المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ذلك: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أري - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ذلك: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أري

ذلك: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أري الناس أنه بريء من الإثم. ومعنى الآية: سواء ما أضمرت به القلوب، أو نطقت به الألسن، وسواء من أقدم على القبائح مستترًا في ظلمات الليل، أو أتى بها ظاهرًا في النهار .. فإن علمه تعالى محيط بالكل.

‌11

- {لَهُ} ؛ أي: لكل ممن أسر أو جهر والمستخفي والسارب، أو لعالم الغيب والشهادة، أو لكل إنسان {مُعَقِّبَاتٌ}؛ أي: ملائكة حفظة يتعاقبون عليه ويتناوبون به، يعقب وينوب بعضهم بعضًا في المجيء إلى من ذكر، وحفظه من المضار وكتب أعماله {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}؛ أي: من قدام ذلك الإنسان ومن ورائه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من المضار، ويراقبون أحواله لا يفارقونه، كما يتعاقب عليه ملائكة آخرون لحفظ أعماله من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل بدلان حافظان وكاتبان كما جاء في الحديث الصحيح:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: آتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون".

وإذ علم الإنسان أن هناك ملائكة تحصي عليه أعماله كان حذرًا من وقوعه في المعاصي خيفة أن يطلع عليه الكرام الكاتبون، ويزجره الحياء عن الإقدام على فعل الموبقات، كما يحذر من الوقوع فيها إذا حضر من يستحيي منه من البشر، وهو أيضًا إذا علم أن كل عمل له في كتابٍ مدخر يكون ذلك رادعًا له داعيًا إلى تركه. وقال الصاوي: وهذه الآية من تدبرها وعمل بمقتضاها أورثته الإخلاص في أعماله، فيستوي عنده إسرار العبادة وإظهارها ليلًا أو نهارًا، والمراقبة؛ لأنه إذا علم أن هذه الأشياء مستوية عنده ولا يخفى عليه شيء منها .. فلا يستطيع أن يقدم على ما نهي عنه ظاهرًا ولا باطنًا انتهى. وليس أمر الحفظة بالبعيد عن العقل

ص: 187

بعد أن أثبته الدين، وبعد أن كشف العلم أن كثيرًا من الأعمال العامة يمكن إحصاؤها بآلات دقيقة لا تدع منها شيئًا إلا تحصيه. فقد أصبحت المياه والكهرباء في المدن تعد بالآلات - العدادات -، فالمياه التي يشربونها والكهرباء التي يضيئون بها منازلهم تحصى وتعد كما يعد الدرهم والدينار. وكذلك هناك آلات تحصي المسافات التي تقطعها السيارات في سيرها، وأخرى تحصي تيارات الأنهار ومساقط المياه إلى غير ذلك من دقيق الآلات التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة من الأعمال إلا تكتبها وتحصيها، وكلما تقدمت العلوم وكشفت ما كان غائبًا عنا كان في ذلك تصديق أيما تصديق لنظريات الدين، ووسيلة حافزة إلى الاعتراف بما جاء فيه مما يخفى على بعض الماديين الذين لا يقرون إلا بما يرونه رأي العين، ولا يذعنون إلا بما يقع تحت حسهم، وبهذا يصدق قول القائل: الدين والعقل في الإِسلام صنوان لا يفترقان، وصديقان لا يختلفان.

والمعنى: له (1) ملائكة يتعاقب بعضهم بعضًا كائنون من أمام الإنسان ووراء ظهره؛ أي: يحيطون به من جوانبه {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: يحفظون من ذكر؛ أي: من بأسه ونقمته إذا أذنب بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب من ذنبه أو ينيب، أو يحفظونه من المضار التي أمر الله بالحفظ منها. قال مجاهد: ما من عبد إلا له ملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما يأتيه منهم شيء يريده إلا قال: وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه. أو المعنى: هم يحفظونه (2) بأمر الله وإذنه وجميل رعايته وكلاءته، فـ {من} بمعنى الباء، فكما جعل سبحانه للمحسوسات أسبابًا محسوسة ربط بها مسبباتها بحسب ما اقتضته حكمته، فجعل الجفن سببًا لحفظ العين مما يدخل فيها فيؤذيها، كذلك جعل لغير المحسوسات أسبابًا، فجعل الملائكة أسبابًا للحفظ، وأفعاله تعالى لا تخلو من الحكم والمصالح. وكذلك جعل لحفظ أعمالنا كرامًا كاتبين، وإن كنا لا ندري ما قلمهم وما مدادهم،

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 188

وكيف كتابتهم، وأين محلهم، وما حكمة ذلك مع أن علمه تعالى بأعمال الإنسان كافٍ في الثواب والعقاب عليها، وقد يكون من حكمة ذلك أنه إذا علم الإنسان أن أعماله محفوظة لدى الحفظة الكرام .. كان أجدر بالإذعان لما يلقاه من ثواب وعقاب يوم العرض والحساب.

