الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا إلى غيره {مَتَابِ} ؛ أي: توبتي، وهو مصدر ميمي لتاب يتوب، وأصله (1) متابي بالإضافة إلى ياء المتكلم، ولكنها حذفت اجتزاء عنها بالكسرة؛ أي: مرجعي ومرجعكم فيرحمني وينتقم لي منكم، والانتقام من الرحمن أشد، ولذا قيل: نعوذ بالله من غضب الحليم.
وفي هذا (2): بيان لفضل التوبة ومقدار عظمها عند الله، وبعث للكفار على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجهٍ وألطف سبيل؛ إذا أمر بها عليه السلام وهو منزه عن اقترات الذنوب، فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي أحق وأجدر.
31
- {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} ؛ أي: ولو ثبت أن كتابًا من الكتب السماوية {سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} ؛ أي: نقلت بتلاوته عن أماكنها، وأذهبت عن وجه الأرض بقرائته عليها، كما فعل ذلك بالطور لموسى عليه السلام {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ}؛ أي: أو شقت الأرض بتلاوته عليها، وجعلت أنهارًا وعيونًا، كما فعل بالحجر حين ضربه موسى بعصاه {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}؛ أي: أو كلم أحد به الموتى في قبورهم بأن أحياهم بقرائته عليهم، فتكلم معهم كما وقع لعيسى عليه السلام، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره: لو ثبت أمر من هذه الأمور الثلاثة لكتاب من الكتب السماوية لثبت لهذا الكتاب العظيم، ولهذا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لما انطوى عليه من الآيات الكونية الدالة على بديع صنع الله في الأنفس والآفاق، ولما اشتمل عليه من الحكم والأحكام التي فيها صلاح البشر وسعادتهم في الدار الفانية والدار الباقية، واشتمل عليه من قوانين العمران التي تكون خيرًا لمتبعيها وفوزًا لسالكيها، ويجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.
أو التقدير: لو ثبت أمر من هذه الأمور الثلاثة لكتاب من الكتب السماوية .. لكان هو هذا القرآن لكونه ينطوي على عجائب آثار قدرة الله تعالى،
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
ولكن لم يفعل، بل فعل ما عليه الشأن الآن وهذا بمعنى قوله:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} .
خلاصة ذلك (1): لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه مما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة؛ لكان مظهر ذلك هو القرآن الذي لم يعدوه آية، واقترحوا غيره. ولا يخفى ما في هذا من تعظيم شأنه الكريم، ووصفهم بسخف العقل وسوء التدبير والرأي، وبيان أن تلك المقترحات لا ينبغي أن يؤبه لها ولا يلتفت إليها؛ لأنها صادرة عن التشهي والهوى والتمادي في الضلال، والمكابرة والعناد، لا عن تقدير للأمور على وجهها الصحيح، وتأمل في حقائقها، وما يجب أن يكون لها من الاعتبار.
ويجوز أن يكون المعنى: لو أن كتابًا فعلت بوساطته هذه الأفاعيل العجيبة .. لما آمنوا به لفرط عنادهم وعلوهم في مكابرتهم، وهذا بمعنى قوله:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} .
{بَلْ لِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {الْأَمْرُ} الذي يدور (2) عليه فلك الأكوان {جَمِيعًا} وجودًا وعدمًا إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، فله التصرف في كل شيء، وله القدرة على ما أراد، وهو قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك؛ لعلمه بأنه لا تنفعهم الآيات، وأن قلوبهم لا تلين بذلك، ولا يجدي هذا فائدة في إيمانهم.
والمعنى: بل مرجع الأمور كلها بيد الله تعالى ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن، ومن يضلل فلا هادي له، ومن يهد فما له من مضل. وهذه الجملة إضراب (3) عن ما تضمنته لو من معنى النفي؛ أي: بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك، لعلمه بأنه لا تلين له
(1) المراغي.
(2)
المراح.
(3)
البيضاوي.
