وابن حبان (1241، 1248، 1242، 1261، 1269)، والحاكم (564، 565)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 162)، والنووي في المجموع (2/ 190)، قال مغلطاي في الإعلام (1/ 207):«قول من صحّحه راجح على قول من ضعفه، بل هو الصواب» ، وصححه ابن حجر في الفتح (1/ 342)، وهو في صحيح سنن أبي داود (61). وفي الباب عن عائشة وجابر وسلمة بن المحبق رضي الله عنهم.

ص: 285

وفي «المسند» و «السنن»

(1)

عن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بُضاعة، وهي بئر يُلقى فيها الحِيَضُ

(2)

ولُحوم الكلاب والنَّتْنُ؟ فقال: «الماء طهورٌ، لا ينجِّسه شيء» .

قال الترمذي: «هذا حديث حسن» .

وقال الإمام أحمد: «حديث بئر بضاعة صحيح»

(3)

.

وفي لفظ للإمام أحمد

(4)

: إنه يُسْتَقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر يُطرح

(1)

مسند أحمد (3/ 15، 31، 86)، سنن أبي داود (66، 67)، سنن الترمذي (66)، سنن النسائي (326، 327)، ورواه أيضًا الطيالسي (2199)، وأبو عبيد في الطهور (135، 136)، وابن أبي شيبة (1/ 131، 7/ 281)، وأبو يعلى (1304)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 269)، والطحاوي في معاني الآثار (1، 2، 3)، وغيرهم، وفي إسناده اختلاف، لكن صحّحه ابن معين كما في البدر المنير (1/ 383)، وابن الجارود (47)، وابن حزم كما في البدر المنير (1/ 388)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 162)، والبغوي في شرح السنة (283)، وابن العربي في العارضة (1/ 88)، والنووي في المجموع (1/ 82، 110) وفي غيره، وابن تيمية كما في المجموع (21/ 32، 37، 41، 60)، وابن القيم في تهذيب السنن (1/ 67)، وابن الملقن في البدر المنير (1/ 381)، وحسنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/ 485)، وهو في صحيح سنن أبي داود (59، 60). وفي الباب عن سهل بن سعد وأبي هريرة رضي الله عنهما.

(2)

ش: «محايض النساء» . ح: «خرق الحيض» .

(3)

انظر: التحقيق لابن الجوزي (1/ 42)، والمغني لابن قدامة (1/ 52)، ومختصر السنن للمنذري (1/ 74)، ومجموع الفتاوى (21/ 33، 60)، وتهذيب الكمال (19/ 83).

(4)

مسند أحمد (3/ 86).

ص: 286

فيها محايض النساء، ولحم الكلاب، وعَذِر الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الماء طهور، لا ينجِّسه شيء» .

وفي «سنن ابن ماجه»

(1)

من حديث أبي أمامة مرفوعًا: «الماء لا ينجّسه شيء؛ إلا ما غلب على ريحه، وطعمه، ولونه» .

وفيها

(2)

من حديث أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض

(1)

سنن ابن ماجه (521) من طريق رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة، وبهذا الإسناد رواه الطبري في تهذيب الآثار (1076، 1077)، والطبراني في الكبير (8/ 104)، وابن عدي في الكامل (3/ 156)، وغيرهم، وضعفه الخلال كما في المغني (1/ 52)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 94)، ومغلطاي في الإعلام (1/ 550)، والهيثمي في المجمع (1/ 501)، والبوصيري في المصباح (1/ 76). ورواه ابن عدي (2/ 389) والبيهقي في الكبرى (1/ 259، 260) من طريق ثور بن يزيد عن راشد به. ورواه عبد الرزاق (1/ 80) والطحاوي في شرح المعاني (28) وابن عدي (3/ 156) والدارقطني (1/ 28، 29) من طرق عن الأحوص بن حكيم عن راشد مرسلًا. وقيل: عن راشد عن ثوبان. وقيل: عن راشد قوله. ورجّح أبو حاتم إرساله كما في العلل لابنه (1/ 44)، وضعفه الدارقطني في العلل (12/ 274)، وقال في السنن:«الصواب من قول راشد» ، وضعّفه البيهقي ونقل عن الشافعي قوله:«يُروى من وجه لا يُثبِت أهل الحديث مثلَه» ، وقال النووي في المجموع (1/ 110):«اتفقوا على ضعفه» ، وكذا قال العراقي في طرح التثريب (2/ 130)، وضعفه ابن الملقن في البدر المنير (1/ 401)، وقال ابن حجر في الفتح (1/ 342):«إسناده ضعيف، وفيه اضطراب» ، وهو في السلسلة الضعيفة (2644). وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