وقرأ عبيد بن زياد على المنبر (1): {له المعاقب} ، وهي قراءة أبيّ وإبراهيم. وقال الزمخشرى: وقرىء: {له معاقيب} . قال أبو الفتح: هو تكسير {معْقب} - بسكون العين وكسر القاف - كمطعم ومطاعم ومقدم ومقاديم، وكأن معقبًا جمع على معاقبة، ثم جعلت الياء عوضًا عن الهاء المحذوفة في معاقبة. وقرىء:{له معتقبات} من اعتقب. وقرأ أبي من بين يديه ورقيب من خلفه. وقرأ ابن عباس: {ورقباء من خلفه} وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ له: {معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه} . وينبغي حمل هذه القراءات على التفسير لا أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون فهي كلها شاذة. وقرأ علي وابن عباس وعكرمة وزيد بن علي وجعفر بن محمَّد: {يحفظونه بأمر الله} . وتدل هذه القراءة الشاذة على كون {مِنْ} بمعنى الباء السببية في قراءة: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} .

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والأمن والنعمة والرزق، ولا يزيله عنهم {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أى: حتى يتركوا ما يلزمهم من الشكر، وينقلبوا من الأحوال الجميلة إلى القبيحة. وعبارة "البيضاوي": أن الله لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة.

والمعنى (2): أن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية، فيزيلها عنهم ويذهبها حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض، وارتكابهم للشرور والموبقات التي تقوض نظم المجتمع، وتفتك بالأمم كما تفتك الجراثيم، فعند ذلك تحل نقمته بهم، وهو

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 189

قوله: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} ؛ أي: هلاكًا وعذابًا {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} ؛ أي: فلا راد له عنهم؛ أي: لم تغن المعقبات شيئًا، فلا راد لعذاب الله ولا ناقض لحكمه؛ أي: وإذا أراد الله بقوم سوءًا من مرض وفقر ونحوهما من أنواع البلاء بما كسبت أيديهم حين أخذوا في الأسباب التي تصل بهم إلى هذه الغاية، فلا يستطيع أحد أن يدفع ذلك عنهم، ولا يرد ما قدره لهم. وفي هذا إيماء إلى أنه لا ينبغي الاستعجال بطلب السيئة قبل الحسنة، وطلب العقاب قبل الثواب، فإنه متى أراد الله ذلك وأوقعه بهم فلا دافع له.

والخلاصة: أنه ليس من الحكمة في شيء أن يستعجلوا ذلك، ولما (1) كان سياق الكلام في الانتقام من العصاة اقتصر على قوله:{سُوءًا} وإلا فالسوء والخير إذا أراد الله تعالى شيئًا منها .. فلا مرد له، فذكر السوء مبالغة في التخويف.

{وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} ؛ أي: وما لهؤلاء القوم الذين أراد الله هلاكهم من دون الله سبحانه وتعالى {مِنْ وَالٍ} ؛ أي: وال يلي أمورهم، فيجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر، فالآلهة التي اتخذوها لا تستطيع أن تفعل شيئًا من ذلك، ولا تقدر على دفع الأذى عن نفسها فضلًا عن دفعه عن غيرها. والوالي من أسمائه تعالى، وهو من ولي الأمور وملك الجمهور، والولاية: تنفيذ القول على الغير شاء الغير أم لا، ولله در الأعرابي الذي رأى صنمًا يبول عليه الثعلب، فثارت به حميته، فأمسكه وكسره إربًا إربًا، وقال:

أَرَبٌّ يَبُوْلُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسَهَ

لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ

وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} .

(1) البحر المحيط.

ص: 190

الإعراب

{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} .

{المر} قد تقدم الكلام في هذه الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور بما يغني عن الإعادة، وإن قلنا إنه اسم للسورة فهو مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه السورة اسمها آلمر، وعلة بنائه شبهه بالحرف شبهًا وضعيًّا، أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده، والتقدير: آلمر هذا المذكور بقولنا: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} . {تِلْكَ} : اسم إشارة يشار به إلى آيات هذه السورة في محل الرفع مبتدأ. {آيَاتُ الْكِتَابِ} : خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {وَالَّذِي}:(الواو): عاطفة. {الذي} : مبتدأ. {أُنْزِلَ} : فعل ماضٍ مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الموصول. {إِلَيْكَ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة صلة الموصول. {مِنْ رَبِّكَ}: متعلق أيضًا بـ {أُنْزِلَ} . {الْحَقُّ} : خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. {وَلَكِنَّ}:(الواو): عاطفة. {لكن} : حرف نصب واستدراك. {أَكْثَرَ النَّاسِ} : اسمها ومضاف إليه، وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ}: في محل الرفع خبر {لكن} ، وجملة {لكن} معطوفة على الجملة التي قبلها.