شكيمتهم، ويؤيد ذلك قوله:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} والهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و {يَيْأَسِ} هنا بمعنى يعلم و {أَن} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والتقدير: أغفل الذين آمنوا كون الأمر جميعًا لله تعالى، فلم يعلموا أن الشأن والحال لو شاء الله سبحانه وتعالى هداية الناس أجمعين لهداهم جميعًا من غير أن يشاهدوا الآيات التي اقترحوها، فإنه ليس ثمة حجة ولا معجزة أنجع في العقول من هذا القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، ولكنه لم يشأ هداية جميع الناس. وقيل (1): إن الإياس على معناه الحقيقي؛ أي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم؛ لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعًا في إيمانهم.
وحاصله: أن في معنى الآية قولين:
أحدهما: أن يئس بمعنى علم.
والقول الثاني: أنه من اليأس المعروف، وتقدير القولين ما تقدم. {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالرحمن وهم كفار مكة {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا}؛ أي: بسبب ما صنعوا وفعلوا من كفرهم وأفعالهم الخبيثة {قَارِعَةٌ} ؛ أي: داهية ومصيبة تقرعهم وتفجأهم، وتفزعهم من القتل والأسر والحرب والجدب. وأصل القرع: الضرب والصدع.
وتلخيصه (2): ولا يزال كفار مكة معذبين بقارعة من البلايا والرزايا {أَوْ تَحُلُّ} القارعة؛ أي: تنزل {قَرِيبًا} ؛ أي: مكانًا قريبًا {مِنْ دَارِهِمْ} مكة فيفزعون فيها، ويقلعون ويتطاير عليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها، ويجوز أن يكون {تَحُلُّ} خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه حل بجيشه قريبًا من دارهم حيث حاصر أهل الطائف، وحيث حل بالحديبية في عامها. وقيل هذا وعيد للكفار على العموم، لا خصوص أهل مكة {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}؛ أي: حتى ينجز الله سبحانه وتعالى وعده الذي وعدك فيهم بظهورك عليهم وفتحك أرضهم وقهرك إياهم بالسيف
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ؛ أي: لا يترك وفاء الوعد الذي وعده لعباده؛ لامتناع الخلف في حقه تعالى؛ لكونه نقصًا منافيًا للألوهية، وكمال الشيء، فما جرى به وعده فهو كائن لا محالة؛ أي: إن الله تعالى منجزك ما وعدك من النصر عليهم؛ لأنه لا يخلف وعده كما قال: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)} . والميعاد (1): بمعنى الوعد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة، والوعد عبارة عن الإخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها.
وقرأ علي وابن عباس قال الزمخشري (2)، وجماعة من الصحابة والتابعين، وقال غيره: وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو زيد المزني وعلي بن نديمة وعبد الله بن يزيد: {أفلم يتبين} من بينت كذا إذا عرفته وهه قراءة شاذة وليست متواترة، وتدل هذه القراءة الشاذة على أن معنى:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ} هنا معنى العلم، كما تظافرت النقول أنها لغة لبعض العرب، وهذه القراءة ليست قراءة تفسير لقوله:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ} كما يدل عليه ظاهر كلام الزمخشري، بل هي قراءة مسندة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقرأ مجاهد وابن جبير:{أو يحل} بالياء على الغيبة وهي قراءة شاذة أيضًا، واحتمل أن يكون عائدًا على معنى القارعة، وهو أوضح، راعى فيه التذكير؛ لأنها بمعنى البلاء أو العذاب، أو تكون الهاء في {قَارِعَةٌ} للمبالغة فهو بمعنى قارع، واحتمل أن يكون عائدًا على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أي: أو يحل الرسول قريبًا. وقرىء شذوذًا أيضًا: {من ديارهم} بالجمع وهي واضحة.
الإعراب
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)} .
{الَّذِينَ} مع ما عطف عليه: مبتدأ أول، خبره جملة قوله:{أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} ، أو بدل من {أُولُو الْأَلْبَابِ} ، أو نعت له، وجملة قوله:{أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} : مستأنفة. {يُوفُونَ} : فعل وفاعل. {بِعَهْدِ اللَّهِ} : متعلق به، والجملة صلة
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.
الموصول. {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {يُوفُونَ} .
{وَالَّذِينَ} : اسم موصول معطوف على الموصول الأول. {يَصِلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {مَا}: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. {أَمَرَ اللَّهُ}: فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق به، ومفعوله محذوف تقديره: ما أمرهم الله به. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {يُوصَلَ} : فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بـ {أَنْ} المصدرية، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من ضمير به، والتقدير: والذين يصلون ما أمر الله بوصله. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَصِلُونَ} . {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَصِلُونَ} .
