المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والخلاصة (1): أي وليس لنا مع ما خصنا الله به - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والخلاصة (1): أي وليس لنا مع ما خصنا الله به

والخلاصة (1): أي وليس لنا مع ما خصنا الله به من النبوة وشرفنا به من الرسالة أن نأتيكم بآية وبرهان ومعجزة تدل على صدقنا إلا بإذن الله به لنا في ذلك. وبعد (2) أن أجابهم الأنبياء عن شبهاتهم أخذ المشركون يخوفونهم ويتوعدونهم بالانتقام منهم وإيذائهم قدر ما يستطيعون، فقال لهم الأنبياء: إنا لا نخاف تهديدكم ولا وعيدكم، بل نتوكل على الله ونعتمد عليه، ولا نقيم لما تقولون وزنًا، ولا نابه به، وهذا ما إشار إليه سبحانه بقوله حكاية عنهم:{وَعَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى وحده دون ما عداه مطلقًا {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} في دفع شرور أعدائهم عنهم، وفي الصبر على معاداتهم؛ أي: وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله تعالى، فلنتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم. وقرأ الحسن شذوذًا بكسر لام الأمر في قوله:{فَلْيَتَوَكَّلِ} وهو الأصل ذكره في "البحر". وهذا أمر (3) منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون ما عداه، وكأن الرسل قصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصدًا أوليًّا،

‌12

- ولهذا قالوا: {وَمَا لَنَا} ؛ أي: وأي عذر ثبت لنا في {أَلَّا نَتَوَكَّلَ} ونعتمد {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى في دفع شروركم عنا {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} ؛ أي: والحال أنه تعالى أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين، وهو موجب للتوكل عليه ومستدع له. وقرأ الجمهور:{سُبُلَنَا} بضم السين والباء وقرأ أبو عمرو بسكون الباء.

والمعنى: أي: وكيف لا نتوكل على الله وقد هدانا إلى سبل المعرفة، وأوجب علينا سلوك طريقها، وأرشدنا إلى طريق النجاة، ومن أنعم الله عليه بنعمة فليشكره عليها بالعمل بها.

ولمَّا كانت أذية الكفار مما يوجب الاضطراب القادح في التوكل .. قالوا على سبيل التوكيد القسمين مظهرين لكمال العزيمة {وَلَنَصْبِرَنَّ} ؛ أي: ونقسم لكم بالله تعالى لنصبرن {عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} في أبداننا وأعراضنا، أو بالتكذيب، ورد الدعوة والإعراض عن الله والعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه،

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

(3)

الشوكاني.

ص: 342

وهو جواب قسم محذوف. والمعنى: أي: ولنصبرن على إيذائكم بالعناد واقتراح الآيات ونحو ذلك مما لا خير فيه، وندعوكم لعبادة الله وحده؛ ليكون ذلك منا شكرًا على نعمة الهداية. ثم ختموا كلامهم بمدح التوكل، وبيان أن إيذائهم لا يثنيهم عن تبليغ رسالة ربهم، فقالوا:{وَعَلَى اللَّهِ} ؛ أي: والتوكل على الله والاعتماد عليه، لا على غيره {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}؛ أي: فليثبت المتوكلون وليدوموا على التوكل عليه، وليحتملوا كل أذى في جهادهم، ولا يبالوا بما يصيبهم من أذى، ولا بما يلاقون من صعاب وعقبات. قال ابن الجوزي: وإنما نص هذا وأمثاله على نبينا صلى الله عليه وسلم، ليقتدي بمن قبله في الصبر، وليعلم ما جرى لهم. اهـ. ومن عنده (1) مال أو علم فلينفع به الناس، وليكن كالنهر يسقي الزرع، والشمس تضيء العباد، وليصبر على أذى الناس كما صبر الأنبياء وأوذوا، فالهداة ما خلقوا إلا ليعملوا، فهم هداة بطباعهم، ولذاتهم في قلوبهم، ومنهم تنتقل إلى الناس.

فإن قلت (2): كيف كرر الأمر بالتوكل، وهل من فرق بين التوكلين؟

قلت: نعم، التوكل الأول فيه إشارة إلى استحداث التوكل، والتوكل الثاني فيه إشارة إلى السعي في التثبت على ما استحدثوا من توكلهم وإبقائه وإدامته، فحصل الفرق بين التوكلين.