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} .

{اللَّهُ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {بِغَيْرِ عَمَدٍ}: جار ومجرور ومضاف حال من {السَّمَاوَاتِ} . {تَرَوْنَهَا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر صفة لـ {عَمَدٍ}. {ثُمَّ}: حرف عطف. {اسْتَوَى} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على الموصول. {عَلَى الْعَرْشِ}: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {رَفَعَ}. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ}: فعل ومفعول. {وَالْقَمَرَ} : معطوف على {الشَّمْسَ} وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة

ص: 191

معطوفة على جملة {اسْتَوَى} . {كُلٌّ} : مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة تقديره: كل منهما. {يَجْرِي} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {كُلٌّ}. {لِأَجَلٍ}: جار ومجرور متعلق به. {مُسَمًّى} : صفة {لِأَجَلٍ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من {الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}؛ أي: حالة كون كل منهما جاريًا إلى أجل مسمى. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {اسْتَوَى}؛ أي: ثم استوى على العرش حالة كونه يدبر الأمر، أو الجملة مستأنفة. {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة بعاطف مقدر على جملة {يُدَبِّرُ}. {لَعَلَّكُمْ}: ناصب واسمه. {بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تُوقِنُونَ} ، وجملة {تُوقِنُونَ}: في محل الرفع خبر {لعل} ، وجملة {لعل}: تعليلية مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

{وَهُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {مَدَّ الْأَرْضَ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {وَجَعَلَ}: فعل ماض معطوف على {مَدَّ} ، وفاعله ضمير يعود على الموصول. {فِيهَا}: متعلق بـ {جَعَلَ} ؛ لأنه بمعنى خلق. {رَوَاسِيَ} : مفعول به بـ {جَعَلَ} . {وَأَنْهَارًا} : معطوف على {رَوَاسِيَ} . {وَمِنْ} (الواو): عاطفة. {من كل الثمرات} : جار ومجرور متعلق بـ {جَعَلَ} المذكور بعده. {جَعَلَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {فِيهَا}: متعلق بـ {جَعَلَ} . {زَوْجَيْنِ} : مفعول لـ {جَعَلَ} . {اثْنَيْنِ} : صفة مؤكدة لـ {زَوْجَيْنِ} ، وجملة {جَعَلَ}: معطوفة على جملة {جَعَلَ} الأول. {يُغْشِي اللَّيْلَ} : فعل ومفعول أول. {النَّهَارَ} : مفعول ثان، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة الفعلية مستأنفة، أو حال من ضمير الفاعل في الأفعال التي قبله، أعني: رفع وسخر، ويدبر ويفصل، ومد وجعل كما ذكره أبو البقاء. {إِنَّ}: حرف نصب وتوكيد. {فِي ذَلِكَ} : جار ومجرور

ص: 192

خبر {إِنَّ} مقدم على اسمها. {لَآيَاتٍ} : (اللام): ابتداء. {آيَاتٍ} : اسم {إِنَّ} مؤخر. {لِقَوْمٍ} : جار ومجرور صفة لـ {آيات} . وجملة {يَتَفَكَّرُونَ} صفة لـ {قوم} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة.

{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

{وَفِي الْأَرْضِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {قِطَعٌ} : مبتدأ وخبر. {مُتَجَاوِرَاتٌ} : صفة لـ {قِطَعٌ} ، والجملة الاسمية مستأنفة. {وَجَنَّاتٌ}: معطوف على {قِطَعٌ} . {مِنْ أَعْنَابٍ} : صفة لـ {جَنَّاتٌ} . {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} : معطوفان على {قِطَعٌ} . {صِنْوَانٌ} : صفة لـ {نَخِيلٌ} مرفوع بالضمة الظاهرة؛ لأنه جمع تكسر لـ {صنو} . {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} : معطوف على {صِنْوَانٌ} على كونه صفة لـ {نخيل} . {يُسْقَى} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على المذكور من {جنات} وما بعدها. {بِمَاءٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {يُسْقَى} . {وَاحِدٍ} : صفة لـ {ما} ، والجملة الفعلية صفة لـ {جنات} وما بعدها، أو حال منها. {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {عَلَى بَعْضٍ}: متعلق به، وكذا يتعلق به الجار والمجرور في قوله:{فِي الْأُكُلِ} ، والجملة الفعلية مستأنفة. {إِنَّ}: حرف نصب وتوكيد. {فِي ذَلِكَ} : جار ومجرور خبر مقدم لـ {إِنَّ} . {لَآيَاتٍ} : اسم {إِنَّ} مؤخر، واللام حرف ابتداء. {لِقَوْمٍ}: صفة لـ {آيَاتٍ} ، وجملة {يَعْقِلُونَ} صفة لـ {قَوْمٍ} .