{وَالَّذِينَ} : اسم موصول في محل الرفع معطوف على الموصول الأول. {صَبَرُوا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة الموصول. {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}: يجوز أن يكون مفعولًا له، وهو الظاهر، وأن يكون حالًا؛ أي: مبتغين، والمصدر مضاف لمفعوله. اهـ. "سمين". ولكن الكلام على حذف مضاف؛ أي: ابتغاء ثوابه ورضاه. {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {صَبَرُوا} . {وَأَنْفَقُوا} : فعل وفاعل معطوف {صَبَرُوا} . {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بـ {أَنْفَقُوا} . {رَزَقْنَاهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره: إياه، والجملة الفعلية صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف الذي قدرناه آنفًا. {سِرًّا وَعَلَانِيَةً}: حالان من فاعل {وَأَنْفَقُوا} ، ولكنه على تأويله بالمشتق تقديره: وأنفقوا حالة كونهم مسرين ومعلنين، أو على المصدرية؛ أي: إنفاق سر وعلانية، أو على الظرفية؛ أي: وقتي سر وعلانية. ذكره في "روح البيان" كما تقدم. {وَيَدْرَءُونَ} : فعل وفاعل
معطوف على {صَبَرُوا} . {بِالْحَسَنَةِ} : متعلق به. {السَّيِّئَةَ} : مفعول به. {أُولَئِكَ} : مبتدأ ثان. {لَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم لما بعده. {عُقْبَى الدَّارِ} : مبتدأ ثالث ومضاف إليه، والجملة من المبتدأ الثالث وخبره في محل الرفع خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر للأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ} : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي جنات عدن، والجملة في محل الرفع بدل من {عُقْبَى الدَّارِ} ، أو عطف بيان منه. {يَدْخُلُونَهَا}: فعل وفاعل، ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ {جَنَّاتُ} ، ولكنها سببية. {وَمَنْ} {الواو} للمعية {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع معطوف على المرفوع في {يَدْخُلُونَهَا} ، وإنما ساغ العطف بلا توكيد، لوجود الفصل بالضمير المنصوب. {صَلَحَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {مِنْ} ، والجملة صلة الموصول. {مِنْ آبَائِهِمْ}: جار ومجرور حال من فاعل {صَلَحَ} . {وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} : معطوفان على {آبَائِهِمْ} . {وَالْمَلَائِكَةُ} : مبتدأ. {يَدْخُلُونَ} : فعل وفاعل. {عَلَيْهِمْ} : متعلق به، وكذا قوله:{مِنْ كُلِّ بَابٍ} : يتعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، أو الجملة الاسمية مستأنفة.
{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} .
{سَلَامٌ} : مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء. {عَلَيْكُمْ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لقول محذوف حال من فاعل {يَدْخُلُونَ} ، والتقدير: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب حالة كونهم قائلين: سلام عليكم. {بِمَا} : (الباء): حرف جر وسبب. {ما} : مصدرية: {صَبَرْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بسبب صبركم في الدنيا على مشاق
التكاليف، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر. {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}:(الفاء): عاطفة. {نعم} : فعل ماضٍ لإنشاء المدح. {عُقْبَى الدَّارِ} : فاعل ومضاف إليه، وجملة {نعم}: في محل الرفع خبر مقدم لمبتدأ محذوف هو مخصوص بالمدح تقديره: جنات عدن، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} على كونها مقولًا لقول محذوف.
{وَالَّذِينَ} : اسم موصول للجمع المذكر مبتدأ أول. {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول. {مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَنْقُضُونَ} . {وَيَقْطَعُونَ مَا} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَنْقُضُونَ} . {أَمَرَ الله} : فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول. {أَنْ يُوصَلَ}: ناصب وفعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {ما} ، والجملة في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من الضمير المجرور. {وَيُفْسِدُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {يَنْقُضُونَ} . {في الْأَرْضِ} : متعلق به. {أُولَئِكَ} : مبتدأ ثان. {لَهُمْ} : خبر مقدم لما بعده. {اللَّعْنَةُ} : مبتدأ ثالث، والجملة من المبتدأ الثالث في محل الرفع خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، وجملة الأول معطوفة على جملة قوله:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ} : {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} : مبتدأ وخبر معطوف على جملة قوله: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} .