والمعنى (3): فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل المسبب عن الإيمان، فالأول لإحداث التوكل، والثاني للثبات عليه، فلا تكرار. وقيل معنى الأول: إن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا في حصولها على الله سبحانه لا علينا، فإن شاء سبحانه أظهرها، وإن شاء لم يظهرها، ومعنى الثاني: إبداء التوكل على الله في دفع شر الكفار وسفاهتهم. اهـ. "شوكاني".

والتوكل تفويض الأمر إلى من يملك الأمور كلها، وقالوا: المتوكل من إن

(1) المراغي.

(2)

الخازن.

(3)

روح البيان.

ص: 343

دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية، فعلى هذا إذا وقع الإنسان من شدة، ثم سأل غيره خلاصه لم يخرج عن حدّ التوكل؛ لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله تعالى.

فائدة: ومن لطائف هذه الآية الكريمة (1): ما روى المستغفري عن أبي ذر رفعه "إذا آذاك البرغوث فخذ قدحًا من ماء، واقرأ عليه سبع مرات: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ

} الآية، ثم قل: إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا سبع مرات على الماء، ثم رشه حول فراشك، فإنك تبيت آمنًا من شرهم". وقال بعضهم: إن مما أخذ الله على الكلب إذا قرئ عليه: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} لم يؤذ، ومما أخذ الله على العقرب أنه إذا قرئ عليها:{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} لم تؤذ، وكذلك الحية.

الإعراب

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} .

{الر} : على القول بأنه اسم للسورة: إما مبتدأ خبره محذوف تقديره: الر هذا محله، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا الر، أو مفعول لفعل محذوف تقديره: إقرأ الر، أو مفعول لاسم فعل محذوف تقديره: هاك الر؛ لأنه من قبيل أسماء التراجم، وإن قلنا: إنه من قبيل الأعداد المسرودة فلا محل له من الإعراب. {كِتَابٌ} : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا القرآن الذي أنزل عليك يا محمد كتاب أنزلناه إليك، والجملة مستأنفة. {أَنْزَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول. {إِلَيْكَ} : متعلق به، والجملة في محل الرفع صفة لـ {كِتَابٌ}. {لِتُخْرِجَ}:(اللام): حرف جر وتعليل. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره:

(1) روح البيان.

ص: 344

لإخراجك الناس به، الجار والمجرور متعلق بـ {أَنْزَلْنَاهُ}. {مِنَ الظُّلُمَاتِ}: متعلق بـ {تُخْرِجَ} ، وكذا قوله:{إِلَى النُّورِ} : متعلق به {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} : جار ومجرور متعلق بـ {تُخْرِجَ} أيضًا، أو متعلق بمحذوف حال من فاعل {تُخْرِجَ} تقديره: حالة كونك مأذونًا لك من ربهم. {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ} : جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله: {إِلَى النُّورِ} . {الْحَمِيدِ} : نعت لـ {الْعَزِيزِ} .

{اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)} .

{اللَّهِ} : بالجر: بدل من {الْعَزِيزِ} بدل كل من كل على القاعدة (1): إن نعت المعرفة إذا تقدم على المنعوت يعرب بحسب العوامل، ويعرب المنعوت بدلًا، أو عطف بيان، والأصل: إلى صراط الله العزيز الحميد .. الخ، فالصفات ثلاثة تقدم منها ثنتان، وبقيت الثالثة مؤخرة. اهـ. شيخنا. {الَّذِي}: اسم موصول في محل الجر صفة للجلالة. {لَهُ} : جار ومجرور خبر مقدم. {مَا} : موصولة، أو موصوفة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول. {فِي السَّمَاوَاتِ}: جار ومجرور صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها. {وَمَا فِي الْأَرْضِ}: معطوف على {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . {وَوَيْلٌ} : مبتدأ سوغ الابتداء به قصد الدعاء. {لِلْكَافِرِينَ} : خبره. {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} : في موضع رفع صفة لـ {وَيْلٌ} بعد الخبر، وهو جائز، ولا يجوز (2) أن يتعلق بـ {وَيْلٌ} من أجل الفصل بينهما بالخبر. وقال أبو السعود:{مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} تعلق بـ {وَيْلٌ} على معنى يولون ويضجون منه قائلين: يا ويلاه كقوله: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} . اهـ. كما مر، والجملة الاسمية جملة دعائية لا محل لها من الإعراب.

{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)} .

(1) الفتوحات.

