المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للمشاكلة، وما أقوى الحق وأثبته وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: للمشاكلة، وما أقوى الحق وأثبته وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت

للمشاكلة، وما أقوى الحق وأثبته وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت الدعائم متين الأركان.

والخلاصة: أن أرباب النفوس العالية، وكبار الفكرين هم أصحاب الكلمة الطيبة، وعلومهم تعطي أممهم نعمًا ورزقًا في الدنيا، وهي مستقرة في نفوسهم، وفروعها ممتدة إلى العوالم العلوية والسفلية، وتثمر كل حين لأبناء أمتهم ولغيرهم، فيهتدي بها المؤمنون، وما أشبههم بالنخلة التي لها أصل مستقر وفروع عالية وثمر دائم، ويأكل الناس منها صيفًا وشتاء، وأرباب الشهوات والنفوس الضعيفة والمقلدون في العلم هم أصحاب الكلمة الخبيثة التي لا ثبات لها كالحنظل.

‌27

- وبعد أن وصف الله سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بما سلف .. أخبر بفوز أصحابها ببغيتهم في الدنيا والآخرة، فقال:{يُثَبِّتُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ وصدقوا بوحدانيته وبما جاءت به رسله على دينهم، وهذا راجع للمثل الأول، وقوله:{وَيُضِلُّ اللَّهُ} . إلخ. راجع للمثل الثاني: {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الذي ثبت عندهم بالحجة، وتمكن في قلوبهم، وهو قول: لا إله إلا الله. {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؛ أي: قبل (1) موتهم، فإذا ابتلوا وافتتنوا في الحياة الدنيا .. ثبتوا عليه، ولم يرجعوا عنه، ولو عذبوا أنواع العذاب كمن تقدمنا من الأنبياء والصالحين مثل زكريا ويحيى، والذين قتلهم أصحاب الأخدود، والذين مشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما جرى لبلال وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {و} يثبتهم على دينهم الحق {فِي الْآخِرَةِ}؛ أي: في القبر عند سؤال منكر ونكير، وفي سائر المواطن وقت المسألة يوم القيامة، والقبر من الآخرة، فإنه أول منزل من منازل الآخرة. وقيل:{في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني (2): في القبر عند السؤال {وَفِي الْآخِرَةِ} يعني: يوم القيامة عند البعث والحساب، وهذا القول واضح.

(1) روح البيان.

(2)

الخازن.

ص: 380

والمعنى: أي يثبتهم بالكلمة الطيبة التي ذكرت صفاتها العجيبة فيما سلف من مدة حياتهم إذا وجد من يفتنهم عن دينهم ويحاول زللهم، كما جرى لبلال وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الموت في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة حين يقال له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإِسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مواقف القيامة فلا يضطربون إذا سئلوا عن معتقدهم، ولا تدهشهم الأهوال.

أخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أنه قال في الآية: التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر، فقالا له: من ربك؟ قال: ربي الله، وقالا: وما دينك؟ قال: ديني الإسلام، وقالا: وما نبيّك؟ قال: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم.

وعن عثمان بن عفان قال: كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال:"استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل" أخرجه أبو داود. وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره وفي جوابه لهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضعها نسأل الله التثبيت في القبر وحسن الجواب بمنه وكرمه إنه على ما يشاء قدير.

وعلى هذا (1): فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة قبل الموت، وبالآخرة ما بعد الموت من القبر ويوم القيامة والعرض للحساب. وبعد أن وصف الكلمة الخبيثة في الآية المتقدمة بين حال أصحابها بقوله:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} ؛ أي: يضلهم (2) عن حجتهم التي هي القول الثابت، فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا. والمراد بالظالمين هنا الكفرة؛ لأنهم ظلموا أنفسهم بتبديلهم فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعدم اهتدائهم إلى القول الثابت. وقيل: كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن، ولا يهتدي إلى الحق. وقيل معنى:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} ؛ أي: يخلق (3) الله في الكفرة

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

(3)

روح البيان.

ص: 381

والمشركين الضلال، فلا يهديهم إلى الجواب بالصواب، كما ضلوا في الدنيا، ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان، لا راد لحكمه ولا يسأل عما يفعل، فقال:{وَيَفْعَلُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى في عباده {مَا يَشَاءُ} ويريد من تثبيت وإضلال؛ أي: خلق ثبات في بعضٍ، وخلق ضلالٍ في آخرين من غير اعتراض عليه. وأخرج (1) ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره، فإذا دخل قبره أقعد، فقيل له: من ربك؟ لم يرجع إليهم شيئًا، وأنساه الله تعالى ذكر ذلك، وإذا قيل له: من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له، ولم يرجع إليهم شيئًا، فذلك قوله تعالى:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} .

{وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ؛ أي: وبيده تعالى الهداية والإضلال بحسب ما تقتضيه سننه العامة التي سنها في عباده بحسب استعداد النفوس وقبولها لكل منهما، فلا تنكروا قدرته على اهتداء من كان ضالًا وإضلال من كان منكم مهتديًا، فإن بيده تعالى تصريف خلقه وتدبيرهم وتقليب قلوبهم، يفعل فيهم ما يشاء من إرشاد وإضلال، لا يسئل عما يفعل وهم يسألون، فسبحانه من حكيم عليم.

الإعراب

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)} .