{الله} : مبتدأ. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. {لِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَبْسُطُ} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد محذوف تقديره:
لمن يشاء البسط له. {وَيَقْدِرُ} : فعل مضارع معطوف على {يَبْسُطُ} . {وَفَرِحُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {بِالْحَيَاةِ}: متعلق به. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةُ} . {وَمَا الْحَيَاةُ} : (الواو): استئنافية. {ما} : نافية. {الْحَيَاةُ} : مبتدأ. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةُ} . {في} : حرف جر ومقايسة بمعنى الباء. {الْآخِرَةِ} : مجرور بها، الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المضاف المحذوف الواقع مبتدأ. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {مَتَاعٌ} : خبر المبتدأ، والتقدير: وما نعيم الحياة الدنيا حالة كونه مقاسًا بنعيم الآخرة إلا متاع.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {كَفَرُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} : مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَوْلَا} : حرف تحضيض بمعنى هلا. {أُنْزِلَ} : فعل ماضٍ مغير الصيغة. {عَلَيْهِ} : متعلق به. {آيَةٌ} : نانب فاعل. {مِنْ رَبِّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {آيَةٌ} ؛ أي: آية كائنة من ربه، والجملة من الفعل المغير ونائب فاعله في محل النصب مقول لـ {يَقُولُ}. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {إِنَّ اللهَ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنَّ اللهَ} : ناصب واسمه. {يُضِلُّ مَنْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: في محل النصب مقول {قُلْ} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللهَ} ، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من يشاء إضلاله. {وَيَهْدِي} : فعل مضارع معطوف على {يُضِلُّ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللهَ}. {إِلَيْهِ}: متعلق به. {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب مفعول {يَهْدِي} . {أَنَابَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة صلة الموصول.
{الَّذِينَ} بدل من {مَنْ} في قوله: {مَنْ أَنَابَ} بدل كل من كل، أو عطف بيان منه. {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} : فعل وفاعل معطوف على {آمَنُوا} . {بِذِكْرِ اللهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تَطْمَئِنُّ} . {أَلَا} : حرف تنبيه. {بِذِكْرِ اللهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بما بعده. {تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)} .
{الَّذِينَ} : مبتدأ أول. {آمَنُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {آمَنُوا} . {طُوبَى} : مبتدأ ثان، وجاز الابتداء به: إما لأنه علم لشيء بعينه، وإما لأنها نكرة في معنى الدعاء، كسلام عليك، وويل له. اهـ. "سمين". {لَهُمْ}: جار ومجرور خبر للمبتدأ الثاني. {وَحُسْنُ مَآبٍ} : معطوف على {طُوبَى} ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مستأنفة.
{كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. {أَرْسَلْنَاكَ} : فعل وفاعل ومفعول. {في أُمَّةٍ} : جار ومجرور متعلق به، والتقدير: أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم إرسالًا مثل إرسالنا الرسل السالفة إلى أممهم، والجملة الفعلية مستأنفة. {قَدْ}: حرف تحقيق. {خَلَتْ} : فعل ماض. {مِنْ قَبْلِهَا} : جار ومجرور متعلق به. {أُمَمٌ} : فاعل {خَلَتْ} ، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ {أُمَّةٍ} ، ولكنها صفة سببية. {لِتَتْلُوَ}:(اللام): حرف جر وتعليل. {تَتْلُوَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة؛ لأنه فعل معتل الواو، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {عَلَيْهِمُ}: متعلق به. {الَّذِي} : اسم موصول في محل النصب مفعول {تَتْلُوَ} ، وجملة {تَتْلُوَ}: صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لتلاوتك عليهم الذي أوحينا إليك، الجار والمجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَاكَ} .
{أَوْحَيْنَا} : فعل وفاعل. {إِلَيْكَ} : متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: الذي أوحينا إليك. {وَهُمْ} (الواو): حالية أو استئنافية. {وَهُمْ} : مبتدأ. {يَكْفُرُونَ} : فعل وفاعل. {بِالرَّحْمَنِ} : متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من {أُمَّةٍ} ، أو من الضمير في {عَلَيْهِمُ} .
{قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} .
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {هُوَ رَبِّي} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{هُوَ رَبِّي} : مبتدأ وخبر أول، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {لَا}: نافية. {إِلَهَ} : في محل النصب اسم {لَا} ، وخبر {لَا} محذوف جوازًا تقديره: موجود. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، ولفظ الجلالة بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا} ، وجملة {لَا} في محل الرفع خبر ثان للمبتدأ. {عَلَيْهِ}: جار ومجرور متعلق بما بعده. {تَوَكَّلْتُ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثالث للمبتدأ، أو مستأنفة. {وَإِلَيْهِ}: جار ومجرور خبر مقدم. {مَتَابِ} : مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة مناسبة لياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بالكسرة، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} .
{وَلَوْ} (الواو): استئنافية. {لَوْ} : حرف شرط. {أَنَّ} : حرف نصب ومصدر. {قُرْآنًا} : اسمها. {سُيِّرَتْ} : فعل ماض مغير الصيغة. {بِهِ} : متعلق به. {الْجِبَالُ} : نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أَنَّ}. {أَوْ قُطِّعَتْ}: فعل ماض مغير الصيغة. {بِهِ} : متعلق به. {الْأَرْضُ} : نائب فاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {سُيِّرَتْ}. {أَوْ كُلِّمَ}: فعل ماض مغير الصيغة. {بِهِ} : متعلق به. {الْمَوْتَى} : نائب فاعل والجملة معطوفة على
جملة {سُيِّرَتْ} . وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر مرفوع على كونه فاعلًا لفعل محذوف بعد {لَوْ} الشرطية، والجملة المحذوفة مع فاعلها المنسبك من {أَنَّ}: فعل شرط لـ {لَوْ} ، وجوابها محذوف تقديره: لو ثبت تسيير الجبال بكتاب من الكتب السماوية، أو تقطيع الأرض به، أو تكليم الموتى به .. لثبت كونه هذا القرآن، أو لما آمنوا به، وجملة {لَوْ} الشرطية: مستأنفة. {بَل} : حرف إضراب. {لِلَّهِ} : خبر مقدم. {الْأَمْرُ} : مبتدأ مؤخر. {جَمِيعًا} : حال من {الْأَمْرُ} ، أو من الضمير المستكن في الخبر، والجملة الاسمية مستأنفة. {أَفَلَمْ}:(الهمزة): للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، و (الفاء): عاطفة على ذلك المحذوف. {لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يَيْأَسِ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والتقدير أغفلوا عن كون الأمر لله جميعًا، فلن يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا، والجملة المحذوفة مستأنفة. {آمَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {أَنَّ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا؛ أي: أنه {لَوْ} حرف شرط. {يَشَاءُ الله} : فعل وفاعل فعل شرط لـ {لَوْ} . {لَهَدَى} : اللام: رابطة لجواب {لَوْ} {هَدَى النَّاسَ} : فعل ومفعول. {جَمِيعًا} : حال من الناس وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة الفعلية جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية: في محل الرفع خبر {أَنْ} : المخففة: وجملة {أَنْ} المخففة في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي يئس؛ لأنه بمعنى علم، والتقدير: أفلم يعلم الذين آمنوا هداية الله الناس جميعًا لو شاء هدايتهم، ولكنه لم يشأ هدايتهم جميعًا لحكمة اقتضت ذلك.