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .

{وَإِنْ} (الواو): استئنافية. {إِنْ} : حرف شرط جازم. {تَعْجَبْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {فَعَجَبٌ}:(الفاء): رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب جملة اسمية، {عَجَبٌ}: خبر مقدم. {قَوْلُهُمْ} : مبتدأ وخبر، ولا بد من حذف صفة لتتم الفائدة؛ أي: فعجب؛ أي: عجب قولهم، ويجوز أن يكون عجب مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة حينئذٍ ما ذكرته من الوصف المقدر، ولا يضر

ص: 193

حينئذٍ كون خبره معرفة. اهـ. "سمين"، والجملة الاسمية في محل الجزم على كونها جوابًا لـ {إِنْ} الشرطية، وجملة {إِنْ} الشرطية: مستأنفة استئنافًا نحويًّا لا محل لها من الإعراب. {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} : مقول محكي لقولهم، وإن شئت قلت:(الهمزة): للاستفهام الإنكاري. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط في محل النصب على الظرفية متعلق بمحذوف معلوم مما بعده تقديره: أنبعث إذا كنا ترابًا. {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه. {تُرَابًا} : خبرها، وجملة كان في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} تقديره: أنبعث وقت كوننا ترابًا لا نبعث حينئذٍ، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول لقولهم. {أَإِنَّا}:(الهمزة): للاستفهام الإنكاري مؤكدة للأولى. {إِنَّا} : ناصب واسمه. {لَفِي خَلْقٍ} : جار ومجرور خبره، واللام حرف ابتداء. {جَدِيدٍ}: صفة لـ {خَلْقٍ} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول لقولهم.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .

{أُولَئِكَ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {كَفَرُوا}: فعل وفاعل. {بِرَبِّهِمْ} : متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول. {وَأُولَئِكَ}: مبتدأ أول. {الْأَغْلَالُ} : مبتدأ ثان. {فِي أَعْنَاقِهِمْ} : خبر للمبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره خبر للأول، وجملة الأولى مع خبره معطوفة على جملة قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ} . {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} : مبتدأ وخبر معطوف على جملة {أُولَئِكَ} الأولى. {هُمْ} : مبتدأ. {فِيهَا} : متعلق بـ {خَالِدُونَ} . {خَالِدُونَ} : خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من {أَصْحَابُ النَّارِ} .

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} .

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} : فعل وفاعل ومفعول. {بِالسَّيِّئَةِ} : متعلق به، والجملة مستأنفة. {قَبْلَ الْحَسَنَةِ}: متعلق بـ {يَسْتَعْجِلُونَكَ} ، أو حال من {السَّيِّئَةِ}. {وَقَدْ خَلَتْ}:(الواو): حالية. {قَدْ} : حرف تحقيق. {خَلَتْ} : فعل

ص: 194

ماضٍ. {مِنْ قَبْلِهِمُ} : جار ومجرور متعلق بـ {خَلَتْ} . {الْمَثُلَاتُ} فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل {يستعجلونك}. {وَإِنَّ رَبَّكَ}: ناصب واسمه. {لَذُو مَغْفِرَةٍ} : خبره ومضاف إليه، (واللام): حرف ابتداء. {لِلنَّاسِ} : متعلق بـ {مَغْفِرَةٍ} ، وجملة {إن}: مستأنفة. {عَلَى ظُلْمِهِمْ} : جار ومجرور حال من {النَّاسِ} . وقال أبو البقاء: والعامل فيها {مَغْفِرَةٍ} بمعنى أنه العامل في صاحبها، والتقدير: حالة كونهم ظالمين أنفسهم بالمعاصي، فيجوز العفو قبل التوبة؛ لأن قوله:{لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ؛ أي: حال اشتغالهم بظلم. اهـ. "كرخي". {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} : ناصب واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة {إن} الأولى.

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} .

{وَيَقُولُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {كَفَرُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} : مقول محكي لـ {يقول} ، وإن شئت قلت:{لَوْلَا} : حرف تحضيض. {أُنْزِلَ} : فعل ماضٍ مغير الصيغة. {عَلَيْهِ} : متعلق به. {آيَةٌ} : نائب فاعل لـ {أُنْزِلَ} . {مِنْ رَبِّهِ} : صفة لـ {آيَةٌ} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {يقول}. {إِنَّمَا}: أداة حصر. {أَنْتَ مُنْذِرٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ}: جار ومجرور خبر مقدم. {هَادٍ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على الجملة التي قبلها.

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)} .

{اللَّهُ} : مبتدأ، وجملة {يَعْلَمُ}: خبره، والجملة الاسمية مستأنفة. {مَا}: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَعْلَمُ}؛ لأنه بمعنى عرف. {تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى}: فعل وفاعل ومضاف إليه مجرور بالفتحة المقدرة؛ لأنه اسم لا ينصرف لألف التأنيث المقصورة، والجملة الفعلية صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تحمله كل أنثى. {وَمَا} : معطوف على

ص: 195

{مَا} الأولى. {تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: وما تغيضه الأرحام. {وَمَا} : معطوفة أيضًا على {مَا} الأولى. {تَزْدَادُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الْأَرْحَامُ} ، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: وما تزداده الأرحام. {وَكُلُّ شَيْءٍ} : مبتدأ ومضاف إليه. {عِنْدَهُ} : ظرف ومضاف إليه صفة لـ {شَيْءٍ} ، أو صفة لـ {كل} كما ذكره أبو البقاء. {بِمِقْدَارٍ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة.

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)} .

{عَالِمُ الْغَيْبِ} : خبر المبتدأ محذوف تقديره: هو عالم الغيب. {وَالشَّهَادَةِ} : معطوف على {الْغَيْبِ} ، والجملة مستأنفة. {الْكَبِيرُ}: صفة لـ {عَالِمُ الْغَيْبِ} ، أو خبر لمحذوف. {الْمُتَعَالِ}: صفة لـ {الْكَبِيرُ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للوقف؛ لأنه رأس آية، ولولا ذلك لكان الجيد إثباتها، ذكره أبو البقاء، وحذفت في الخط تبعًا للفظ. {سَوَاءٌ}: خبر مقدم. {مِنْكُمْ} : جار ومجرور حال من الضمير المستكن في {سَوَاءٌ} ؛ لأنه بمعنى مستو. {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر. {أَسَرَّ الْقَوْلَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول. {وَمَنْ جَهَرَ}:(الواو): عاطفة. {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع معطوف على {مَنْ} الأولى. {جَهَرَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ}. {بِهِ}: متعلق به، والتقدير: من أسر القول ومن جهر به مستويان في علمه تعالى حالة كونهما كائنين منكم. {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ} : (الواو): عاطفة. {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع معطوف على {مَنْ} الأولى. {هُوَ مُسْتَخْفٍ} : مبتدأ وخبر. {بِاللَّيْلِ} : متعلق بـ {مُسْتَخْفٍ} ، والجملة الاسمية صلة الموصول. {وَسَارِبٌ}: معطوف على {مُسْتَخْفٍ} . {بِالنَّهَارِ} : متعلق به، والتقدير: ومن هو مستتر بظلام الليل، ومن هو ظاهر بضوء النهار مستويان في علمه تعالى.

ص: 196

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} .

{لَهُ} : جار ومجرور خبر مقدم. {مُعَقِّبَاتٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة. {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {مُعَقِّبَاتٌ} . {وَمِنْ خَلْفِهِ} : معطوف عليه، ويجوز أن يتعلق بمحذوف صفة لـ {مُعَقِّبَاتٌ} ، ويجوز أن يتعلق بـ {يَحْفَظُونَهُ}؛ أي: يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. فإن قلت: كيف يتعلق حرفان متحدان لفظًا ومعنىً بعامل واحد، وهما {مِنْ} الداخلة على {بَيْنِ يَدَيْهِ} و {مِنْ} الداخلة على {أَمْرِ اللَّهِ} ؟ .. فالجواب أن {مِنْ} الثانية مغايرة للأولى في المعنى كما مر، وسيأتي في مبحث الصرف. اهـ. "سمين". {يَحْفَظُونَهُ}: فعل وفاعل ومفعول. {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل الرفع صفة لـ {مُعَقِّبَاتٌ} ، أو حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه. {لَا} : نافية. {يُغَيِّرُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة. {مَا} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. {بِقَوْمٍ}: جار ومجرور صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها. {حَتَّى يُغَيِّرُوا}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} بمعنى إلى. {مَا} : مفعول به. {بِأَنْفُسِهِمْ} : جار ومجرور صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى تقديره: إلى تغييرهم ما بأنفسهم، والجار والمجرور متعلق بقوله:{لَا يُغَيِّرُ} . {وَإِذَا} : (الواو): استئنافية. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {أَرَادَ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجر بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرطها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {بِقَوْمٍ}: متعلق بـ {أَرَادَ} . {سُوءًا} : مفعول به لـ {أَرَادَ} . {فَلَا} : (الفاء): رابطة لجواب إذا وجوبًا، {لا}: نافية تعمل عمل إن. {مَرَدَّ} : في محل النصب اسمها. {لَهُ} : جار ومجرور خبر {لا} ، والجملة الاسمية جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا}: مستأنفة. {وَمَا لَهُمْ} الواوا: عاطفة. {مَا} : حجازية أو تميمية. {لَهُمْ} : جار ومجرور خبر {مَا}