{وَقَالَ اَلَذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {كَفَرُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {لِرُسُلِهِمْ} : جار ومجرور متعلق بقالوا. {لَنُخْرِجَنَّكُمْ} إلى قوله: {فَأَوْحَى} : مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَنُخْرِجَنَّكُمْ} : (اللام): موطئة للقسم. {نُخْرِجَنَّكُمْ} : فعل مضارع ومفعول به في محل الرفع؛ لتجرده عن الناصب والجازم مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. {مِنْ أَرْضِنَا} : متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الكفار، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة

(1) المراغي.

ص: 382

القسم في محل النصب مقول قالوا: {أَوْ} : حرف عطف وتخيير. {لَتَعُودُنَّ} : (اللام): موطئة للقسم. {تَعُودُنَّ} : فعل مضارع ناقص؛ لأنه من أخوات صار مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، وواو الجماعة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين في محل الرفع اسمها، والنون المشددة حرف تأكيد. {في مِلَّتِنَا}: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر عاد تقديره: أو لتعودن داخلين في ملتنا، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على جملة القسم الأول على كونها مقولًا لقالوا. {فَأَوْحَى}:(الفاء): حرف عطف وتفريع. {أَوْحَى} : فعل ماضٍ. {إِلَيْهِمْ} : متعلق به. {رَبُّهُمْ} : فاعل، والجملة معطوفة مفرغة على جملة قالوا. {لَنُهْلِكَنَّ}:(اللام): موطئة للقسم. {نُهْلِكَنَّ} : فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير يعود على الله. {الظَّالِمِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: وقال لنهلكن الظالمين.

{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)} .

{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ} (الواو): عاطفة. (اللام): موطئة للقسم. {نُسْكِنَنَّكُمُ} : فعل مضارع، ومفعول به مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على الله. {الْأَرْضَ}: منصوب على الظرفية متعلق به. {مِنْ بَعْدِهِمْ} : جار ومجرور متعلق به أيضًا، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{لَنُهْلِكَنَّ} على كونها مقولًا لقول محذوف. {ذَلِكَ} : مبتدأ. {لِمَنْ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لقول محذوف. {خَافَ مَقَامِي}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة صلة الموصول، {وَخَافَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة معطوفة على جملة {خَافَ} الأول. {وَعِيدِ}: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بالكسرة الممنوعة بسكون الوقف.

ص: 383

{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} .

{وَاسْتَفْتَحُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ}: فعل وفاعل. {عَنِيدٍ} : صفة لـ {جَبَّارٍ} ، والجملة معطوفة على جملة محذوفة تقديره: واستفتحوا فنصروا وسعدوا وربحوا، وخاب كل جبار عنيد. {مِنْ وَرَائِهِ}: جار ومجرور خبر مقدم. {جَهَنَّمُ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الجر صفة ثانية لـ {جَبَّارٍ} ، ويجوز أن تكون الصفة وحدها الجار، و {جَهَنَّمُ}: فاعل به. {وَيُسْقَى} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {جَبَّارٍ}. {مِنْ مَاءٍ}: متعلق به. {صَدِيدٍ} : عطف بيان، أو بدل من {مَاءٍ} ، والجملة في محل الجر معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها صفة لـ {جَبَّارٍ} ، عطف جملة فعلية على جملة فعلية.

{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (7)} .

{يَتَجَرَّعُهُ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {جَبَّارٍ} ، والجملة في محل الجر صفة لـ {مَاءٍ} ، أو مستأنفة. {وَلَا يَكَادُ}: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير يعود على {الجبار}. {يُسِيغُهُ}: فعل مضارع ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على {الجبار} ، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كاد، وجملة كاد في محل النصب حال من فاعل {يَتَجَرَّعُهُ} ، أو من مفعوله، أو منهما جميعًا، وقيل: كاد هنا صلة لا عمل لها. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} : فعل ومفعول وفاعل. {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بيأتي، والجملة معطوفة على جملة {يتجرعه}. {وَمَا} (الواو): حالية. {ما} : حجازية، أو تميمية. {هُوَ}: في محل الرفع اسمها، أو مبتدأ، {بِمَيِّتٍ} ؛ خبرها، أو خبره، والباء زائدة، والجملة في محل النصب حال من ضمير {يَأْتِيهِ}. {وَمِنْ وَرَائِهِ}: جار ومجرور خبر مقدم. {عَذَابٌ} : مبتدأ مؤخر. {غَلِيظٌ} : صفة لـ {عَذَابٌ} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} ، أو مستأنفة.

ص: 384

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} .

{مَثَلُ الَّذِينَ} : مبتدأ ومضاف إليه. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {بِرَبِّهِمْ} : متعلق به، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: مثل الذين كفروا بربهم كائن فيما يتلى، والجملة الاسمية مستأنف. {أَعْمَالُهُمْ}: مبتدأ. {كَرَمَادٍ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره: وما ذلك المثل، فقال: مثل أعمالهم كرماد.

وفي "السمين" قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

} إلخ فيه أوجه:

أحدها: وهو مذهب سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وتكون الجملة في قوله:{أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} مستأنفة جوابًا لسؤال مقدر، كأنه قيل: كيف مثلهم؛ فقيل: كيت وكيت.

والثاني: أن يكون {مَثَلُ} : مبتدأ أول، و {أَعْمَالُهُمْ}: مبتدأ ثان، و {كَرَمَادٍ}: خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول.

