المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فإن قيل: كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فإن قيل: كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار

فإن قيل: كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكًا؟

فقد أجاب المفسرون عنه بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه يجوز أن يكون ذلك عن أمر الله تعالى وهو الأظهر.

والثاني: لئلا يظن الملك بتعجيل استدعائه أهله شدة فاقتهم.

والثالث: أنه أحب بعد خروجه من السجن أن يدرج نفسه إلى كمال السرور. والصحيح أن ذلك كان عن أمر الله تعالى ليرفع درجة يعقوب بالصبر على البلاء، وكان يوسف يلاقي من الحزن لأجل حزن أبيه عظيمًا، ولا يقدر على دفع سببه.

{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ} ؛ أي: أعلم (1) من لطفه وإحسانه وثوابه على المصيبة {مَا لَا تَعْلَمُونَ} ـه أنتم، وقيل: أراد علمه بأن يوسف حي، وقيل: أراد علمه بأن رؤياه صادقة، وقيل: أعلم من إجابة المضطرين إلى الله ما لا تعلمون، فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ولا يخيب رجائي.

والخلاصة (2): أي وأنا أعلم في ابتلائي بفراقه مع حسن عاقبته ما لا تعلمون، فاعلم أنه حي يرزق، وأن الله يجتبيه ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب، وأنتم تظنون أن يوسف قد هلك، وأن بنيامين قد سرق فاسترقَّ، وتحسبون أني بحزني ساخط على قضاء الله تعالى في شيء أمضاه ولا مرد له، وأنا أعلم أن لهذا أجلًا هو بالغه، وإني لأرى البلاء ينزل عليكم من كل جانب بذنوبكم وبتفريطكم في يوسف من قبل وبأخيه الذي كان يسليني عنه من بعده.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: أنا أعلم أن رؤيا يوسف حق، وأنني سأسجد له.

‌87

- وقال السدي (3): لما أخبره أولاده بسيرة الملك .. أحست نفسه، فطمع وقال: لعله يوسف، فقال:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا} إلى مصر

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 90

وارجعوا إليها {فَتَحَسَّسُوا} ؛ أي: فتعرفوا {مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} بنيامين، وابحثوا فيها من خبرهما بحواسكم من سمع وبصر حتى تكونوا على يقين من أمرهما. فقوله:{اذْهَبُوا} أمر بالذهاب إلى الأرض التي جاؤوا منها وتركوا بها أخويهم بنيامين والمقيم بها. وقوله: {فَتَحَسَّسُوا} أمر بالتحسس وهو الاستقصاء والطلب بالحواس، ويستعمل في الخير والشر. والتحسس - بمهملات - طلب الشيء بالحواس مأخوذ من الحس أو من الإحساس. وقرىء (1) بالجيم كالذي في الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا} وهو أيضًا التطلب. وفي "الإحياء" بالجيم: في تطلع الأخبار، وبالحاء: في المراقبة بالعين، وقال في "إنسان العيون" أما بالحاء: أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه، وأما بالجيم: أن يفحص عنها بغيره، وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى.

والمعنى: اذهبوا فتعرفوا خبر يوسف وأخيه وتطلبوه، وإنما (2) خصهما ولم يذكر الثالث، وهو الذي قال: فلن أبرح الأرض واحتبس بمصر؛ لأن غيبته اختيارية لا يعسر إزالتها؛ لأنه إنما أقام مختارًا.

{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} ؛ أي: ولا تقنطوا من فرجه سبحانه وتعالى وتنفيسه عن النفس هذا الكرب بما ترتاح إليه الروح، ويطمئن به القلب. وقرأ (3) الجمهور:{تَيْأَسُوا} ، وفرقة:{تَيْأَسُوا} . وقرأ الأعرج: {تَئَسُوا} - بكسر التاء - والقراءتان اللتان عدا قراءة الجمهور شاذتان. واليأس والقنوط: انقطاع الرجاء. و {رَوْحِ اللَّهِ} - بفتح الراء -: رحمته وفرجه وتنفيسه؛ أي: إزالته الكرب عن النفس. قال ابن عطية: وكان معنى هذه القراءة: لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه، فإن من بقي روحه يرجى حضوره، ومن هذا قول الشاعر:

وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع

ومن هذا قول عبيد بن الأبرص:

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

(3)

البحر المحيط.

ص: 91