الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذوف؛ أي: هو الله المتصف بملك ما في السماوات وما في الأرض. وقرأ باقي العشرة والأصمعي عن نافع: {الله} - بالجرّ - على أنه بدل في قول ابن عطية والحوفي وأبي البقاء وعلى أنّه عطف بيان على قول الزمخشري؛ لكونه من الأعلام الغالبة كالنجم على الثريا؛ لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي يحق له العبادة، فلا يصح وصف ما قبله به؛ لأن العلم لا يوصف به. وقيل: يجوز إن يوصف به من حيث المعنى. وقال أبو عمرو: إن قراءة الجر محمولة على التقديم والتأخير، والتقديم: إلى صراط الله العزيز الحميد، وكان يعقوب إذا وقف على الحميد رفع، وإذا وصل خفض. قال ابن الأنباري: من خفض وقف على {وَمَا فِي الْأَرْضِ} .
ثم توعد سبحانه الذين جحدوا آياته وكفروا بوحدانيته، فقال:{وَوَيْلٌ} الويل (1): الهلاك والدمار، وهو مبتدأ خبره {لِلْكَافِرِينَ} بالكتاب، وأصله: النصب كسائر المصادر إلا أنه لم يشتق منه فعل، لكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه، فيقال: ويل لهم كسلام عليكم {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} {مِنْ} : لبيان الجنس صفة لـ {وَوَيْلٌ} ، أو حال من ضميره في الخبر، أو ابتدائية متعلقة بالويل على معنى: إنهم يولون ويصيحون ويضجون من العذاب الشديد الذي صاروا إليه، ويقولون: يا ويلاه كقوله تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} .
والمعنى: أي وهلاك (2) ودمار بشديد العذاب يوم القيامة لمن كفر بك ولم يستجب دعوتك بإخلاص التوحيد لخالق السماوات والأرض، وترك عبادة من لا ليملك لنفسه شيئًا، بل هو مملوك له تعالى؛ لأنه بعض ما في السماوات ثم وصف سبحانه أولئك الكافرين بصفات ثلاث:
3
- 1 {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} الموصول في محل الجر
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
بدل من {الكافرين} أو صفة له، والاستحباب: استفعال من المحبة؛ أي: وويل وهلاك بعذاب شديد كائن للكافرين الذين يختارون الحياة الدنيا ويوثرونها على الحياة الآخرة الأبدية، فإن المؤثر للشيء على غيره، كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من غيره.
قال ابن عباس (1) رضي الله عنهما: يأخذون ما تعجل فيها تهاونًا بأمر الآخرة، وهذا من أوصاف الكافر الحقيقي، فإنه يجد ويجتهد في طلب الدنيا وشهواتها، ويترك الآخرة بإهمال السعي في طلبها، واحتمال الكلفة والمشقة في مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع، فينبغي للمؤمن الحقيقي أن لا يرضى باسم الإسلام، ولا يقنع بالإيمان التقليدي، فإنه لا يخلو عن الظلمات بخلاف الإيمان الحقيقي، فإنه نور محض وليس منه تغيير أصلًا.
والمعنى: أي إن أولئك الكافرين يطلبون الدنيا ويعملون لها ويتمتعون بلذاتها، ويقترفون الآثام ويرتكبون الموبقات، ويؤثرون ذلك على أعمال الآخرة التي تقربهم إلى الله زلفى، وينسون يومًا تجازى فيه كل نفس بما عملت، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤييه ومن في الأرض جميعًا.
2 -
{وَيَصُدُّونَ} الناس ويمنعونهم {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ أي: عن قبول دينه الذي شرعه لعباده، وجملة {يصدون} وكذلك {وَيَبْغُونَهَا} معطوفتان على {يَسْتَحِبُّونَ}؛ أي: ويمنعون من تتجه عزائمهم إلى الإيمان باللهِ، واتباع رسوله فيما جاء به من عند ربه أن يؤمنوا به ويتبعوه؛ لما زين لهم الشيطان من سلوك سبيل الطغيان، وران على قلوبهم من الفجور والعصيان، والبعد عن كل ما يقرب إلى الرحمن. وقرأ الحسن شذوذًا (2):{وَيُصِدُّونَ} مضارع أصد الداخل عليه همزة النقل، من صد اللازم صدودًا.
3 -
{وَيَبْغُونَهَا} ؛ أي: ويبغون لها، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.
الضمير {عِوَجًا} ؛ أي: ويطلبون لها زيغًا واعوجاجًا وميلًا عن الحق؛ لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم؛ أي: يقولون لمن يريدون صده وإضلاله: إنها سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة.
والمعنى: أي (1) ويطلبون لها الزيغ والعوج، وهي أبعد ما تكون من ذلك، ويقولون لمن يريدون صدهم وإضلالهم عن سبيل الله ودينه، إن ذلك الدين ناء عن الصراط المستقيم وزائغ عن الحق واليقين، وإنك لتسمع كثيرًا من الملحدين يقول: إن القوانين الإِسلامية في الحدود والجنايات شديدة غاية الشدة، وإنها تصلح للأمم العربية في البادية، لا للأمم التي أخذت قسطًا عظيمًا من الحضارة {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .
فتلك شريعة دانت لها أمة غيرت وجه البسيطة (2)، وملكت ناصية العالم ردحًا من الزمان، وكانت مضرب الأمثال في العدل وترك الجور، وثلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وامتلكت بلادهم، وأزالت عزهم وسلطانهم إلى أن غير أهلها معالمها، فأركسهم الله بما كسبوا، فبدل عزهم ذلًّا وسعادتهم شقاء، وتلك سنة الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون لاستعمارها. واجتماع هذه الخصال الثلاثة نهاية الضلال، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق، فقال:{أُولَئِكَ} الموصوفون بالقبائح المذكورة {فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} عن طريق الحق؛ أي: ضلوا ووقعوا عنه بمراحل، فلا يوجد ضلال أكمل من هذا الضلال.
والبعد في الحقيقة من أحوال الضال (3)؛ لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق، فوصف به فعله مجازًا للمبالغة، وفي جعل الضلال محيطًا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة؛ أي: فهم باختيارهم لأنفسهم حيث العاجلة، وصدهم عن الدين وابتغائهم له الزيغ والعوج في ضلال بعيد عن الحق، لا يرجى لهم فلاح، وأنى لهم ذلك وقد كبوا على وجوههم، وزين لهم الفساد والغي،
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
روح البيان.