والثالث: أن يكون {مَثَلُ} مبتدأ، و {أعْمَالُهُمْ}: بدل منه بدل اشتمال، و {كَرَمَادٍ} الخبر اهـ. {اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}: فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق به، والجملة في محل الجر صفة لـ {رَمَادٍ}. {في يَوْمٍ عَاصِفٍ}: جار ومجرور وصفة متعلق بـ {اشْتَدَّتْ} . {لَا يَقْدِرُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة كما ذكره أبو البقاء. {مِمَّا}: جار ومجرور حال من شيء؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {كَسَبُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما كسبوه. {عَلَى شَيْءٍ} : جار ومجرور متعلق بـ {يَقْدِرُونَ} . {ذَلِكَ} : مبتدأ. {هُوَ} : ضمير فصل. {الضَّلَالُ} : خبر. {الْبَعِيدُ} : صفة لـ {الضَّلَالُ} ، والجملة الاسمية مستأنفة.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)} .

ص: 385

{أَلَمْ} : الهمزة: للاستفهام التقريري. {لم} : حرف نفي وجزم. {تَرَ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أي مخاطب، والجملة مستأنفة. {أَنَّ اللهَ}: ناصب واسمه. {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} : فعل ومفعول به. {وَالْأَرْضَ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} وفاعله ضمير يعود على {اللهَ} . {بِالْحَقِّ} : جار ومجرور متعلق بـ {خَلَقَ} ، أو حال من فاعل {خَلَقَ} ، أو من المفعول؛ أي: حال كونه متلبسًا بالحق، وجملة {خَلَقَ}: في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي رأى. {إِنْ يَشَأْ}: جازم وفعل مجزوم على كونه فعل شرط لـ {أَنَّ} الشرطية، وفاعله ضمير يعود على {اللهَ}. {يُذْهِبْكُمْ}: فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على {اللهَ} ، وجملة {إنْ} الشرطية: مستأنفة. {وَيَأْتِ} : فعل مضارع معطوف على {يُذْهِبْكُمْ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللهِ}. {بِخَلْقٍ}: متعلق بـ {يَأْتِ} . {جَدِيدِ} : صفة {خَلْقٍ} . {وَمَا} الواو عاطفة {ما} : حجازية، أو تميمية. {ذَلِكَ}: اسمها، أو مبتدأ. {عَلَى اللهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {عَزِيزٍ} . {بِعَزِيزٍ} : خبرها، أو خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة.

{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)} .

{وَبَرَزُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {لِلَّهِ}: متعلق به. {جَمِيعًا} : حال من فاعل {بَرَزُوا} . {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} : فعل وفاعل، و (الفاء): حرف عطف وترتيب، والجملة معطوفة على جملة {بَرَزُوا}. {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {قَالَ} . {اسْتَكْبَرُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} إلى قوله:{قَالوا} : مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنَّا} : ناصب واسمه. {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه. {لَكُمْ} : جار ومجرور متعلق بما بعده. {تَبَعًا} : خبر كان، وجملة كان في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قال} . {فَهَلْ} : (الفاء): حرف عطف وتفريع.

ص: 386

وفي "روح البيان"، و (الفاء): للدلالة على سببية الإتباع للاعتناء. اهـ. {هل} : حرف للاستفهام التوبيخي. {أَنْتُمْ مُغْنُونَ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها مقول {قال}. {عَنَّا}: جار ومجرور متعلق بـ {مُغْنُونَ} . {مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من {شَيْءٍ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {مِن} : زائدة. {شَيْءٍ} : مفعول {مُغْنُونَ} ؛ لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفصيح الصحيح. {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت {لَوْ}: حرف شرط غير جازم. {هَدَانَا اللَّهُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ}. {لَهَدَيْنَاكُمْ}:(اللام): رابطة لجواب {لَوْ} . {هَدَيْنَاكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {سَوَاءٌ} : خبر مقدم لمبتدأ متصيد من الجملة التي بعدها. {عَلَيْنَا} : جار ومجرور متعلق به؛ لأنه بمعنى مستو. {أَجَزِعْنَا} : (الهمزة): لتأكيد التسوية. {جَزِعْنَا} : فعل وفاعل. {أَمْ} : متصلة عاطفة. {صَبَرْنَا} : فعل وفاعل معطوف على {جَزِعْنَا} ، وجملة {جَزِعْنَا} مع ما عطف عليه: في تأويل مصدر مرفوع على كونه مبتدا مؤخرًا لـ {سَوَاءٌ} ، والتقدير: جزعنا وصبرنا مستو علينا، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا}. {مَا}: حجازية، أو تميمية. {لَنَا}: جار ومجرور خبر مقدم لـ {مَا} ، أو للمبتدأ. {مِنْ}: زائدة. {مَحِيصٍ} : اسم {مَا} مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والتقدير: ما محيص كائنًا لنا، أو كائن لنا.

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} .

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {لَمَّا}: حينية في محل النصب على الظرفية. {قُضِيَ الْأَمْر} : فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بـ {قَالَ}. {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه.