(2)

سنن ابن ماجه (519) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وبهذا الإسناد رواه الطبري في تهذيب الآثار (1058)، وقيل: عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة، قال الطحاوي في شرح المشكل (7/ 67):«حديث عبد الرحمن بن زيد عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف» ، وضعفه البيهقي في الكبرى (1/ 258)، والنووي في الخلاصة (441)، والبوصيري في المصباح (1/ 75)، وهو في السلسلة الضعيفة (1609). وفي الباب عن ابن عمر وواثلة بن الأسقع رضي الله عنهما وعن ابن جريج بلاغًا.

ص: 287

التي بين مكة والمدينة، تردها السباع والكلاب والحُمُر، وعن الطهارة بها، فقال:«لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غَبَر طهور» .

وإن كان في إسناد هذين الحديثين مقال، فإنّا ذكرناهما للاستشهاد لا للاعتماد.

وقال البخاري

(1)

: قال الزهري: «لا بأس بالماء؛ ما لم يتغير منه طعم أو ريح أو لون» .

وقال الزهري أيضًا: «إذا ولغ الكلب في الإناء، ليس له وَضوء غيره؛ يتوضأ به ثم يتيمم»

(2)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب: ما يقع من النجاسات في السمن والماء، قال ابن حجر في الفتح (1/ 342):«وصله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه» ، ولفظه:«كلُّ ماءٍ فيه قوّةٌ عما يصيبه من الأذى حتى لا يغيّر ذلك طعمَه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر» ، ورواه الطبري في تهذيب الآثار (1116) من طريق ابن وهب، ولفظه عنده:«كلّ ماءٍ فيه فضلٌ عما يصيبه من الأذى .. » . وروى البيهقي في الكبرى (1/ 259) من طريق أبي عمرو عن الزهري في الغدير تقع فيه الدابة فتموت قال: «الماء طهور ما لم يقلَّ فتنجّسه الميتة طعمَه أو ريحَه» .

(2)

علّقه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وليس في كلام الزهري:«ثم يتيمّم» ، قال ابن حجر في الفتح (1/ 273):«رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه» ، ورواية الوليد هذه ذكرها ابن عبد البر في التمهيد (18/ 274) عنه عن الأوزاعي وعبد الرحمن بن نمر أنهما سمعا الزهري يقول في إناء قوم ولغ فيه الكلب فلم يجدوا ماء غيره قال: يتوضأ به، قال: فقلت للأوزاعي: ما تقول في ذلك؟ فقال: أرى أن يتوضّأ به ويتيمّم، قال الوليد: فذكرته لسفيان الثوري فقال: هذا والله الفقه بعينه

وصحّح إسناده ابن حجر في الفتح (1/ 273)، والعيني في العمدة (4/ 284). فالذي أفتى بالجمع بين الوضوء والتيمم هو الأوزاعي، أما الزهري فاكتفى بالوضوء، والله أعلم.

ص: 288

قال سفيان: «هذا الفقه بعينه» ، يقول الله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، وهذا ماء، وفي النفس منه شيء؛ يتوضأ به ويتيمم»

(1)

.

ونصّ الإمام أحمد في حُبِّ زيت ولغ فيه كلب، فقال:«يؤكل» .