(2)

العكبري.

ص: 345

{الَّذِينَ} : اسم موصول للجمع المذكر في محل (1) الجر صفة {لِلْكَافِرِينَ} ، أو في محل نصب بإضمار أعني، أو في موضع رفع بإضمارهم. وفي "الفتوحات" قوله: أو في محل جر صفة، هذا الإعراب معترض (2)، لما فيه من الفصل بين النعت والمنعوت بأجنبي، وهو قوله:{مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} الذي هو بيان للمبتدأ الأجنبي من الخبر، وعلى هذا الإعراب يكون قوله: {أُولَئِكَ

} إلخ: مستأنفًا، والأولى أن يعرب {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ} الخ مبتدأ ويكون قوله: {أُولَئِكَ

} إلخ: خبره. اهـ. شيخنا. {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ} : فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةَ} . {عَلَى الْآخِرَةِ} : متعلق بـ {يَسْتَحِبُّونَ} . {وَيَصُدُّونَ} : فعل وفاعل معطوف على {يَسْتَحِبُّونَ} . {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} : متعلق به. {وَيَبْغُونَهَا} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَصُدُّونَ} . {عِوَجًا} : حال من ضمير المفعول، كما في "أبي البقاء". {أُولَئِكَ}: مبتدأ. {فِي ضَلَالٍ} : خبره. {بَعِيدٍ} : صفة لـ {ضَلَالٍ} ، والجملة الاسمية مستأنفة.

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} .

{وَمَا} : (الواو): استئنافية. {مَا} : نافية. {أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} : فعل وفاعل ومفعول، و {مِنْ}: زائدة، والجملة مستأنفة. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {بِلِسَانِ قَوْمِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه حال من {رَسُولٍ} ؛ أي: إلا حالة كونه متكلمًا بلغة قومه. {لِيُبَيِّنَ} : (اللام): حرف جر وتعليل. {يُبَيِّنَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة. {لَهُمْ} : متعلق به، وفاعله ضمير يعود على {رَسُولٍ} ، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَا}؛ أي: لتبيينه لهم.

{فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

(1) أبو البقاء.

(2)

الفتوحات.

ص: 346

{فَيُضِلُّ} (الفاء): استئنافية. {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {يَشَاءُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: فيضل الله من يشاء إضلاله. وفي "الجمل" قوله: {يُضِلُّ اللَّهُ} بالرفع هو استئناف (1) إخبار، ولا يجوز نصبه عطفًا على {لِيُبَيِّنَ} ؛ لأن المعطوف كالمعطوف عليه في المعنى، والرسل أرسلت للبيان لا للإضلال. قال الزجاج: لو قرئ بنصبه على أن اللام لام العاقبة .. جاز. اهـ. "سمين". وجملة قوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} معطوفة على جملة قوله: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} . {وَهُوَ الْعَزِيزُ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {الْحَكِيمُ}: خبر ثان، أو صفة لـ {الْعَزِيزُ} .

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)} .

{وَلَقَدْ} : (الواو): استئنافية. (اللام): موطئة للقسم. {قَدْ} : حرف تحقيق. {أَرْسَلْنَا مُوسَى} : فعل وفاعل ومفعول. {بِآيَاتِنَا} : جار ومجرور حال من {مُوسَى} : أي حالة كونه متلبسًا بآياتنا، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم مستأنفة. {أَنْ} مصدرية. {أَخْرِجْ}: فعل أمر في محل نصب بـ {أن} المصدرية مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على {مُوسَى}. {قَوْمَكَ}: مفعول به. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : جاران ومجروران متعلقان بـ {أَخْرِجْ} ، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا بإخراج قومك من الظلمات، الجار والمجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، وهذه المقدرة للتعدية، والباء في بآياتنا للحال، فلا اتحاد في المعنى، ويجوز أن تكون {أَنْ} مفسرة؛ لأن الضابط موجود، وهو أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه، و {أَرْسَلْنَا} فيه معنى قلنا. {وَذَكِّرْهُمْ}: فعل ومفعول معطوف على {أَخْرِجْ} ، وفاعله ضمير يعود على {مُوسَى}. {بِأَيَّامِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {ذكر} . {إِنَّ} :

(1) الفتوحات.