ص: 387

{وَعَدَكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ}. {وَعْدَ الْحَقِّ}: منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: في محل النصب مقول {قال} . و {وَوَعَدْتُكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جمة {إِنَّ} على كونها مقول {قال}. {فَأَخْلَفْتُكُمْ}:(الفاء): عاطفة. {أخلفتكم} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {وَعَدْتُكُمْ}. {وَمَا}:(الواو): عاطفة. {ما} : نافية. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {لِيَ} : جار ومجرور خبر مقدم لـ {كَانَ} . {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {سُلْطَانٍ} ؛ لأنه بمعنى تسلط. {مِنْ سُلْطَانٍ} : اسم {كَانَ} مؤخر، و {من}: زائدة، والتقدير: وما كان سلطان عليكم كائنًا لي، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {أخلفتكم} على كونها مقول {قال}. {إِلَّا}: أداة استثناء منقطع. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {دَعَوْتُكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول في محل النصب بـ {أَن} المصدرية، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على الاستثناء، والتقدير: وما كان لي عليكم من سلطان إلا دعوتي إياكم، فالاستثناء منقطع؛ لأن دعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه؛ أي: لكن دعوتكم فاستجبتم لي. {فَاسْتَجَبْتُمْ} : (الفاء): عاطفة. {استجبتم} : فعل وفاعل معطوف على {دَعَوْتُكُمْ} . {لِيَ} : جار ومجرور متعلق به. {فَلَا} : (الفاء): حرف عطف وتفريع. {لا} : ناهية جازمة. {تَلُومُونِي} : فعل وفاعل ومفعول ونون وقاية مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}. {وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على قوله {فَلَا تَلُومُونِي} .

{مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} .

{مَا} : نافية، أو حجازية. {أَنَا}: مبتدأ، أو اسم {مَا}. {بِمُصْرِخِكُمْ}: خبر المبتدأ، أو خبر {مَا} ، والباء: زائدة، والجملة في محل النصب مقول {قال}. {وَمَا}: الواو: عاطفة. {ما} : حجازية، أو تميمية. {أَنْتُمْ}: اسم {ما} ، أو مبتدأ. {بِمُصْرِخِيَّ}:(الياء): زائدة. {مُصْرِخِيَّ} : خبر {مَا}

ص: 388

الحجازية منصوب، وعلامة نصبه الياء الممنوعة لاشتغال المحل بالياء المجلوبة لحرف جر زائد، وياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه، لأن أصله ما أنتم بمصرخين لي كما سيأتي في مباحث الصرف، والجملة في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها.

{إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

{إِنِّي} : ناصب واسمه. {كَفَرْتُ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قَالَ} ، {بِمَا}:(الباء): حرف جر. {ما} : مصدرية. {أَشْرَكْتُمُونِ} : فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، التاء ضمير لجماعة المخاطبين في محل الرفع فاعل، الميم: حرف دال على الجمع، الواو: حرف زائد لإشباع حركة الميم، والنون: نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به. {مِنْ قَبْلُ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَشْرَكْتُمُونِ} ، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها: في تأويل مصدر مجرور بالباء، الجار والمجرور متعلق بـ {كَفَرْتُ} ، والتقدير: إني كفرت بإشراككم إياي بالله من قبل. {إِنَّ الظَّالِمِينَ} : ناصب واسمه. {لَهُمْ} : خبر مقدم. {عَذَابٌ} : مبتدأ مؤخر. {أَلِيمٌ} : صفة له وجملة الابتداء في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إنَّ}: في محل النصب مقول {قال} إن قلنا: إنه من تمام كلام إبليس اللعين، أو مستأنفة إن قلنا: إنه من كلام الله.

{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)} .

{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة مستأنفة. {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الوصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {آمَنُوا} . {جَنَّاتٍ} : منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ {أُدْخِلَ} . {تَجْرِي} : فعل مضارع. {الْأَنْهَارُ} : متعلق به. {الْأَنْهَارُ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {جَنَّاتٍ} ، ولكنها سببية. {خَالِدِينَ}: حال من اسم

ص: 389

الموصول الواقع نائب فاعل لـ {أُدْخِلَ} . {فِيهَا} : متعلق بـ {خَلِدِينَ} . {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أُدْخِلَ} . {تَحِيَّتُهُمْ} : مبتدأ. {فِيهَا} : جار ومجرور حال من ضمير الغائبين. {سَلَامٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو حال من مرفوع {أدخل} .

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)} .

{أَلَمْ تَرَ} : (الهمزة): للاستفهام التقريري. {لمْ تَرَ} : جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أي مخاطب، والجملة مستأنفة. {كَيْفَ}: اسم استفهام تعجبي في محل النصب على الحال من المفعول الثاني الذي هو {مَثَلًا} . {ضَرَبَ اللَّهُ} : فعل وفاعل بمعنى: صير يتعدى إلى مفعولين. {مَثَلًا} : مفعول ثان. {كَلِمَةً} : مفعول أول، وأخرت عن المفعول الثاني، وهو {مَثَلًا} ، لئلا تبعد عن صفتها. {طَيِّبَةً}: صفة لـ {كَلِمَةً} ، والتقدير: ألم تر كيف صير كلمة طيبة مثلًا حالة كون ذلك المثل كيف؛ أي: حالة كونه مسؤولًا عن حاله من غرابته وإحكامه وتوضيحه، وجملة {ضَرَبَ}: في محل النصب سادة مسد مفعولي رأى. {كَشَجَرَةٍ} : جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي؛ أي: الكلمة الطيبة كائنة كشجرة طيبة، والجملة الاسمية جملة مفسرة للمثل، لا محل لها من الإعراب. {طَيِّبَةٍ} مضاف إليه {أَصْلُهَا ثَابِتٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ {شجرة}. {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها صفة لـ {شجرة} .

{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)} .

{تُؤْتِي} : فعل مضارع بمعنى تعطي، وفاعله ضمير يعود على {شَجَرَةٍ}. {أُكُلَهَا}: مفعول ثان لأتى، والأول محذوف تقديره تؤتي أصحابها أكلها. {كُلَّ حِينٍ}: منصوب على الظرفية متعلق بـ {تُؤْتِي} ، وجملة {تُؤْتِي}: في محل الجر صفة لـ {شجرة} . {بِإِذْنِ رَبِّهَا} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تُؤْتِي} . {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة.

