المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لك، وحسن مآب معطوف عليها.   ‌ ‌30 - {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل إرسالنا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: لك، وحسن مآب معطوف عليها.   ‌ ‌30 - {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل إرسالنا

لك، وحسن مآب معطوف عليها.

‌30

- {كَذَلِكَ} ؛ أي: مثل إرسالنا الرسل إلى أممهم قبلك وإعطائنا إياهم كتبًا تتلى عليهم {أَرْسَلْنَاكَ} وبعثناك يا محمَّد {فِي أُمَّةٍ} ؛ أي: إلى جماعة كثيرة. فـ {فِي} (1) هنا بمعنى: إلى، كما في قوله تعالى:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . وفي "بحر العلوم" وإنما عدى الإرسال بـ {فِي} وحقه أن يعدى بإلى؛ لأن الأمة موضع الإرسال؛ أي: أرسلناك إلى أمة {قَدْ خَلَتْ} مضت وتقدمت {مِنْ قَبْلِهَا} ؛ أي: من قبل هذه الأمة التي أرسلناك إليها، فالضمير عائد على أمة باعتبار لفظها {أُمَمٌ}؛ أي: قد مضت من قبل هذه الأمة أمم كثيرة وقرون عديدة قد أرسلنا إليهم رسلنا من قبلك، فليس ببدع إرسالك إلى أمتك، فكيف ينكرون رسالتك، ثم علل الإرسال، فقال:{لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ} ؛ أي: على أمتك، فالضمير راجع إلى {أُمَّةٍ} باعتبار معناها، ولو عاد إلى لفظها، لقال: لتتلو عليها؛ أي: أرسلناك إليهم لكي تقرأ على تلك الأمة الكتاب العظيم {الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وهو القرآن وما فيه من شرائع الإِسلام وتزينهم بحلية الإيمان، فإن المقصود (2) من نزول القرآن هو العمل بما فيه، وتحصيل السيرة الحسنة لا التلاوة المحضة والاستماع المجرد، فالعامي المتعبد راجل سالك، والعالم المتهاون راكب نائم. وجملة قوله:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} حال من {أُمَّةٍ} ؛ أي: أرسلناك إلى أمة قد خلت من قبلها أمم، والحال أنهم؛ أي: أن أمتك يكفرون وينكرون باللهِ الواسع الرحمة، ولا يعرفون قدر رحمته وإنعامه عليهم بإرسالك وإنزال الكتاب العظيم عليهم، والضمير في {وَهُمْ} عائد على {أُمَّةٍ} من حيث المعنى، ولو عاد على لفظها لكان التركيب: وهي تكفر بالرحمن. اهـ. "سمين".

والمعنى: أي كما (3) أرسلنا إلى الأمم الماضية رسلًا فكذبوهم، كذلك أرسلناك في هذه الأمة لتبليغهم رسالة الله إليهم، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

(3)

المراغي.

ص: 260

بأولئك، فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم.

وخلاصة ذلك: أننا كما أرسلنا إلى أمم من قبلك، وأعطيناهم كتبًا تتلى عليهم أرسلناك وأعطيناك هذا الكتاب لتتلوه عليهم، فلماذا يقترحون غيره {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}؛ أي: والحال أنهم كفروا بمن أحاطت بهم نعمه ووسعت كما شيء رحمته، ولم يشكروا نعمه وفضله عليهم، ولا سيما إحسانه إليهم بإرسالك وإنزال القرآن عليك، وهو الكفيل بمصالح الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} .

وكفرهم به أنهم جحدوه بتاتًا، أو أثبتوا له الشركاء. وروي أنَّ أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول "يا الله يا رحمن"، فرجع إلى المشركين، وقال: إن محمدًا يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعني به: مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة؟ وهي بلدة في البادية، فنزلت هذه الآية. {قُل} لهم يا محمَّد {هُوَ}؛ أي: الرحمن الذي كفرتم به وأنكرتم معرفته {رَبيِّ} ؛ أي: خالقي ومتولي أموري. وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبر بعد خبر؛ أي: هو جامع لهذين الوصفين من الربوبية والألوهية، فلا مستحق للعبادة سواه. ومعنى:{لَاَ إلَهَ إلَّا هُوَ} هو الواحد المختص بالإلهية، فلا يستحق العبادة له والإيمان به سواه.

والمعنى: قل لهم يا محمَّد إن الرحمن الذي كفرتم به هو خالقي ومتولي أمري ومبلغي مراتب الكمال، لا رب غيره ولا معبود سواه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشًا كتب في الكتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه، وكان أهل الجاهلية يكتبون: باسمك اللهم، فقال أصحابه: دعنا نقاتلهم، قال:"لا اكتبوا كما يريدون" اهـ.

{عَلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره {تَوَكَّلْتُ} واعتمدت في جميع أموري، وإليه أسندت أمري في العصمة من شركم والنصرة عليكم {وَإِلَيْهِ} تعالى

ص: 261