المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقرأ الجمهور (1): {بِقَدَرِهَا} - بفتح الدال -، وقرأ الأشهب - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وقرأ الجمهور (1): {بِقَدَرِهَا} - بفتح الدال -، وقرأ الأشهب

وقرأ الجمهور (1): {بِقَدَرِهَا} - بفتح الدال -، وقرأ الأشهب العقيلي وزيد بن علي وأبو عمرو في رواية شذوذًا بسكونها. وقرأ حمزة والكسائي وحفص وابن محيصن ومجاهد وطلحة ويحيى وأهل الكوفة:{يوقدون} بالياء على الغيبة؛ أي: يوقد الناس. وقرأ باقي السبعة والحسن وأبو جعفر والأعرج وشيبة {توقدون} بالتاء على الخطاب. وقرأ رؤبة شاذًا: {جفالًا} باللام بدل الهمزة من قولهم: جفلت الريح السحاب إذا حملته وفرقته، وعن أبي حاتم: لا يقرأ بقراءة رؤبة؛ لأنه كان يأكل الفأر بمعنى: أنه كان أعرابيًّا جافيًا. وعن أبي حاتم أيضًا: لا تعتبر قراءة الأعراب في القرآن.

‌18

- ولما فرغ سبحانه وتعالى (2) من بيان شأن كل من الحق والباطل في الحال والمآل وأتم البيان .. شرع يبين حال أهلهما مآلًا ترغيبًا فيهما، وترهيبًا وتكملة لوسائل الدعوة إلى الحق والخير، وتنفيرًا عن سلوك طرق الباطل والشر، فقال:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} ؛ أي: للمؤمنين الذي أجابوا ربهم في الدنيا إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله {الْحُسْنَى} ؛ أي: المثوبة الحسنة في الآخرة والمنفعة الدائمة الخالصة عن شوائب المضرة المقرونة بالإجلال؛ وهي الجنة، وسميت بذلك؛ لأنها في نهاية الحسن؛ أي: للذين أطاعوا الله ورسوله وانقادوا لأوامره وصدقوا ما أخبر به فيما نزل عليه من عند ربه المثوبة الحسنى الخالصة من الكدر والنصب؛ الدائمة المقترنة بالتعظيم والإجلال والآية بمعنى قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وقوله: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} .

{وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} سبحانه وتعالى دعوته إلى التوحيد؛ أي: والأشقياء الذين لم يجيبوا دعوته تعالى إلى التوحيد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يطيعوه ولم يمتثلوا أوامره، ولم ينتهوا عما نهى عنه، وعاندوا الحق واستمروا على كفرهم وشركهم وما كانوا عليه. {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} من

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 223

نقودها وأمتعتها وضياعها؛ أي: لو ثبت كون جميع ما في الأرض لهم من أصناف الأموال التي يتملكها العباد، ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شيء {و} أن {مثله}؛ أي: مثل ما في الأرض جميعًا لهم حالة كونه كائنًا {مَعَهُ} ؛ أي: كائنًا مع ما في الأرض ومنضمًا إليه {لَافْتَدَوْا بِهِ} ؛ أي: بمجموع ما ذكر، وهو ما في الأرض ومثله؛ أي: لجعلوا ما في الأرض ومثله فداء أنفسهم من العذاب الأليم؛ لأن محبوب كل إنسان ذاته، فإذا كانت نفسه في ضور وكان مالكًا لكل شيء فإنه يرضى أن يجعل جميع ملكه فداء لها؛ لأنه حب ما سواها ليكون وسيلة إلى مصالحها.

والحال: أن للذين لم يستجيبوا لربهم أنواعًا من العذاب:

الأول منها: أنهم من شدة ما يرون من هول العذاب لو استطاعوا أن يجعلوا ما في الأرض جميعًا ومثله معه فديةً لأنفسهم .. لفعلوا، ولو فادوا به .. لم يقبل منهم، فإن المحبوب أولًا لكل إنسان هو ذاته، وما سواها فيحبه لكونه وسيلةً إلى مصالحها، فإذا كان مالكًا لهذا العالم كله ولما يساويه جعله فداء لنفسه؛ وفي هذا من التهويل الشديد ومن سوء ما يلقاهم في ذلك اليوم ما لا يخفى على من اعتبر وتذكر.

والثاني منها: ما ذكره بقوله: {أُولَئِكَ} المعاندون الذين لم يستجيبوا لربهم {لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} ؛ أي: قبيح الحساب وشديد المناقشة؛ فيناقشون على الجليل والفقير والحقير، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: الحساب السيء، وهو أن يحاسب الرجل على كل ما عمل من الذنوب، ولا يغفر له شيء منه، والمناقشة في الحساب أن يستقصي فيه بحيث لا يترك منه شيء، يقال: ناقشه الحساب إذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قلبي، ولا كثيرًا. وفي الحديث:"من نوقش الحساب عذب". وقال النواوي: هذا لمن لم يحاسب نفسه في الدنيا، فيناقض بالصغيرة والكبيرة، فأما من تاب وحاسب نفسه .. فلا يناقش كما في "الفتح القريب" ذلك أن كفرهم أحبط أعمالهم، وارتكابهم للشرور والآثام ران على قلوبهم وجعلها تستمرىء الغواية والضلالة، وحبهم للدنيا جعلهم يعرضون

ص: 224