ص: 197

مقدم على اسمها، أو خبر مقدم للمبتدأ. {مِنْ دُونِهِ}: جار ومجرور حال من الضمير المستكن في الخبر. {مِنْ} : زائدة. {وَالٍ} : اسم {مَا} مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، والتقدير: وما والٍ كائنًا، أو كائن لهم حالة كونه كائنًا من دونه تعالى، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها جواب {إذا} .

التصريف ومفردات اللغة

{بِغَيْرِ عَمَدٍ} العمد: السواري والأساطين، واحدها عمود كأدم وأديم، وقرىء:{عُمُد} - بضمتين - فيكون جمع عماد كشهب وشهاب، وكتب وكتاب، أو جمع عمود كرسل ورسول هذا في الكثرة، ويجمعان في القلة على أعمدة كما في "البحر".

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ} والتسخير: التذليل والطاعة. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} والتدبير: التصريف للأمور على وجه الحكمة.

{يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} والتفصيل: التبيين، والآيات هي الأدلة التي تقدم ذكرها من الشمس والقمر. {تُوقِنُونَ} واليقين: العلم الثابت الذي لا شك فيه.

{مَدَّ الْأَرْضَ} ؛ أي: بسطها طولًا وعرضًا. قال الأصم: المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه.

{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} والراسي: الثوابت المستقرة التي لا تتحرك ولا تنتقل، واحدها راسية؛ لأن الأرض ترسو وتثبت بها، وتمسكها من الاضطراب.

{وَأَنْهَارًا} : واحدها نهر؛ وهو المجرى الواسع من الماء؛ أي: مياهًا جارية في الأرض فيها منافع الخلق، أو المراد: جعل فيها مجاري الماء.

{وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ، {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} والثمرات: جمع ثمرة، والثمرة: غلة الشجر ومنافعه، والعرب تسمي الاثنين زوجين، والواحد من الذكور زوجًا لأنثاه، والأنثى زوجًا وزوجة لذكرها؛ أي: جعل من كل نوع من أنواع الثمرات

ص: 198

الموجودة في الدنيا ضربين وصنفين؛ إما في اللون كالأبيض والأسود، أو في الطعم كالحلو والحامف، أو في القدر كالكبير والصغير، أو في الكيفية كالحار والبارد وما أشبه ذلك.

{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} ؛ أي: يستر النهار بالليل، ومعنى تغطية هذا بذلك: الإتيان به مكانه؛ أي: الإتيان به بدله، وعد هذا في تضاعيف الآيات السفلية، وإن كان تعلقه بالآيات العلوية ظاهرًا باعتبار أن ظهوره في الأرض، فإن الليل إنما هو ظلها، وفيما فوق موقع ظلها لا ليل أصلًا. اهـ. "أبو السعود".

{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، والفكر: هو تصرف القلب في طلب الأشياء. وقال صاحب "المفردات" الفكر: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر: جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك الإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يكون له صورة في القلب، ولهذا روي: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله؛ إذ الله منزه أن يوصف بصورة. اهـ. "خازن".

{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ} ؛ أي: بقاع جمع قطعة. {مُتَجَاوِرَاتٌ} ؛ أي: متقاربات. {وَنَخِيلٌ} والنخل والنخيل بمعنى، والواحد نخلة. اهـ. "مختار". لكن النخل يذكر ويؤنث، والنخيل مؤنث لا غير كما في "المصباح".

{صِنْوَانٌ} جمع كثرة لصنو، وجمعه في القلة أصناء كحمل وأحمال، والعامة على كسر الصاد. والصنو الفرع يجمعه وآخر أصل واحد، وأصله المثل، ومنه قيل للعم: صنو ومنه الحديث: "عم الرجل صنو أبيه" وجمعه في لغة الحجاز صَنوان - بفتح الصاد - وهو اسم جمع لا جمع تكسير؛ لأنه ليس من أبنيته، فالصنوان: هي النخلات يجمعها أصل واحد، وتتشعب فروعها ذكره في "البحر".