{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ} : فعل ناقص واسمه. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {تُصِيبُهُمْ} : فعل ومفعول. {بِمَا} : (الباء): حرف جر وسبب. {مَا} : مصدرية. {صَنَعُوا} : فعل وفاعل صلة {مَا} المصدرية، {مَا} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ (الباء) تقديره: تصيبهم بسبب صنعتهم القبيحة، الجار والمجرور متعلق بـ {تُصِيبُهُمْ}. {قَارِعَةٌ}: فاعل {تُصِيب} ، وجملة
{تُصِيبُهُمْ} : في محل النصب خبر (زال)، وجملة زال مستأنفة. {أَوْ}: حرف عطف وتقسيم. {تَحُلُّ} : فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على {قَارِعَةٌ} ، أو على محمَّد صلى الله عليه وسلم، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {تصيب} على كونها خبر (زال). وفي "حاشية الصاوي على الجلالين" قوله:{أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا} : معطوف على {قَارِعَةٌ} ، والمعنى: تصيبهم بما صنعوا قارعة، أو حلولك قريبًا من دارهم، والعطف يقتضي المغايرة، فالمراد بالقارعة غير حلوله، وإن كان من أعظم القوارع انتهى. {قَرِيبًا}: منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ {تَحُلُّ} ؛ لأنه صفة لمكان محذوف. {مِنْ دَارِهِمْ} : متعلق بـ {قَرِيبًا} . {حَتَّى} : حرف جر وغاية. {يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} ، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} ، بمعنى: إلى تقديره إلى إتيان وعد الله، الجار والمجرور متعلق بـ {تُصِيبُهُمْ} ، أو بـ {تَحُلُّ}. {إِنَّ اللهَ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)} والفرق بين العهد والميثاق أن العهد (1): جميع ما عهد الله عليهم من أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده على ألسنة الرسل وفي الكتب السماوية، ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه. والميثاق: هو ما أخذه الله تعالى على عباده حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذر المذكور في قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
…
} الآية.
{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحساب} قال أبو هلال العسكري (2): الفرق بين الخوف والخشية أن الخوف: يتعلق بالمكروه نفسه وبمنزل المكروه، يقال: خفت زيدًا وخفت المرض، كما قال تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ، وقال {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} والخشية: تتعلق بمنزل المكروه، فتقول: خشيت الله، ولا يسمى
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان بزيادة.
الخوف من نفس المكروه خشية، فلا تقول: خشيت المرض، بل تقول: خفت المرض، ولهذا قال:{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} ، والإضافة في {سُوءَ الْحِسَابِ} من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: الحساب السيء، وهو؛ أي: الحساب السيء: المؤاخذة بكل ما عملوه.
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا} ، والصبر: حبس النفس على أنواع البلايا والمصائب وعلى مخالفة الهوى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات.
واعلم أن مواد الصبر كثيرة:
منها: الصبر على العمى، وفي الحديث القدسي:"إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه - أي العينين، وسميتا بذلك؛ لأنهما أحب الأشياء إلى الشخص - فصبر على البلاء راضيًا بقضاء الله تعالى عوضته منهما الجنة" والأعمى: أول من يرى الله تعالى يوم القيامة.
ومنها: الصبر على الحمَّى وصداع الرأس وموت الأولاد والأحباب، وغير ذلك من أنواع الابتلاء.
ومنها: الصبر على الصوم، فإن فيه صبرًا على ما تكرهه النفس من حيث أنها مألوفة بالأكل والشرب والصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله عليه السلام:"الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان" ذكره في "روح البيان".
{ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} والابتغاء: كناية عن الإخلاص، وهو إخلاص العمل للخالق عن ملاحظة المخلوق رياءً وسمعةً وعجبًا وزينةً.
{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ؛ أي: يدفعونها بها، فيجازون الإساءة بالإحسان، أو يتبعون السيئة بالحسنة، فتمحوها. اهـ."بيضاوي". وقوله: يدفعونها بها كدفع (1) شتم غيرهم بالكلام الحسن، وإعطاء من حرمهم، وعفو من ظلمهم، ووصف من قطعهم. اهـ. "زادة".
{أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} فيه ذكر الموصوف مع حذف صفته (2)، والإضافة فيه
(1) زاده.
(2)
الفتوحات بتصرف.
على معنى في؛ أي: العقبى المحمودة في الدار الآخرة، فالعقبى المحمودة هي الجنة، والدار الآخرة أعم منها؛ لأنها تشمل الجنة والنار، والدليل على هذا النعت المحذوف قوله في المقابل:{وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} . اهـ. شيخنا. وقيل: المراد بالدار: دار الدنيا وعقباها؛ أي: عاقبتها هي الجنة اهـ. وفي "الخطيب" والعقبى: الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر. اهـ.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ} في "المصباح": عدن بالمكان عدنًا وعدونًا - من بابي ضرب وقعد - إذا أقام فيه، ومنه جنات عدن؛ أي: جنات إقامة، واسم المكان معدن، وزان مجلس؛ لأن أهله يقيمون عليه الصيف والشتاء، أو لأن الجوهر الذي خلقه الله فيه عدن ربه اهـ.