ص: 347

حرف نصب وتوكيد. {فِي ذَلِكَ} : جار ومجرور خبرها مقدم على اسمها. {لَآيَاتٍ} : (اللام): حرف ابتداء. {آيَاتٍ} : اسمها مؤخر. {لِكُلِّ صَبَّارٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {آيَاتٍ} . {شَكُورٍ} : صفهَ {صَبَّارٍ} : وجملة {أَنْ} : مستأنفة.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} .

{وَإِذْ} : (الواو) استئنافية. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد لقومك قصة إذ قال موسى لقومه، والجملة المحذوفة مستأنفة. {قَالَ مُوسَى}: فعل وفاعل. {لِقَوْمِهِ} : متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ}. {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} : فعل وفاعل ومفعول. {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {نِعْمَةَ اللَّهِ} ؛ لأنه بمعنى إنعام الله عليكم، والجملة في محل النصب مقول القول. {إِذْ}: ظرف لما مضى متعلق بـ {نِعْمَةَ اللَّهِ} بالمعنى المذكور، أو بدل اشتمال منها كذلك اهـ. "بيضاوي". {أَنْجَاكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ}. {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَنْجَاكُمْ} .

{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} .

{يَسُومُونَكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول. {سُوءَ الْعَذَابِ} : مفعول ثان، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {آلِ فِرْعَوْنَ} ، أو حال من ضمير المخاطبين. {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول في محل النصب معطوف على {يَسُومُونَكُمْ} : وكذا {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف أيضًا على {يَسُومُونَكُمْ} . {وَفِي ذَلِكُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم. {بَلَاءٌ} : مبتدأ مؤخر. {مِنْ رَبِّكُمْ} : صفة أولى لـ {بَلَاءٌ} . {عَظِيمٌ} : صفة ثانية، والجملة الاسمية مستأنفة.

ص: 348

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} .

{وَإِذْ} : (الواو): عاطفة. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان معطوف على {نِعْمَةَ اللَّهِ} ، والتقدير: واذكر إذ قال موسى لقومه: اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا إذ تأذن ربكم، أو معطوف على {إِذْ أَنْجَاكُمْ} ، تقديره: اذكروا نعمة الله عليكم حين أنجاكم وحين تأذن ربكم. {تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} : فعل وفاعل في محل الجر مضاف إليه {إذ} . {لَئِنْ} : (اللام): موطئة للقسم. {إن} : حرف شرط. {شَكَرْتُمْ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {لَأَزِيدَنَّكُمْ} : (اللام): موطئة للقسم مؤكدة للأولى. {أَزِيدَنَّكُمْ} : فعل مضارع ومفعول في محل الرفع؛ لتجرده عن الناصب والجازم مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: وإذ تأذن ربكم، وقال: لئن شكرتم .. الخ، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم تقديره: إن شكرتم أزدكم، وجملة الشرط معترضة لاعتراضها بين القسم وجوابه لا محل لها من الإعراب. {وَلَئِنْ}:(الواو): عاطفة. (اللام): موطئة للقسم. {إن} : حرف شرط. {كَفَرْتُمْ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده تقديره: لأعذبنكم، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم الأول على كونها مقولًا لقول محذوف، وجواب الشرط محذوف أيضًا تقديره: إن كفرتم أعذبكم، وجملة الشرط معترضة أيضًا. {إِنَّ عَذَابِي}: ناصب واسمه. {لَشَدِيدٌ} : خبره، واللام: حرف ابتداء، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لعليل الجواب المحذوف.

{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)} .

{وَقَالَ مُوسَى} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {إِنْ تَكْفُرُوا} إلى الآخر: مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنْ تَكْفُرُوا} : جازم وفعل وفاعل. {أَنْتُمْ} : تأكيد لضمير الفاعل؛ ليعطف عليه ما بعده. {وَمَنْ} : اسم موصول في محل

ص: 349

الرفع معطوف على فاعل {تَكْفُرُوا} . {فِي الْأَرْضِ} : جار ومجرور صلة الموصول. {جَمِيعًا} : حال مؤكدة لكل من المعطوف والمعطوف عليه. {فَإِنَّ} : (الفاء): رابطة لجواب {إن} الشرطية، {إنا الله}: ناصب واسمه. {لَغَنِيٌّ} : (اللام): حرف ابتداء، {غَنِيٌّ}: خبره. {حَمِيدٌ} : صفة {غَنِيٌّ} ، أو خبر بعد خبر، وجملة {إن} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول {قَالَ} .

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)} .