{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} - بضمتين وإسكان الثاني للتخفيف - المأكول. اهـ. "مصباح". والمراد به هنا الثمر والحب، فالثمر من النخيل والأعناب، والحب من الزرع.

ص: 199

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} والعجب: تغير النفس حين رؤية ما يستبعد في مجرى العادة؛ أي: حقيق بالعجب قولهم الخ. {جَدِيدٍ} ضد الخلق والبالي، ويقال: ثوب جديد؛ أي: كما فرغ من عمله، وهو فعيل بمعنى مفعول، كأنه كما قطع من النسج، ذكره أبو حيان في "البحر".

{الْأَغْلَالُ} جمع غُل بالضم، وهو طوق من حديد يجعل في العنق. اهـ. "خازن".

{الْمَثُلَاتُ} - بفتح فضم - جمع مثلة - بفتح فضم - كسَمُرة؛ وهي العقوبة التي تترك في المعاقب أثرًا قبيحًا كصلم أذن، أو جدع أنف، أو سمل عين.

{لَذُو مَغْفِرَةٍ} والغفر هنا: الستر بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة.

{لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} والمراد بالآية هنا الآيات الحسية، كقلب عصا موسى حية وناقة صالح.

{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} والهادي: القائد الذي يقول الناس إلى الخير، كالأنبياء والحكماء والمجتهدين.

{وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} الغيض: النقصان، يقال: غاض الماء وغضته كما قال: {وَغِيضَ الْمَاءُ} .

{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} والمراد بالعندية؛ عندية علم يعني: أنه تعالى يعلم كمية كل شيء وكيفيته على أكمل الوجوه. اهـ. "خازن".

{بِمِقْدَارٍ} ؛ أي: بأجل لا يتجاوزه ولا ينقص عنه، والغائب: ما غاب عن الحس، والشاهد: الحاضر المشاهد {الْكَبِيرُ} : العظيم الشأن. وفي "الخازن": الكبير: الذي يصغر كل كبير بالإضافة إلى عظمته وكبريائه. والمتعالى: المستعلي على كل شيء بقهره وجبره {سَوَاءٌ مِنْكُمْ} ؛ أي: مستو منكم.

{مَنْ أَسَرَّ} أسرَّ الشيء إذا أخفاه في نفسه، والمستخفي المبالغ في

ص: 200

الاختفاء، والسارب الظاهر من قولهم: سرب إذا ذهب في سربه؛ أي: طريقه.

وفي "المصباح": سرب في الأرض سروبًا - من باب قعد - ذهب، وسرب الماء سروبًا وسرب المال سربًا من باب قتل، رعى نهارًا بغير راع؛ فهو سارب، وسرب تسمية بالمصدر، والسرب أيضًا: الطريق، ومنه يقال: حل سربه؛ أي: طريقه. والسرب - بالكسر - النفس، وهو واسع السرب؛ أي: رخي البال، ويقال: واسع الصدر بطيء الغضب. والسَرَب - بفتحتين - بيت في الأرض لا منفذ له؛ وهو الوكر. اهـ.

{مُعَقِّبَاتٌ} ؛ أي: ملائكة تعتقب في حفظه، وكلاءته، واحدها معقبة من عقبة؛ أي: جاء عقبه. وفي "السمين": وفي معقبات احتمالان:

أحدهما: أن يكون جمع معقبة بمعنى معقب، والتاء للمبالغة كعلَّامة ونسَّابة؛ أي: ملك معقب، ثم جمع هذا كعلامات ونسابات.

والثاني: أن يكون معقبة صفة لجماعة، ثم جمع هذا الوصف كجمل وجمَّال وجمالات. اهـ.

{مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} ؛ أي: قدامه. {وَمِنْ خَلْفِهِ} ؛ أي: من ورائه.

{مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ؛ أي: بأمره وإعانته، و {مِنْ} بمعنى الباء السببية.

{فَلَا مَرَدَّ لَهُ} ؛ أي: فلا ردَّ، فهو مصدر ميمي بمعنى الراد.

{مِنْ وَالٍ} ؛ أي: ناصر فـ {من} زائدة.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإشارة بالبعيد إلى القريب في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ} تنزيلًا للبعد الرتبي منزلة البعد الحسي؛ للدلالة على علو شأنها ورفعة منزلتها.

ومنها: الدلالة على التفخيم بإدخال آل على الكتاب؛ أي: تلك آيات

ص: 201

الكتاب العجيب الكامل في إعجازه وبيانه.