{وَأَزْوَاجِهِمْ} : جمع زوج، ويقال للمرأة الزوج والزوجة، والزوج أفصح.
{الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} يقال: قَدَر زيد إذا قتر وضيق على عياله، وفي "المصباح": وقدر الله الرزق يقدره من باب ضرب، ويقدره من باب نصر. وقرأ السبعة بكسر الدال فهو أفصح.
{إِلَّا مَتَاعٌ} ؛ أي: متعة قليلة لا دوام لها ولا بقاء. وقيل: المتاع (1) واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما. وقيل: المعنى شيء قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع، فلا بد له من زوال. وقيل: زاد كزاد الركب يتزود به منها إلى الآخرة.
{قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} ؛ أي: رجع عن العناد، وأقبل على الحق. وفي "القاموس": ناب إلى الله تعالى كأناب، والإضلال (2) خلق الضلالة في العبد، والهداية خلق الاهتداء، والدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب مطلقًا، وقد يسند كل منهما إلى الغير مجازًا بطريق السبب، والقرآن ناطق بكلا المعنيين، فيسند الإضلال إلى الشيطان في مرتبة الشريعة، وإلى النفس في مرتبة الطريقة، إلى الله في مرتبة الحقيقة كذا ذكره في "روح البيان".
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} ؛ أي: تسكن عن القلق والاضطراب وتخشع. {بِذِكْرِ اللهِ} ؛ أي: عند ذكر الله؛ أي: عند ذكر وعده بالخير والثواب، فالكلام على حذف مضاف كما قدرناه. وعبارة "الشهاب":{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ} ؛ أي: لا تضطرب للمكاره لأنسبها بالله واعتمادها عليه. اهـ. وفي "أبي السعود" وقيل: تطمئن قلوبهم بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته، أو بذكر دلائله الدالة على وحدانيته، أو بذكره تعالى أنسًا به وتبتلًا إليه. اهـ {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ}؛ أي: بذكره وحده دون غيره من الأمور التي تميل إليها النفوس من الدنيويات. اهـ. "أبو السعود".
{طُوبَى لَهُمْ} ؛ أي: لهم العيش الطيب وقرة العين والغبطة والسرور، فهو مصدر من الطيب كبشرى ورجعى وزلفى، فالمصدر قد يجيء على وزن فعلى. وقولنا: من الطيب فيه دلالة على أنه يائي، وأصله طيبى، قلبت الياء واوًا لوقوعها ساكنة إثر ضمة، كما قلبت في موقن وموسر من اليقين واليسر. اهـ. "شيخنا".
{وَحُسْنُ مَآبٍ} ، والمآب: المرجع والمنقلب.
{قَدْ خَلَتْ} ؛ أي: مضت. {مَتَابِ} ؛ أي: توبتي ومرجعي. {قُطِّعَتْ} ؛ أي: شققت.
{يَيْأَسِ} ؛ أي: يعلم، وهو لغة هوازن. وفي "المختار": واليأس: القنوط، وقد يئس من الشيء من باب فهم، وفيه لغة أخرى يئس ييئس - بالكسر فيهما -، وهو شاذ، ويئس أيضًا بمعنى علم في لغة النخع، ومنه قوله تعالى:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} . اهـ. وفيه أيضًا أيس من الأمر لغة في يئس، وبابهما فهم. اهـ
{قَارِعَةٌ} ؛ أي: رزية تقرع القلوب وتفجؤها، أو تقرعهم؛ أي: تهلكهم وتستأصلهم. وفي "المختار": قرع الباب من باب قطع، والقارعة الشديدة من شدائد الدهر، وهي الداهية.
{لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} والميعاد: مصدر ميمي بمعنى الوعد، كالميلاد بمعنى الولادة، والميثاق بمعنى التوثقة كما مر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التأكيد في قوله: {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} ؛ لأن عطفه على ما قبله من قبيل التوكيد، كما في "الجمل"؛ لأن عدم النقض يستلزمه الوفاء.