ص: 390

{لِلنَّاسِ} : متعلق به. {لَعَلَّهُمْ} : ناصب واسمه. وجملة {يَتَذَكَّرُونَ} : خبره، وجملة {لعل}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} .

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ} : مبتدأ ومضاف إليه. {خَبِيثَةٍ} : صفة لـ {كلمةٍ} . {كَشَجَرَةٍ} : جار ومجرور خبر مبتدأ، والجملة مستأنفة. {خَبِيثَةٍ}: صفة أولى لـ {شجرة} . {اجْتُثَّتْ} : فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {شجرة}. {مِن فَوْقِ اَلأَرضِ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر صفة ثانية لـ {شجرة}. {مَا}: نافية. {لَهَا} : جار ومجرور خبر مقدم. {مِنْ قَرَارٍ} : مبتدأ مؤخر، و {مِنْ}: زائدة، والجملة الاسمية في محل الجر صفة لـ {شجرة} ، أو في محل النصب حال من الضمير في {اجْتُثَّتْ} ، وهذه الجملة بمنزلة التعليل.

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} .

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {بِالْقَوْلِ} : جار ومجرور متعلق بـ {يُثَبِّتُ} . {الثَّابِتِ} : صفة لـ {القول} . {فِي الْحَيَاةِ} : متعلق بـ {يُثَبِّتُ} أيضًا. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةِ} . {وَفِي الْآخِرَةِ} : جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله. {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يُثَبِّتُ} . {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يُثَبِّتُ} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما يشاء، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} من عاد بمعنى صار؛ أي: لتصيرن داخلين في ملتنا، أصله لتعودونن، حذفت نون علامة الرفع لتوالي الأمثال وواو الجماعة لالتقاء الساكنين، فصار لتعودن، والملة: الدين والشريعة.

ص: 391

{مَقَامِي} والمقام: موقف الحساب. وفي "السمين": وفي {مَقَامِي} ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه مقحم، وهو بعيد، إذ الأسماء لا تقحم.

الثاني: أنه مصدر مضاف للفاعل، قال الفراء: مقامي مصدر مضاف لفاعله؛ أي: قيامي عليه بالحفظ.

الثالث: أنه اسم مكان، قال الزجاج: مكان وقوفه بين يدي للحساب، كقوله:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} ، والمقام - بفتح الميم -: مكان الإقامة، وبالضم فعل الإقامة.

{وَخَافَ وَعِيدِ} ؛ أي: وعيدي بالعذاب، أو عذابي الموعود للكفار على أن يكون الوعيد بمعنى الموعود. والخوف: غم يلحق لتوقع المكروه، والوعيد: الاسم من الوعد.

{وَاسْتَفْتَحُوا} ؛ أي: استنصروا الله تعالى ودعوا عليهم بالعذاب، من الاستفتاح استفعال من الفتح. وفي "القاموس": والفتح كالفِتاحة - بضم الفاء وكسرها -: الحكم بين الخصمين. اهـ. أي: طلبوا الفتح بالنصرة على الأعداء.

{وَخَابَ} ؛ أي: هلك، وقيل: خسر. {كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ، والجبار: العاتي المتكبر عن طاعة الله، والعنيد: المعاند للحق المخالف له، وقيل: الجبار في صفة الإنسان، يقال لمن تجبر بنفسه بادعاء منزلة عالية لا يستحقها، وهو صفة ذم في حق الإنسان. وقيل: الجبار الذي لا يرى فوقه أحدًا. وقيل: الجبار المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه. وقيل: العنيد هو المعوض عن الحق. وقيل: هو المعجب بما عنده، وهو فعيل بمعنى مفاعل؛ أي: بمعنى معاند، كالخليط بمعنى المخالط. اهـ. "كرخي". وقال الزجاج: العنيد الذي يعدل عن القصد، وبمثله قال الهروي، وقال أبو عبيد: هو الذي عند وبغى.

{مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} ؛ أي (1): من بعده جهنم، والمراد بعد هلاكه، على أن

(1) الشوكاني.

ص: 392

وراء هنا بمعنى بعد، ومنه قول النابغة:

حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيْبَةً

وَلَيْس وَرَاءَ الله لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ

أي: ليس بعد الله، ومثله قوله:{وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} ؛ أي: ومن بعده كذا، قال الفراء: وقيل: {وَمِنْ وَرَائِهِ} ؛ أي: من أمامه. قال أبو عبيد هو من أسماء الأضداد، ومنه قول الشاعر:

وَمِنْ وَرَائِكَ يَوْمٌ أَنْتَ بَالِغُهُ

لَا حَاضِرٌ مُعْجِزٌ عَنْهُ وَلَا بَادِيْ

وقال ثعلب: هو اسم لما توارى عنك، سواء كان خلفك أو قدامك. اهـ.

{صَدِيدٍ} : هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطًا بالقيح والدم. وقال محمد بن كعب القرظي: هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر.

{يَتَجَرَّعُهُ} ؛ أي: يكلف (1) على جرعه وبلعه مرة بعد مرة، وتجرع من باب تفعل الخماسي، وفيه احتمالات:

أحدها: أنه مطاوع جرعته بالتشديد، نحو علمته فتعلم.

والثاني: أن يكون للتكلف نحو تحلم؛ أي: يتكلف جرعه، ولم يذكر الزمخشري غيره. ومعنى التكلف أن الفاعل يتعافى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته، كتشجع، إذ معناه: استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها لتحصل. ذكره في "روح البيان".

