الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} الآية ورُوي (1): أن بعض العرب وضعت امرأته أنثى، فهجر البيت الذي ولدت فيه، فقالت:
مَا لأَبِي حَمْزَةَ لَا يَأْتِيْنَا
…
يَظَلُّ فِيْ الْبَيْتِ الَّذِيْ يَلِينَا
غَضْبَانَ أَنْ لَا نَلِدَ الْبَنِيْنَا
…
لَيْسَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا شِيْنَا
وَإِنَّمَا نَأُخُذُ مَا أُعْطِيْنَا
يقول الفقير: هذه (2) صفة المشركين، فإنهم جاهلون بالله، غافلون عن خفي لطفه، تحت جلي قهره، وأما الموحدون فحالهم الاستبشار، بما ورد عن الله أيا كان، إذ لا يفرقون بين أحد من رسله، كما أن الكريم لا يغلق بابه على أحد من الضيفان، والفاني عما سوى الله تعالى ليس له مطلب، وإنما مطلبه ما أراد الله تعالى.
18
- ثم كرر الإنكار وأكده، فقال:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري الاستقباحي داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، و {مَن} واقعة على الأنثى، والتنشئة: التربية، والحلية ما يتحلى به الإنسان ويتزين، والتقدير (3): أيجترئون ويبلغون الغاية في إساءة الأدب ويجعلون لله تعالى الأنثى التي تنشأ وتربى وتكبر في الحلية والزينة لنقصها، إذ لو كملت في نفسها، لما تكملت بالزينة، وهي أيضًا ناقصة العقل، لا تقدر على إقامة الحجة عند الخصام كما قال {وَهُوَ}؛ أي: ذلك المنشأ في "الحلية" ذكر الضمير باعتبار لفظ من؛ أي: وهو مع ما ذكر من نقص ذاتها {فِي الْخِصَامِ} ؛ أي: مع من يخاصمه ويجادله؛ أي: في الجدال الذي لا يكاد يخلو الإنسان منه في العادة {غَيْرُ مُبِينٍ} ؛ أي: غير قادر على تقرير دعواه، وإقامة حجته، كما يقدر الرجل عليه، لنقصان عقله وضعف رأيه، وربما يتكلم عليه، وهو يريد أن يتكلم له، وهذا بحسب الغالب، وإلا فمن الإناث من هو أهل الفصاحة، والفاضلات على الرجال.
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
(3)
الفتوحات.
قال الأحنف: سمعت كلام أبي بكر رضي الله عنه حتى مضى، وكلام عمر رضي الله عنه حتى مضى، وكلام عثمان رضي الله عنه حتى مضى، وكلام علي رضي الله عنه حتى مضى، لا والله، ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله عنها وقال معاوية رضي الله عنه: ما رأيت أبلغ من عائشة، ما أغلقت بابًا، فأرادت فتحه، إلا فتحته، ولا فتحت بابًا، فأرادت إغلاقه إلا أغلقته، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حقا:"إنها ابنة أبي بكر" إشعارا بحسن فهمها، وفصاحة منطقها.
والمعنى (1): أي أو قد جعلوا لله الأنثى التي تتربى في الزينة، وإذا خوصمت لا تقدر على إقامة حجة، ولا تقرير دعوى، لنقصان عقلها وضعف رأيها، وما كان ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك.
وفي قوله {يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} إيمأ (2) إلى ما فيهن من الدعة والراحة ورخاوة الخلق، بضعف المقاومة الجسمية واللسانية، كما أن فيه دلالة على أن النشوء في الزينة، ونعومة العيش من المعايب والمذام للرجال، وهو من محاسن ربات الحجال، فعليهم أن يجتنبوا ذلك، ويأنفوا منه، ويربؤوا بأنفسهم عنه، قال شاعرهم:
كُتِبَ القَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا
…
وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذَّيُوْلِ
ورُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اخشوشنوا في الطعام، واخشوشنوا في اللباس، وتمعددوا؛ أي: تزيوا بزي معد في تقشفهم، وفي الآية، دلالة على أن التحلي بالذهب والحرير مباح للنساء، وأنه حرام على الرجال؛ لأنه تعالى جعل ذلك عنوانا على الضعف والنقصان، وإنما زينة الرجال الصبر على طاعة الله تعالى، والتزين بزينة التقوى.
وفيها إشارة (3) إلى أن المرء المتزين كالمرأة، فالعاقل يكتفي بما يدفع الحر والبرد، ويجتهد في تزيين الباطن، فإنه المنظر الإلهي، ولو كانت للنساء عقول
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
روح البيان.