فصل

(2)

ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب من دعاه، فيأكل من طعامه؛ وأضافه يهودي بخبز شعير وإهالة سَنِخَة

(3)

. وكان المسلمون يأكلون من أطعمة أهل الكتاب.

وشرط عمر عليهم ضيافة من يمرُّ بهم من المسلمين

(4)

، وقال:

(1)

في الأصل: «نتوضأ به ونتيمم» .

(2)

انظر كتاب ابن قدامة (ص 97).

(3)

أخرجه البخاري (2069، 2508) عن أنس.

(4)

ورد عنه أنه اشترط عليهم ضيافَة المسلمين ثلاثةَ أيام، رواه مالك (617) ـ وعنه الشافعي في الأم (4/ 180)، وأبو عبيد في الأموال (100، 393) ـ وعبد الرزاق (10090، 10096، 19267، 19273)، وابن زنجويه في الأموال (133، 134، 463)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 167)، والبيهقي في الكبرى (9/ 195) كلهم عن نافع عن أسلم عن عمر، وصححه الألباني في الإرواء (5/ 101). ورواه ابن أبي شيبة (6/ 519) عن حفص عن عاصم عن أبي عثمان عن عمر. ورواه ابن عائذ ـ كما في تاريخ دمشق (2/ 183) ـ من طريق مولى لآل الزبير عن عبد الله بن عمر عن عمر. وروى أبو عبيد (394، 395، 396) وابن أبي شيبة (6/ 519) وابن زنجويه (466، 468، 464) من طرقٍ عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، وعن قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس، أنه اشترط عليهم ضيافة يوم وليلة، وحسنه الألباني في الإرواء (1262)، وكذلك رواه ابن أبي شيبة (6/ 519)، وابن زنجويه (465) من طريق قيس بن مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر، ورواه ابن أبي شيبة (6/ 519) من طريق سعيد بن وهب عن رجل من الأنصار عن عمر.

ص: 289

«أطعموهم مما تأكلون»

(1)

، وقد أحلّ الله ذلك في كتابه.

ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعامًا، فدعوه، فقال: أين هو؟ قالوا: في الكنيسة، فكره دخولها، وقال لعلي رضي الله عنه: اذهب بالناس، فذهب عليّ بالمسلمين، فدخلوا وأكلوا، وجعل عليّ ينظر إلى الصُّوَرِ، وقال:«ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل؟»

(2)

.

(1)

رواه عبد الرزاق (19266)، وابن زنجويه في الأموال (467) من طريق موسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت أسلم يحدّث ابنَ عمر أنّ أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر فقالوا: إن المسلمين إذا نزلوا بنا كلّفونا الغنم والدجاج، فقال عمر:«أطعموهم من طعامكم الذي تأكلون ولا تزيدوهم على ذلك» ، ورواه عبد الرزاق (10096، 19267) وابن زنجويه (134) من طريق أيوب عن نافع بنحوه، ومن طريق ابن زنجويه الثانية رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 184).

(2)

عزاه ابن قدامة في المغني (8/ 113) لابن عائذ في فتوح الشام، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 6) من طريق ابن عائذ عن الوليد قال: حدثنا عبد الله بن زياد بن سمعان وهشام بن سعد يسمع أنّ نافعا حدثه

وذكر القصة بنحوها، وعبد الله بن زياد متروك متّهم بالكذب. لكن امتناع عمر من إجابة الدعوة لأجل ما في الكنائس من التماثيل ثابتٌ، علقه البخاري عنه بصيغة الجزم في المساجد، باب: الصلاة في البيعة، ووصله وكيع ـ كما في فتح الباري لابن رجب (2/ 436) ـ عن عبد الله بن نافع، وعبد الرزاق (1611، 19486) وابن أبي شيبة (5/ 198، 7/ 10) من طريق أيوب، وابن عائذ ـ كما في تاريخ دمشق (42/ 6) ـ من طريق هشام بن سعد، والبخاري في الأدب المفرد (1248) من طريق محمد بن إسحاق، أربعتهم عن نافع عن أسلم عن عمر. ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 193)، والبيهقي في الكبرى (7/ 268).