والثالث: أنه دال على المهلة نحو تفهمته؛ أي: يتناوله شيئًا فشيئًا بالجرع، كما يتفهم شيئًا فشيئًا بالتفهيم.

والرابع: أنه بمعنى جرعه المجرد نحو: عدوت الشيء وتعديته. اهـ. "سمين".

{وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} ؛ أي: ولا يقارب أن يسيغه فضلًا عن الإساغة، بل يغض به، والسواغ انحدار الشراب في الخلق بسهولة وقبول نفس، يقال: ساغ

(1) الفتوحات.

ص: 393

الشراب إذا جاز الخلق بسهولة، وقال بعض المفسرين: إن كاد هنا صلة، والمعنى: يتجرعه ولا يسيغه. اهـ.

{كَرَمَادٍ} والرماد معروف، وهو ما سحقته النار من الأجرام، وجمعه في الكثرة رمد، وفي القلة على أرمد. اهـ. "سمين". وقال ابن عيسى (1): الرماد هو جسم يسحقه الإحراق سحق الغبار، ويجمع على رمد في الكثرة، وأرمدة في القلة، وشذ جمعه على أفعلاء، قالوا: أرمداء ورماد رمدد إذا صار هباء أرق ما يكون.

{اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ومعنى اشتدت به الريح، حملته بشدة وسرعة، والعصف: شدة الريح، وصف به زمانها مبالغة، كما يقال: يوم حار ويوم بارد، والحر والبرد فيهما لا منهما.

{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} : جمع (2): ضعيف، والضعف خلاف القوة، وقد يكون في النفس، وفي البدن، وفي الحال، وفي الرأي، والمناسب للمقام هو الأخير، فإنه لو كان في رأيهم قوة لما اتبعوهم في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم.

{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} : جمع تابع، كخدم جمع خادم، وحرس جمع حارس، ورصد جمع راصد، وهو المستن بآثار من يتبعه؛ أي: تابعين لكم في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم مطيعين لكم فيما أمرتمونا به. {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا} ؛ أي: دافعون عنا، يقال: أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع.

{أجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} الجزع (3): عدم احتمال الشدة، وعدم الصبر على البلاء، وهو نقيض الصبر. قال الشاعر:

جَزِعْتُ وَلَمْ أجْزَعْ مِنَ الْبَيْنِ مَجْزَعَا

وَعَذَّبْتُ قَلْبًا بِالْكَوَاكِبِ مُوْلَعَا

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

(3)

البحر المحيط.

ص: 394

وفي "المصباح": وجزع الرجل جزعًا - من باب تعب - فهو جزع وجزوع مبالغة إذا ضعف من حمل ما نزل به، ولم يجد صبرًا وأجزع غيره.

{مِنْ مَحِيصٍ} ؛ أي: من منجأ (1) ولا مهرب من عذاب الله، يقال: حاص فلان عن كذا؛ أي: فر وزاغ يحيص حيصًا وحيوصًا وحيصانًا، والمعنى: ما لنا وجه نتباعد به عن النار. وفي "المختار": حاص عنه إذا عدل وحاد، وبابه باع وحيوصًا ومحيصًا ومحاصًا وحيصًا بفتح الياء، يقال: ما عنه محيص؛ أي: محيد ومهرب، والانحياص مثله. اهـ. وهو يحتمل أن يكون مكانًا كالمبيت، ومصدرًا كالمغيب.

{وَعْدَ الْحَقِّ} ؛ أي: وعدًا من حقه أن ينجز، أو وعدًا أنجزه. اهـ. "بيضاوي". وفي "السمين": يجوز أن يكون من إضافة الموصوف لصفته؛ أي: الوعد الحق، وأن يراد بالحق صفة الباري تعالى؛ أي: وعدكم الله تعالى وعده، وأن يراد بالحق البعث والجزاء على الأعمال، فتكون إضافة صريحة. اهـ.

{فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} ؛ أي: أجبتموني، فالسين والتاء زائدتان {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} المصرخ (2): المغيث. قال الشاعر:

فَلَا تَجْزَعُوْا إِنِّي لَكُمْ غَيْرَ مُصْرِخٍ

وَلَيْسَ لَكُمْ عَنِّي غَنَاءٌ وَلَا نَصْرُ

والصارخ المستغيث، يقال: صرخ يصرخ صرخًا وصراخًا وصرخة. قال سلامة بن جندل:

كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ

كَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعُ الظَّنَابِيْبِ

واصطرخ بمعنى صرخ وتصرخ إذا تكلف الصراخ، واستصرخ استغاث، فقال: استصرخني فأصرخته، والصريخ مصدر كالصهيل، ويوصف به المغيث والمستغيث من الأضداد. وفي "المصباح": صرخ يصرخ - من باب قتل - صراخًا فهو صارخ، وصريخ إذا صاح وصرخ، فهو صارخ إذا استغاث، واستصرخته، استغثت به فأغاثني فهو صريخ؛ أي: مغيث ومصرخ على القياس.

(1) الشوكاني.

(2)

البحر المحيط.

ص: 395

{وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أصله بمصرخين (1) لي جمع مصرخ، كمسلمين جمع مسلم، فياء الجمع ساكنة وياء الإضافة كذلك، فحذفت الام للتخفيف والنون للإضافة، فالتقى ساكنان وهما الياءان، فأدغمت ياء الجمع في ياء الإضافة، ثم حركت ياء الإضافة بالفتح على القراءة المشهورة طلبًا للخفة وتخلصًا من توالي ثلاث كسرات، وكسرت على غير المشهورة على أصل التخلص من التقاء الساكنين، أو اتباعًا لكسرة الخاء.