{أَلَمْ} : (الهمزة): للاستفهام التقريري. {لَمْ} : حرف جزم. {يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ} : فعل ومفعول وفاعل ومضاف إليه مجزوم بـ {لم} ، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {مِنْ قَبْلِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه صلة الموصول. {قَوْمِ نُوحٍ} : بدل من الموصول بدل تفصيل من مجمل. {وَعَادٍ وَثَمُودَ} : معطوفان على {قَوْمِ نُوحٍ} . {وَالَّذِينَ} : معطوف أيضًا على {قَوْمِ نُوحٍ} . {مِنْ بَعْدِهِمْ} : جار ومجرور صلته. {لَا يَعْلَمُهُمْ} : فعل ومفعول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {اللَّهُ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {الَّذِينَ} ، أو من الضمير المستكن في {مِنْ بَعْدِهِمْ}؛ لوقوعه صلة. {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ}: فعل ومفعول وفاعل. {بِالْبَيِّنَاتِ} : حال من {رُسُلُهُمْ} ، والجملة الفعلية مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: وما خبرهم؛ أي: ما قصتهم وما شأنهم؟ فقيل: جاءتهم رسلهم .. إلخ، وهذه الجملة في المعنى تفسير لـ {نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {جَاءَتْهُمْ} . {فِي أَفْوَاهِهِمْ} : جار ومجرور متعلق بـ {رَدُّوا} . {وَقَالُوا} : فعل وفاعل معطوف على {رَدُّوا} . {إِنَّا كَفَرْنَا} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنَّا} : ناصب واسمه. {كَفَرْنَا} : فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب مقول قال. {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {كَفَرْنَا} . {أُرْسِلْتُمْ} : فعل ونائب فاعل.

ص: 350

{بِهِ} : متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها. {وَإِنَّا}: ناصب واسمه. {لَفِي شَكٍّ} : (اللام): حرف ابتداء. {فِي شَكٍّ} : جار ومجرور خبر {إن} ، وجملة {إن}: في محل النصب معطوفة على جملة {إن} الأولى. {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بـ {شَكٍّ} . {تَدْعُونَنَا} : فعل وفاعل ومفعول. {إِلَيْهِ} : متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها. {مُرِيبٍ}: صفة لـ {شَكٍّ} .

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا كأنه قيل: فماذا قالت لهم رسلهم؟ فأجيب بأنهم: قالوا .. الخ. {أَفِي اللَّهِ} : (الهمزة): للاستفهام الإنكاري. {فِي اللَّهِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {شَكٌّ} : مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول قال. وفي "السمين": يجوز في {شَكٌّ} وجهان:

أظهرهما: أنه فاعل بالجار قبله، وجاز ذلك لاعتماده على الاستفهام.

والثاني: أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور قبله، والأول أولى؛ لأنه يلزم على الثاني الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي، وهو المبتدأ بخلاف الأول، فإن الفاصل ليس أجنبيًّا؛ إذ هو فاعل، والفاعل كالجزء من رافعه. {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ}: صفة للجلالة. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} .

{يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} .

{يَدْعُوكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب حال من الجلالة. {لِيَغْفِرَ}:(اللام): حرف جر وتعليل. {يغفر} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير يعود على الله. {لَكُمْ}: متعلق به. {مِنْ} : زائدة. {ذُنُوبِكُمْ} : مفعول به، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل تقديره: لغفرانه لكم ذنوبكم. {وَيُؤَخِّرَكُمْ} : فعل ومفعول معطوف على {يَغْفِرَ لَكُمْ} ، وفاعله ضمير يعود على الله. {إِلَى أَجَلٍ}: متعلق بـ {يُؤَخِّرَكُمْ} . {مُسَمًّى} : صفة لـ {أَجَلٍ} . {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:

