الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقد، الدال على الشغل عن المنعم بالنعمة.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أوعد (1) على الشرك وهدّد وحذر وأنذر، وذكر أن المشركين ينكرون الشرك يوم القيامة، ويتبرؤون من الشركاء، ويظهرون الذل والخضوع لاستيلاء الخوف عليهم، لما يرون من شديد الأهوال، وأردف ذكر طبيعة الإنسان، وأنه متبدل لا يثبت على حال واحد، فإن أحسّ القوة تكبر وتعظم، وإن شعر بالضعف أظهر المسكنة والمذلة .. أعقب ذلك بلفت أنظار الطاعنين في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى التأمل والتفكر، فيما بين أيديهم من "الدلائل" ليرعووا عما هم فيه من الغي والضلال، ويقروا بها لتظاهر الأدلة عليها، وعلى أن القرآن منزل من عند الله تعالى حقًا، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (2): ما روي أن المشركين، قالوا: يا محمد، إن كنت نبينا، فأخبرنا متى تقوم الساعة؟ فنزلت هذه الآية ردًا عليهم.
التفسير وأوجه القراءة
47
- {إِلَيْهِ} سبحانه تعالى، لا إلى غيره {يُرَدُّ} ويرجع {عِلْمُ السَّاعَةِ} إذا سئل عن القيامة، يقال: الله يعلم، إذ لا يعلمها إلا الله، فإذا جاءت، يقضي بين المحسن والمسيء بالجنة والنار، يعني: إذا سئل عنها (3) أحد، وجب على المسؤول أن يرد علمها إليه تعالى، لا إلى غيره، فإنه لا يعلم متى قيامها سواه تعالى، وقد جاء في الحديث الصحيح: أنّ جبرائيل عليه السلام، سأل
(1) المراغي.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراغي.
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال:"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". ونحو الآية: قوله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} ، وقوله:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} .
وبعد أن ذكر أنه استأثر بعلم الساعة، بيّن أنه اختص أيضًا بعلم الغيب، ومعرفة ما سيحدث في مستأنف الأزمنة، فقال:{وَمَا} نافية {تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ} {مِنْ} : مزيدة (1) للتنصيص على الاستغراق، فإنه قبل دخولها، يحتمل نفي الجنس، ونفي الوحدة.
والمعنى: ما تخرج أيّ ثمرة من الثمرات {مِنْ أَكْمَامِهَا} ؛ أي: من أوعيتها، يعني: الكفُرَّى قبل أن ينشق، وقيل: قشرها الأعلى من الجوز واللوز والفستق وغيرها، جمع كم بالكسر، وهو وعاء الثمرة وغلافها؛ أي: ما يغطّي الثمرة، كما أنّ الكم بالضم، ما يغطي اليد من القميص.
قال أبو عبيدة (2): أكمامها أوعيتها، وهي ما كانت فيه الثمرة، واحدها كم وكمة. قال الراغب: الكم ما يغطي اليد من القميص، وما يغطي الثمرة، وجمعه أكمام، وهذا يدل على أنّ الكم بضم الكاف؛ لأنه جعله مشتركًا بين كم القميص، وما يغطي الثمرة، ولا خلاف في كم القميص أنه بالضم، ويمكن أن يقال: إن في الكم الذي هو وعاء الثمر لغتين.
وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة والحسن، بخلاف عنه، ونافع وابن عامر في غير رواية، والمفضل وحفص وابن مقسم (3):{مِنْ ثَمَرَاتٍ} بالجمع، وقرأ باقي السبعة، والحسن في رواية طلحة والأعمش:{مِنْ ثَمَرَةٍ} بالإفراد.
{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} حملًا في بطنها، أيًا كان إنسانًا أو غيره {وَلَا تَضَعُ} أي: ولا تلد ذلك العمل، بمكان على وجه الأرض {إِلَّا بِعِلْمِهِ} سبحانه وتعالى (4)، استثناء مفرغ من أعم الأحوال، ولم يذكر متعلق العلم للتعميم؛ أي: وما يحدث شيء من خروج ثمرة: ولا حمل حامل، ولا وضع واضع ملابسًا
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
البحر المحيط.
(4)
روح البيان.
بشيء من الأشياء إلا ملابسًا بعلمه المحيط، واقعًا حسب تعلقه به، يعلم وقت خروج الثمرة من أكمامها وعددها وسائر ما يتعلق بها، من أنها تبلغ أوان النضج، أو تفسد قبله ونحوه ووقت العمل، وعدد أيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة. والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك، ووقت الوضع وما يتعلق به.
وفي "حواشي ابن الشيخ"، المعنى: أنّ إليه يضاف علم الساعة؛ أي: علم وقت القيامة، فإذا سئلت عنه، فرد العلم إليه تعالى فقل: الله أعلم، كما يردّ إليه علم جميع الحوادث الآتية من الثمار والنبات وغيرهما، والمعنى: أي: وما تبرز الثمرة من وعائها الذي هي مغلّفة به، وما تحمل أنثى حملها ولا تضع ولدها إلا بعلم من الله، فهو لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ونحو الآية قوله:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)} .
وفي هذا (1): دليل على أن المنجمين لا يمكنهم الجزم بشيء مما يقولون البتة، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف، قد يصيب وربما لا يصيب، وعلم الله هو المقطوع به، الذي لا يشركه فيه أحد.
ولما كان (2) ما يخرج من أكمام الشجرة، وما تحمل الإناث وتضعه، هو إيجاد أشياء بعد العدم، ناسب أن يذكر مع علم الساعة، إذ في ذلك دليل على البعث، إذ هو إعادة بعد إعدام، وناسب ذكر أحوال المشركين في ذلك اليوم، وسؤالهم سؤال التوبيخ، فقال:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي} وفي ذلك تهكم بهم وتقريع، والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير الله، فيندرج فيه عباد الأوثان؛ أي: واذكر يا محمد لقومك، يوم ينادي الله سبحانه وتعالى المشركين وذلك يوم القيامة، فيقول لهم:{أَيْنَ شُرَكَائِي} الذين كنتم تزعمون، أنهم شركائي في الدنيا، من الأصنام وغيرها، فادعوهم الآن فليشفعوا لكم، أو
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.