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} المثل (2): قول في شيء يشبه بقول في شيء آخر لما بينهما من المشابهة، ويوضح الأول بالثاني ليتم انكشاف حاله به.

{أَصْلُهَا ثَابِتٌ} ؛ أي: ضارب بعروقه في الأرض {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} ؛ أي: في جهة العلو، والفرع: الغصن من الشجرة، ويطلق على ما يولد من الشيء، والفرع أيضًا: الشعر، يقال: رجل أفرع وامرأة فرعاء لمن كثر شعره. وقال امرؤ القيس بن حجر:

وَفَرْعٌ يُغَشِّي المَتْنَ أسوَدُ فَاحِمُ

{تُؤْتِي أُكُلَهَا} ؛ أي: تعطي ثمرها. {كُلَّ حِينٍ} ؛ أي: كل وقت، والحين في اللغة (3): الوقت يطلق على القليل والكثير واختلفوا في مقداره هنا، فقال مجاهد وعكرمة: الحين هنا: سنة كاملة؛ لأن النخلة تثمر في كل سنة مرة. وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن: ستة أشهر يعني: من وقت طلعها إلى حين صرامها، وروي ذلك عن ابن عباس أيضًا. وقال علي بن أبي طالب: ثمانية أشهر يعني: أن مدة حصلها باطنًا وظاهرًا ثمانية أشهر. وقيل: أربعة أشهر من حين ظهور حملها إلى إدراكها. وقال سعيد بن المسيب: شهران يعني: من وقت أن يؤكل منها إلى صرامها. وقال الربيع بن أمس: {كُلَّ حِينٍ} يعني: كل غدوة وعشية؛ لأن ثمرة النخلة تؤكل أبدًا ليلًا ونهارًا صيفًا وشتاءً، فيؤكل منها الجمار

(1) الفتوحات.

(2)

المراغي.

(3)

الخازن.

ص: 396

والطلع والبلح والبسر والمنصف والرطب، وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى الطري الرطب، فأكلها دائم في كل وقت. اهـ. "خازن".

{بِإِذْنِ رَبِّهَا} ؛ أي: بإرادة خالقها.

{اجْتُثَّتْ} ؛ أي: استؤصلت وأخذت جثتها من الجث؛ وهو القطع باستئصال، فهو صفة لشجرة، ومعنى اجتثت، قلعت جثتها؛ أي: شخصها وذاتها من فوق الأرض، والجثة: شخص الإنسان قاعدًا وقائمًا. وقال لقيط الإياري:

هو الجلاء الذي يجتث أصلكم

فمن رأى مثل ذا آتٍ ومن سمعا

ويقال (1): اجتثثت الشيء إذا قلعته، فهو افتعال من لفظ الجثة، وجثثت الشيء قلعته، والمعنى: على التشبيه؛ أي: كأنها اجتثت، وكأنها غير ثابتة بالكلية، وكأنها ملقاة على وجه الأرض.

{مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} ؛ أي: استقرار عليها يقال: قر الشيء قرارًا نحو ثبت ثباتًا.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} تسجيلًا عليهم باسم الظلم، فإن الشرك لظلم عظيم.

ومنها: الذم في قوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} تسجيلًا (2) عليهم باسم التجبر والعناد، لا أنهم بعضهم ليسوا كذلك، وأنه لم تصبهم الخيبة.

(1) الفتوحات.

(2)

روح البيان.

ص: 397

ومنها: الإبهام ثم البيان في قوله: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} أبهم الماء أولًا، ثم بيَّن بالصديد تعظيمًا وتهويلًا لأمره، وتخصيصه بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه.

ومنها: المبالغة في قوله: {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} ؛ أي: لا يقارب أن يسيغه ويبتلعه فضلًا عن الإساغة، بل يغص به.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} ؛ لأنه مجاز عن أسبابه، ففيه إطلاق المسبب وإرادة السبب.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} ، {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} .

ومنها: التشبيه التمثيلي في قوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} ؛ لأن وجه الشبه منتزع من متعدد، شبه (1) الله سبحانه وتعالى صنائع الكفار - جمع صنيعه - من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وفك الأسير وإغاثة الملهوف ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباءً منثورًا لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى وتوحيده، وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف، ووجه الشبه أن الريح العاصف تطير الرماد، وتفرق أجزائه بحيث لا يبقى له أثر، فكذلك كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لا يبقى لها أثر، وقد بين مقصوده ومحصله بقوله:{لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} .

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ؛ لأن العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم: نهاره صائم وليله قائم.

ومنها: فذلكة التمثيل والتشبيه في قوله: {لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} .

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} لأن العصف اشتداد الريح وُصف به زمانه للمبالغة كقولهم: نهاره صائم وليله قائم.

(1) البيضاوي وزاده.

ص: 398

ومنها: فذلكة التمثيل والتشبيه في قوله: {لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} .

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} فأسند البعد الذي هو من أحوال الضال إلى الضلال الذي هو فعله مجازًا مبالغة.

ومنها: الطباق في قوله: {يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} .

ومنها: إيثار (1) صيغة الماضي في قوله: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} وإن كان معناه الاستقبال؛ للدلالة على تحقق وقوعه؛ لأن كل (2) ما أخبر الله عنه فهو حق وصدق كائن لا محالة، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود، وكذا في قوله:{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} دلالة على أن وقوعه محقق.