ص: 351

{إِنْ} : نافية. {أَنْتُمْ} : مبتدأ. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {بَشَرٌ} : خبر المبتدأ. {مِثْلُنَا} : صفة لـ {بَشَرٌ} ؛ لأنه بمعنى مماثل لنا، والإضافة فيه لا تفيد التعريف؛ لأنه من الأسماء المتوغلة، والجملة في محل النصب مقول لـ {قَالُوا}. {تُرِيدُونَ}: فعل وفاعل والجملة صفة ثانية لـ {بَشَرٌ} ، أو مستأنفة. {أَنْ}: حرف نصب ومصدر. {تَصُدُّونَا} : فعل وفاعل ومفعول به منصوب بـ {أَنْ} ، وعلامة نصبه حذف النون: والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: تريدون صدنا. {عَمَّا} : جار ومجرور متعلق بـ {تَصُدُّون} . {كَانَ} : زائدة. {يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} : فعل وفاعل والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: عما كان يعبده آباؤنا {فَأْتُونَا} : الفاء: رابطة لجواب شرط محذوف تقديره: إن كنتم رسلًا من عند الله كما تدعون. {أْتُونَا} : فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بإن الشرطية على كونا جوابًا لها. {بِسُلْطَانٍ} : متعلق به. {مُبِينٍ} : صفة لـ {سُلْطَانٍ} ، وجملة الشرط المحذوف في محل النصب مقول {قَالُوا} .

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} .

{قَالَتْ} فعل ماضٍ. {لَهُمْ} : متعلق به. {رُسُلُهُمْ} : فاعل، والجملة مستأنفة. {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} إلى قوله {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}: مقول محكي لـ {قَالَتْ} : وإن شئت قلت: {إن} : نافية. {نَحْنُ} : مبتدأ. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {بَشَرٌ} : خبر المبتدأ. {مِثْلُكُمْ} : صفة لـ {بَشَرٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَتْ}. {وَلَكِنَّ اللَّهَ} (الواو): عاطفة {لَكِنَّ} : حرف نصب واستدراك. {اللَّهَ} : اسمها. {يَمُنُّ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ}. {عَلَى مَنْ}: جار ومجرور متعلق به، وجملة {يَمُنُّ}: في محل الرفع خبر {لكن} وجملة {لَكِنَّ} : في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها على كونها مقول {قَالَتْ} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير على يعود على {اللَّهَ} ، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: على من يشاءه. {مَنْ يَشَاءُ} : جار ومجرور حال من الضمير المحذوف.

ص: 352

{وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .

{وَمَا} : (الواو): عاطفة. {ما} : نافية. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {لَنَا} : جار ومجرور خبر {كَانَ} مقدم على اسمها. {أَنْ نَأْتِيَكُمْ} : ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الرسل. {بِسُلْطَانٍ}: متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم {كَانَ} تقديره: وما كان الإتيان إياكم بلسطان كائنًا لنا، وجملة {كَانَ} معطوفة على ما قبلها على كونها مقول {قَالَتْ}. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {بِإِذْنِ} : جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {نَأْتِيَكُمْ} تقديره: وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا حالة كوننا ملتبسين بإذن الله. {وَعَلَى اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق بما بعده. {فَلْيَتَوَكَّلِ} (الفاء): زائدة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما قلنا لكم، وأردتم بيان ما هو الأصلح لكم .. فنقول لكم {ليَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ، (اللام): لام الأمر. {يتوكل المؤمنون} : فعل وفاعل مجزوم بلام الأمر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول {قَالَتْ} .

{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} .

{وَمَا} : (الواو): عاطفة. {ما} : استفهامية للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. {لَنَا} : جار ومجرور خبره، والجملة معطوفة على الجمل التي قبلها على كونها مقول {قَالَتْ}. {أَلَّا} {أن}: حرف نصب ومصدر. {لا} : نافية. {نَتَوَكَّلَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أن} ، وفاعله ضمير يعود على الرسل. {عَلَى اللَّهِ}: متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: في عدم توكلنا على الله، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر. {وَقَدْ}:(الواو): حالية. {قَدْ} : حرف تحقيق. {هَدَانَا سُبُلَنَا} : فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة في محل النصب حال من الجلالة؛ أي: حالة كونه هاديًا إيانا سبلنا، {وَلَنَصْبِرَنَّ}:(الواو): عاطفة. (اللام): موطئة للقسم. {نَصْبِرَنَّ} : فعل مضارع مبني على

ص: 353

الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على الرسل، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم معطوفة على ما قبلها على كونها مقول {قَالَتْ}. {عَلَى}: حرف جر. {مَا} : مصدرية. {آذَيْتُمُونَا} : فعل وفاعل ومفعول والجملة الفعلية مع {مَا} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بـ {عَلَى} تقديره: على إيذائكم إيانا، الجار والمجرور متعلق بـ {نَصْبِرَنَّ}. {وَعَلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلق بما بعده. {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} : فعل وفاعل، و (الفاء): زائدة، و (اللام): لام الأمر، أو (الفاء): فاء الفصيحة، والجملة في محل النصب مقول {قَالَتْ} .