ص: 290

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل ابنيْ ابنته في أفواههما

(1)

، ويشرب من موضع فِي عائشة، ويتعرّق العَرْقَ، فيضع فاهُ على موضع فِيها، وهي حائض

(2)

.

وحمل أبو بكر رضي الله عنه الحسن على عاتقه؛ ولعابُه يسيل عليه

(3)

.

(1)

روى الطبراني في الكبير (3/ 49) عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقفية الحسن والحسين حتى وضع أفواههما على فيه ثم قال: «اللهم إني أحبّهما، فأحبَّهما، وأحبَّ من يحبهما» ، قال الهيثمي في المجمع (9/ 288):«فيه من لم أعرفهم» ، ورواه ابن أبي شيبة (6/ 380) والبخاري في الأدب المفرد (249) والطبراني (3/ 49) وابن عساكر في تاريخه (13/ 194) عن أبي مُزرّد عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال للحسن أو الحسين:«افتح فاك» ، ثم قبّله، ثم قال:«اللهم أحبَّه فإني أحبّه» ، قال الهيثمي (9/ 281):«أبو مزرّد لم أجد من وثقه، وبقية رجاله رجال الصحيح» ، وهو في السلسلة الضعيفة (3486). وروى ابن أبي شيبة (6/ 380) وأحمد (4/ 172) ـ ومن طريقه ابن عساكر (14/ 148) ـ وابن أبي الدنيا في العيال (221) عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحك الحسين حتى أخذه، فوضع إحدى يديه تحت قفاه، والأخرى تحت ذقنه، فوضع فاه على فيه فقبّله

صححه ابن حبان (6971)، والحاكم (4820)، وابن أبي راشد قال عنه ابن حجر:«مقبول» .

(2)

أخرجه مسلم (300) عن عائشة.

(3)

هكذا ذكره ابن قدامة في المغني (1/ 99)، ولم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ، والذي في البخاري (3349) وغيره من المصادر أنه حمله على عاتقه وقال:«بأبي شبيه بالنبيّ لا شبيه بعلي» ، وليس فيه ذكر اللعاب، فالله أعلم.

ص: 291

وأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، فوضعه في حِجره، فبال عليه؛ فدعا بماء، فنضحه ولم يغسله

(1)

.

وكان يؤتى بالصبيان، فيضعهم في حِجره يُبرِّك عليهم، ويدعو لهم

(2)

.

وهذا الذي ذكرناه قليل من كثير من السنة، ومن له اطِّلاع على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا تخفي عليه حقيقة الحال.

وقد روى الإمام أحمد في «مسنده»

(3)

عنه صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بالحنيفيّة

(1)

أخرجه مسلم (286) عن عائشة.

(2)

أخرجه مسلم (286) أيضًا.

(3)

مسند أحمد (5/ 266) من طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة به في قصة الرجل الذي مرّ بغار فحدثته نفسه أن يقيم فيه ويتخلّى من الدنيا، وبهذا الإسناد رواه الطبراني في الكبير (8/ 216)، ومن طريق أحمد رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 430) وابن عساكر في الأربعون في الحث على الجهاد (15)، وضعفه ابن رجب في الفتح (1/ 136)، والعراقي في المغني (3841)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 508):«فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف» ، وقواه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (2924). ورواه الطبراني (8/ 222) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد به وذكر قصّة ابن مظعون مع امرأته، وعثمان ضعفوه في روايته عن الألهاني. ورواه الروياني (1279)، والطبراني (8/ 170) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة به وذكر قصة ابن مظعون، قال الهيثمي (4/ 555):«فيه عفير وهو ضعيف» . وفي الباب عن ابن عباس وجابر وعائشة وأبي هريرة وابن عمر وأسعد بن عبد الله الخزاعي وعن أبي قلابة وحبيب بن أبي ثابت مرسلًا.

ص: 292