ومنها: الطباق بين {الضُّعَفَاءُ} و {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} .

ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ} .

ومنها: الطباق في {جَزِعْنَا} و {صَبَرْنَا} .

ومنها: إيثار صيغة الماضي في قوله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} وإن كان معناه مستقبلًا.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} .

ومنها: التجوز في قوله: {فَأَخْلَفْتُكُمْ} ؛ لأن الإخلاف (3) حقيقة هو عدم إنجاز من يقدر على إنجاز وعده، وليس الشيطان كذلك، فقوله:{أخلفتكم} ، يكون مجازًا جعل تبين خلف وعده كالإخلاف منه، كأنه كان قادرًا على إنجازه، وأنى له ذلك.

ومنها: الاستعارة في قوله: {بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ} شبه طاعته باتباعه فيما زينه

(1) روح البيان.

(2)

الخازن.

(3)

روح البيان.

ص: 399

لهم بإشراكه مع الله بجامع الاتباع في كل على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية كما في "الشهاب".

ومنها: طباق السلب في قوله: {فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} .

ومنها: الاستفام التعجبي في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} .

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} وقوله: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} .

ومنها: الطباق في قوله: {أَصْلُهَا} ، {وَفَرْعُهَا} ، وفي {طَيِّبَةٍ} ، {خَبِيثَةٍ} .

ومنها تغيير (1) الأسلوب في قوله: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} .. الخ. حيث لم يقل: وضرب الله مثلًا كلمة خبيثة .. الخ للإيذان بأن ذلك غير مقصود بالضرب والبيان. اهـ. "أبو السعود".

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} حيث شبه النجم؛ وهو ما لا ساق له بالشجر، وهو ما له ساق بجامع أن كلًّا منهما نبات، فاستعار له اسم الشجر، وقيل: تسميتها شجرة للمشاكلة.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا} .

ومنها: الإظهار (2) في مقام الإضمار في قوله: {يُضِلُّ اللَّهُ} وفي قوله: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ} لتربية المهابة.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) الفتوحات.

(2)

الشوكاني.

ص: 400

قال الله سبحانه جل وعلا:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} .

المناسبة

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (1) حال المؤمنين وهداهم، وحال الكافرين وإضلالهم .. ذو السبب في إضلالهم.

وعبارة "المراغي" هنا: مناسبتها لما قبلها؛ أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (2) الأمثال بيانًا لحالي الفريقين، وذكر ما يليه من التوفيق في الدارين

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 401

للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة .. ذكر (1) هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجبًا رسوله صلى الله عليه وسلم مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خاصة بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعًا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .

ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرًا، والشكر جحدًا، وإنكارًا، وليت البلية كانت واحدة، بل أضافوا إليها أخرى، فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم تلبثوا بضلال غيرهم، فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة:

فَلَوْ كَانَ هَمٌّ وَاحِدٌ لاحْتَمَلْتُهُ

وَلَكِنَّهُ هَمٌّ وَثَانٍ وَثَالِثُ

ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن مثل هؤلاء لا تجدي فيه العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.

قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أنه سبحانه وتعالى لما ذكر حال الكفار وكفرهم نعمته، وجعلهم له أندادًا، وهددهم .. أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم، وإلزام عمودي الإِسلام: الصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة.

وعبارة المراغي هنا (3): بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا .. أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى ببذل النفس والمال في كل ما يرفع شأنهم ويقربهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} .

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 402

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أحوال الكافرين لنعمه حين بدلوا الشكر بالكفر، واتخذوا لله أندادًا، فكان جزاؤهم جهنم وبئس المهاد، ثم أمر المؤمنين بإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة شكرًا لربهم على ما أوتوا من النعم، وحثًّا لهم على الجهاد في سبيل كمالهم ورقيهم، ببذل النفس والنفيس، وهو المال لتكمل لهم السعادة في الدارين .. شرع بذكر الأدلة المنصوبة في الآفاق والأنفس التي توجب على عباده المثابرة على شكره ودوام الطاعة له، ويذكر النعم الجسام التي يتقلبون في أعطافها آناء الليل وأطراف النهار؛ ليكون في ذلك حث لهم على التدبر فيما يأتون وفيما يذرون، وفيه عظيم الدلالة على وجوب شكر الصانع لها، كما فيه أشد التقريع للكافرين الذين أعرضوا عن النظر والتفكر في تلك النعم، فكان هذا داعية كفرها وجحودها وغمطها وكنودها.

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لما ذكر (1) سبحانه وتعالى الأدلة على أن لا معبود سواه، وأنه لا يجوز بحال أن يعبد غيره، وطلب إلى رسوله أن يعجب من حال قومه إذ بدلوا نعمة الله كفرًا وعبدوا الأوثان والأصنام .. ذكر هنا أن الأنبياء جميعًا حثوا على ترك عبادة الأصنام، فإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه؛ وهو أبوهم نعى على قومه عبادتها، وطلب إلى الله أن يجنبه وبنيه ذلك، فإنها كانت سببًا في ضلال كثير من الناس، وشكر الله على أن وهب له على كبره ولديه إسماعيل وإسحاق، ثم ختم مقاله بأن يغفر له ولوالديه وللمؤمنين ذنوبهم عند العرض والحساب.

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ

} الآيات، قال أبو حيان: مناسبة هذه الآيات لما قبلها (2): أنه تعالى لما ذكر التعجيب من الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وجعلوا لله أندادًا؛ وهم قريش ومن تابعهم من العرب الذين

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 403