التصريف ومفردات اللغة

{الظُّلُمَاتِ} الضلالات، والنور: الهدى، فعبر عن الجهل والكفر والضلال بالظلمات: وهي صيغة جمع، وعبر عن الإيمان والهدى بالنور: وهو لفظ مفرد، وذلك يدل على أن طرق الكفر والجهل كثيرة، وأما طرق العلم والإيمان فليس إلا واحدًا. اهـ. "خازن".

{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} ؛ أي: بتيسيره وتوفيقه.

{الْعَزِيزِ} الغالب الذي لا يغالب. {الْحَمِيدِ} المحمود المثنى عليه بحمده لنفسه أزلًا، وبحمد عباده له أبدًا.

{وَوَيْلٌ} ؛ أي: هلاك ودمار، والويل: نقيض الوأل؛ وهو؛ أي: الوأل: النجاة اهـ. "أبو السعود". وقوله: وهو نقيض الوأل بالهمز، وفي "المختار: الموئل الملجأ، وقد وأل إليه إذا لجأ، وبابه وعد، ووؤلًا بوزن وجود. اهـ. ثم قال: والويل واد في جهنم، لو أرسلت فيه الجبال .. لا نماعت من حره. اهـ. وقيل: الويل هنا بمعنى التأوه.

{يَسْتَحِبُّونَ} : من الاستحباب: وهو استفعال من المحبة، والمعنى: يختارون الحياة الدنيا.

{سَبِيلِ اللَّهِ} : دينه الذي ارتضاه لعباده. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} ؛ أي: يطلبون لها عوجًا؛ أي: زيغًا واعوجاجًا، والعوج .. بكسر العين في المعاني، وبفتحها في الأعيان.

ص: 354

{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} وفي "القاموس": وأيام الله نعمه، ويوم أيْوَم شديد وآخر يوم في الشهر. اهـ. وفي "المختار": وربما عبروا عن الشدة باليوم. اهـ. ويقال: أيام الله وقائعه في الأمم السابقة، ويقال: فلان عالم بأيام العرب؛ أي: بحروبها وملاحمها.

{يَسُومُونَكُمْ} ؛ أي: يذيقونكم ويكلفونكم. وفي "بحر العلوم": {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} من سام السلعة إذا طلبها، والمعنى: يذيقونكم أو يبغونكم شدة العذاب، ويريدونكم عليه، والسوء مصدر ساء يسوء: وهو اسم جامع للآفات كما في "التبيان"، والمراد: جنس العذاب السيء، أو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة، والاستهانة بهم وغير ذلك مما لا يحصر.

{بَلَاءٌ} ؛ أي: ابتلاء واختبار.

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} ؛ أي: آذن وأعلم، وتأذن بمعنى آذن، كوعد بمعنى أوعد، غير أنه أبلغ؛ لما في التفعل من التكلف والمبالغة. اهـ. "بيضاوي".

{إِنَّا كَفَرْنَا} إن مخففة من الثقيلة، وأدغمت نونها في نون نا الذي هو اسمها، ويصح أن تكون المشددة، فلما اتصلت، بنون الضمير اجتمع ثلاثة أمثال، فحذفت واحدة منهن لتوالي الأمثال، والمحذوف إما الثانية من نوني إن المشددة، وإما نون الضمير، وكذا يقال في قوله:{وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ} .

{مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، فهو مسند لواو الجماعة، ونا مفعول به، وهذا بخلاف ما في سورة هود من قوله:{مِمَّا تَدْعُونَنَا} فإن ذلك مسند لمفرد: وهو ضمير صالح عليه السلام، فهو مرفوع بضمة مقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير يعود على صالح تقديره: أنت، ونا: مفعول به اهـ. شيخنا.

{مُرِيبٍ} ؛ أي: موقع في الريبة، وهي اضطراب النفس وعدم اطمئنانها بالأمر، يقال: أربته إذا فعلت أمرًا أوجب ريبةً وشكًّا.

ص: 355

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع. فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} حيث استعار الظلمات للكفر والضلال بجامع عدم الاهتداء إلى المقصود، واستعار النور للهدى والإيمان بجامع الاهتداء إلى المقصود. وفي قوله:{عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} حيث استعار السبيل الذي هو محل المرور لدين الله بجامع الاهتداء إلى المقصود.