ومنها: الكناية في قوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ؛ لأنه كناية عن تذليلهما لما يراد منهما؛ وهو انتفاع الخلق بهما حيث يعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر، ينوران لهم في الليل والنهار، ويدرآن الظلمات، ويصلحان الأرض والأبدان والأشجار والنباتات.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} شبه إحداث ظلمة الليل في الجو الذي هو مكان الضوء بإغشاء الأغطية الحسية على الأشياء الظاهرة بجامع الستر في كل، فأطلق اسم الإغشاء والإلباس على ذلك الإحداث، فاشتق منه يغشي بمعنى يحدث على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: التأكيد في قوله: {اثْنَيْنِ} ؛ لأنه تأكيد لزوجين.

ومنها: الاكتفاء في قوله: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} لأن في الكلام حذفًا على ما قيل؛ أي: قطع متجاورات وغير متجاورات كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} ؛ أي: والبرد.

ومنها: الاستفهام الإنكاري المفيد لكمال الاستبعاد في قوله: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} .

ومنها: تكرير الهمزة في قوله: {لَفِي خَلْقٍ} : لتأكيد الإنكار بالبعث.

ومنها: التكرار في قوله: {أُولَئِكَ} ، وفي قوله:{أَإِنَّا} .

ومنها: تقديم الظرف في قوله: {وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ} ، وقوله:{وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} .

ومنها: الحصر في قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ؛ لأن توسيط ضمير الفصل وتقديم {فِيهَا} يفيد الحصر؛ أي: هم الموصوفون بالخلود في النار لا غيرهم، وإن خلودهم إنما هو في النار لا في غيرها، فثبت أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار، ذكره في "روح البيان".

ص: 202

ومنها: العدول عن الإضمار إلى الموصول ذمًّا لهم بكفرهم بآيات الله التي تخر لها الجبال، حيث لم يرفعوا لها رأسًا، ولم يعدوها من جنس الآيات، وقالوا:{لَوْلَا}

الخ. اهـ. "أبو السعود".

ومنها: الطباق في قوله: {تَغِيضُ} و {تَزْدَادُ} ، وفي قوله:{الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، وفي قوله:{أَسَرَّ} و {جَهَرَ} ، وفي قوله:{مُسْتَخْفٍ} و {وَسَارِبٌ} ؛ لأن السارب الظاهر، وكلها من المحسنات البديعية اللفظية.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 203

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)} .

المناسبة

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ

} الآيات، مناسبةُ هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) خوف عباده بأنه إذا أراد السوء بقوم، فلا يدفعه أحد .. أتبعه بذكر آيات تشبه النعم والإحسان حينًا، وتشبه العذاب والنقم حينًا آخر.

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين أن كل من في السماوات والأرض خاضع لقدرته منقاد لإرادته بالغدو والآصال، وفي كل وقت وحين، طوعًا أو

(1) البحر المحيط والمراغي.

ص: 204

كرهًا بحسب ما يريد .. أَعاد الكلام مع المشركين؛ ليلزمهم الحجة، ويقنعهم بالدليل، ويضيق عليهم باب الحوار حتى لا يستطيعوا الفرار من الاعتراف بوحدانيته تعالى وشمول قدرته وإرادته، وأنه لا معبود سواه ولا رب غيره.

قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ضرب مثل البصير والأعمى للمؤمن والكافر، ومثل النور والظلمات للإيمان والكفر .. ضرب مثلين للحق في ثباته وبقائه، وللباطل في اضمحلاله وفنائه، ثم بين مآل كل من السعداء والأشقياء، وما أعد لكل منهما يوم القيامة، وبين أن حاليهما لا يستويان عنده، وأن الذي يعي تلك الأمثال ويعتبر بها إنما هو ذو اللب السليم والعقل الراجح والفكر الثاقب.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه (1) النسائي والبزار عن أنس رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه إلى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه إلى الله تعالى فقال: إيش ربك الذي تدعوني إليه؟ أمن حديد، أم من نحاس، أو من فضة، أو من ذهب؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فأعاد الثانية والثالثة، فأرسل الله عليه صاعقة، فأحرقته، ونزل هذه الآية: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ

} إلى آخرها.

وروي في أسباب نزولها: أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر، فأبى عليهما ذلك، فقال له عامر لعنه الله: أما والله لأملأنها عليك خيلًا جردًا، ورجالًا مردًا، فقال له رسول الله:"يأبى الله عليك وابنا قيلة" - الأنصار من الأوس والخزرج - ثم أنهما همّا بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما يخاطبه، والآخر

(1) لباب النقول.

ص: 205