ومنها: الطباق بين {سِرًّا} {وَعَلَانِيَةً} ، وبين {الْحَسَنَةِ} و {السَّيِّئَةَ} ، وبين {يَبْسُطُ} و {وَيَقْدِرُ} ، وبين {يُضِلُّ} و {وَيَهْدِي} للتضاد بين كل من اللفظين منها، وبين {الدُّنْيَا} و {الْآخِرَةِ} أيضًا.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {إِلَّا مَتَاعُ} لحذف الأداة ووجه الشبه فيه؛ أي: إلا مثل المتاع الذي يستمتع به الإنسان في الحاجات المؤقتة في سرعة الزوال.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ؛ لأن حق العبارة ألا به تطمئن، وفيه أيضًا التكرار.
ومنها: الحصر في قوله: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} وفي قوله: {إِلَّا مَتَاعُ} .
ومنها: التحضيض في قوله: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} .
ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ} إفادة للتجدد والاستمرار؛ لأن الطمأنينة تتجدد بعد الإيمان حينًا بعد حين. اهـ. "شهاب". وفي الكرخي المضارع قد لا يلاحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال، فيدل إذ ذاك على الاستمرار، ومنه الآية. اهـ.
ومنها: التشبيه في قوله: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ} .
ومنها: التغليب في قوله: {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ؛ لأن تذكير كلم خاصة دون الفعلين قبله؛ لأن الموتى تشتمل على المذكر الحقيقي، فكان حذف التاء لتغليبه أحسن، والجبال والأرض ليسا كذلك. اهـ. "كرخي".
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ....} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما كان الكفار يسألون النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على سبيل الاستهزاء والسخرية، وكان ذلك يشق عليه، ويتأذى منه .. أنزل الله تسليةً له على سفاهة قومه قوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
…
} الآية.
قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
…
} الآيات، مناسبةُ هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (1) ما أعده للكافرين من العذاب
(1) المراغي.
والنكال في الدنيا والآخرة .. أتبعه بذكر ثواب المتقين في جنات تجري من تحتها الأنهار، ثم أردفه ذكر فرح المؤمنين من أهل الكتاب بما أنزل عليه من ربه، وإنكار بعض منهم لذلك، ثم حث الرسول صلى الله عليه وسلم على القيام بحق الرسالة وتحذيره من مخالفة أوامره، ثم ختم هذا بذكر الجواب عن شبهات كانوا يوردونها لإبطال نبوته صلى الله عليه وسلم، كقولهم: إنه كثير الزوجات ولو كان رسولًا من عند الله لما اشتغل بأمر النساء.
وخلاصة الجواب: أن محمدًا ليس ببدع من الرسل، فكثير منهم كان له أزواج وذرية ولم يقدح ذلك في رسالاتهم، وكقولهم: إنه لو كان رسولًا من عند الله لم يتوقف فيما يطلب منه من المعجزات، فأجيبوا بأن أمر المعجزات مفوض إلى الله، إن شاء أظهرها، وإن شاء لم يظهرها، ولا اعتراض لأحد عليه. وقولهم: إن ما يخوفنا من العذاب وظهور النصرة له ولقومه لم يتحقق بعد، فليس بنبي ولا صادق فيما يقول، فأجيبوا عن ذلك بقوله:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ؛ أي: لكل حادث وقتًا معينًا لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فتأخر المواعيد لا يدل على ما تدعون.
قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ
…
} الآيات. مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) أنهم اقترحوا عليه الآيات استهزاء به، وطلبوا استعجال السيئة التي توعَّدهم بها، وكان صلى الله عليه وسلم يتمنى وقوع بعض ما توعدوا؛ ليكون زاجرًا لغيرهم .. ذكر هنا لرسوله أن وظيفته التبليغ ولا يهمه ما سينالهم من الجزاء، فعلينا حسابهم، وهل هم في شك من حصول ما توعدناهم به، وهم يرون بلادهم تنقص من جوانبها بفتح المسلمين لها، وقتل أهلها وأسرهم وتشريدهم، والله يحكم في خلقه كما يريد، وقد حكم للمسلمين بالعز والإقبال، وعلى أعدائهم بالقهر والإذلال.
ثم بين أن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد مكر من قبلهم بأنبيائهم، ولم
(1) المراغي.