ومنها: المجاز في قوله: {فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} حيث وصف الضلال بالبعد للمبالغة؛ لأن البعد من صفات الضال، فهو نظير قولهم جد جده، وداهية دهياء، ويجوز أن يكون المعنى: في ضلال ذي بعد، أو فيه بعد، فإن الضال قد يضل عن الطريق مكانًا قريبًا، وقد يضل بعيدًا، وفي جعل الضلال محيطًا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} ، وفي قوله:{فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} .

ومنها: الطباق بين {يضل} و {يهدي} ، وبين {شَكَرْتُمْ} و {كَفَرْتُمْ} .

ومنها: الالتفات في قوله: {فَيُضِلُّ اللَّهُ} ؛ لأن فيه التفاتًا عن التكلم إلى الغيبة، فكان حق العبارة: فنضل من نشاء.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ؛ لأن المراد بأيام الله نعمه، ووجهه أن العرب تتجوز بنسبة الحدث إلى الزمان مجازًا، فتضيفه إليه كقولهم: نهاره صائم، وليله قائم، ومكر الليل.

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ؛ لأن إضافة الصراط إلى العزيز؛ وهو الله على سبيل التعظيم له، والمراد به دين الإِسلام، فإنه طريق موصل إلى الجنة والقوية والوصلة.

ص: 356

ومنها: المبالغة في قوله: {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .

{وَمِنْهَا} : التخصيص بعد التعميم في قوله: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} ؛ لأنه داخل في سوء العذاب.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية؛ لأنه شبه ترك قتلهن بالإحياء بجامع الإبقاء في كل.

ومنها: الكناية في قوله: {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ؛ لأنها كناية عن تعذيبهم.

ومنها: استعمال اللفظ العام في المعنى الخاص في قوله: {بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ؛ لأن لفظ اللسان يستعمل بمعنى العضو، وبمعنى اللغة، والمراد هنا هو المعنى الثاني؛ أي: بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم.

ومنها: الاستفهام الحريري في قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} .

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} ؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: قالوا لهم.

ومنها: الالتفات في قوله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ} عن الغيبة إلى التكلم كما في "الفتوحات".

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 357

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) ما دار من الحوار والجدل بين

(1) المراغي.

ص: 358

الرسل وأقوامهم، وذكر الحجج التي أدلى بها الرسل، وقد كان فيها المقنع لمن أراد الله له الهداية والتوفيق، ومن كان له قلب يعي به الحكمة وفصل الخطاب .. ذكر هنا أنهم بعد أن أفحموا لم يجدوا وسيلة إلا استعمال القوة مع أنبيائهم كما هو دأب المحجوج المغلوب في الخصومة، فخيروا رسلهم بين أحد أمرين: إما الخروج من الديار، وإما العودة إلى الملة التي عليها الآباء والأجداد، فأوحى الله تعالى إلى أنبيائه أن العاقبة لكم، وستدور عليهم الدائرة، وستحلون في ديارهم، وسيعذبون في الآخرة بنار جهنم، ويرون ألوانًا من العذاب لا قبل لهم بها.

قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) ما سيلاقيه الكافرون في هذا اليوم العصيب من سائر أنواع العذاب التي سلف وصفها .. بين هنا أن ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال لا يجديهم فتيلًا ولا قطميرًا، فما أشبهه إذ ذاك برماد أطارته الريح في يوم عاصفٍ، فذهبت به في كل ناحية، فهم لا يجدون من أعمالهم فيه شيئًا، ثم بين أن ذلك اليوم آتٍ لا ريب فيه، فإن من أنشأ السموات والأرض بلا معين ولا ظهير قادر على أن يفنيهم ويأتي بخلق سواهم، وليس ذلك بعزيز ولا بممتنع عليه.

قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما يلقاه الأشقياء في ذلك اليوم من العذاب، وذكر أن أعمالهم الطيبة التي كانت في الدنيا أحبطت فلم تغن عنهم شيئًا .. ذكر هنا محاورةً بين الأتباع المستضعفين والرؤساء المتبوعين، وما يحدث في ذلك الوقت من الخجل لهم، ثم أردفها مناظرة وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس، وبعد أن ذكر أحوال الأشقياء وبالغ في بيانها وتفصيلها شرح أحوال السعداء وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل.

قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ

} الآية، مناسبة (2) هذه الآية

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 359